دكتاتورية حكم الذوات من بعض العائلات
جريدة المجد - 22/11/2004
المحامي ضويع المحادين
هناك ظاهرة تستوطن الأردن منذ العشرينات من القرن العشرين حتى اليوم و هي سيادة بعض العائلات و تعاقبها على رئاسة الوزراء و الوزارات ، و من التمعن في هذه الظاهرة يتضح أن هناك ذوات من بعض العائلات تتعاقب على الحكم مع بعضها البعض ، و أصبح بين الذوات من هذه العائلات علاقات صداقة و خدمات و مصاهرة و خدمات متبادلة ، و كل ذات لها أعوان و أنصار و لها سنادات و حمالات و ركازات تثبتها في المواقع الحساسة خلال وجودها في الحكم و بعد خروجها من الحكم لتفسح المجال لذات أخرى من عائلة أخرى بحيث يعتمد عليها لقضاء مصالحه خلال وجوده خارج الحكم ، و كل ذات تأتي لموقع المسئولية تزر لها ركازات و سنادات و حمالات .
و هكذا اتسعت الدائرة و جرت المصاهرة بين الذوات و أصبح في الأردن فئة من الذوات يعرفون لعبة الحكم كما يعرفون لعبة الكراسي ، و لهم صالونات و نوادي خاصة بهم يتداولون في شؤون الحكم و يقدمون المساعدات و الخدمات لبعضهم البعض بحيث أصبح ما يشبه التروست أو الكار تل في علم الاقتصاد و يتحكمون في مصير البلد
و من مجموع الذوات من بعض العائلات أصبح لهم ميزة خاصة تميزهم عن الناس و شكلوا ما يعرف بطبقة البراهمة عند الهنود حيث أن طبقة البراهمة عند الهنود هي طبقة مميزة مفضلة لها قدسية و لها حرمة خاصة لا يجوز للعوام الدخول إلى هذه الدائرة أو معرفة ما يجري فيها و ما تخطط و يتعاملون مع بقية الشعب من موقع الرفعة و الفوقية و النظرة الدونية للناس و أي خدمة تقدم للناس تعتبر من نوع المنة أو التلطف أو الشفقة أو مساعدة المسكين أو الفقير .
و لان هذه الفئة تعرف منافذ الثروة فان الغنى الفاحش هو احد صفاتها و يمكن القول أن هذه الفئة لا تتجاوز في عددها مع أقاربها و أعوانها و أصهارها و أصهار أصهارها و المؤلفة قلوبهم معها لا يتجاوزون 20% من مجموع السكان و عليه فان السلطة و الثروة محصورة في 1% من سكان الأردن و هم فئة البراهمة و قلما يدخل إلى هذه الفئة من الشعب أشخاص جدد تحت ظروف معينة و بداية ينظرون إلى الفئة الجديدة كنظرة الريبة حتى يتأكدون أنها انخرطت في التشكيلة و انسجمت مع طبقة البراهمة .
و عودة إلى 99% من الناس فأنهم مع اختلاف وضعهم الاجتماعي و الاقتصادي لا يستطيعون تحقيق مصالحهم إلا عن طريق الرجاء أو التوسل أو النفاق لطبقة البراهمة ، و مع الإشارة إلى أن النفاق أنواع فهناك نفاق من الدرجة الأولى يسود طبقة البراهمة للجهات العليا ، و هناك نفاق من الدرجة الثانية يمارسه الراغبون بالتودد لطبقة البراهمة . و هناك النفاق من الدرجة الثالثة و يمارسه الراغبون بالتودد و التوسل لمن يوصلهم للطبقة الثانية .
و هكذا يسود في المجتمع أن من لا ينافق و يتوسل و يهدر كرامته لا تقضى مصالحه ، و تجدر الإشارة إلى أن هناك أشخاصا في المجتمع الأردني خارج فئة البراهمة أصحاب كفاءة و أخلاق و لديهم كرامة و لكنهم لا يصلون لمواقع المسؤولية لان كرامتهم و تربيتهم الوطنية و الدينية و الخلقية تمنعهم من الانزلاق في طريق النفاق ، و يبقون خارج النشاط السياسي في البلد و يلتزمون بيوتهم و مصالحهم الخاصة و هم صامتون و يعرفون و لكنهم لا يتكلمون مقتدين بقول الشاعر ( محمد رضا ) حين كان عالما فاضلا ن في ميدان الابتعاد عن مواقع النفاق للمسئولين :
و قد يقول قائل أن هناك من يمثل الشعب و هم النواب ، و الرد هو أن قانون الانتخاب و إفراز المرشحين و ضعف الأحزاب و النزعة العشائرية و عدم استطاعة التربية في الأردن من خلق المواطن الصالح المدني الذي يؤمن بالأخلاق ذوات من عائلات معق و الشعب و بالقانون السليم مع سوء التطبيقات العملية و الممارسة الفعلية للنشاط السياسي و فشل الأحزاب و التربية في خلق المواطن الصالح كل هذه جعلت إمكانية التقدم الحضاري بعيد المنال و لا تزال في الأردن نعيش الفزعة العشائرية ، و التعصب العشائري و التعاون بين العائلات و الشلل و الأفراد و المشاركة في تحقيق الأرباح و المكاسب و المحسوبية و الواسطة و الخدمات المتبادلة و غيرها .
و كل ذلك جرى و يجري في إطار ذوات من عائلات معينة لا يتجاوزون الخمس عشرة عائلة يتناوبون على مواقع الحكم و يقدمون لبعضهم البعض الخدمات المتبادلة و يتصرفون على اعتبار أن الأردن مزرعة خاصة بهم و في هذا المجال فاني اذكر مقولة القائد التركي كمال أتاتورك حيث قال : لا يوجد ظلم في العالم فإذا شعر المظلوم بالظلم و أحس به فانه يتحرك لرفع الظلم و يزاح الظلم و بالتالي لن يبقى هناك ظلم و إذا كان المظلوم لا يشعر بالظلم و لا يحس به فانه لا يوجد ظلم حيث انه راض بالواقع و لا مبرر للتحرك .
و ختاما أن الأردن لجميع أبنائه جميعهم يقدمون العمل و التضحيات كل حسب جهده و ظروفه و إمكانياته و هذا يقتضي أن يساهم أبناء الأردن ذو الكفاءة و المقدرة و الثقافة في إدارة شؤون الأردن و لا يكون الأداء حكرا على فئة خاصة بحكم مقدرتها على الاتصال و الوصول و ... الخ .
و من يريد تطبيق العدالة و المشاركة فالطريق واضح و حبذا لو عقد مؤتمر وطني أردني نظيف من أصحاب الرأي لرسم سياسة أردنية سليمة في الداخل و الخارج .