شكرا للفاتيكان و عتباً على الأزهر و الحجاز
جريدة العرب اليوم – الثلاثاء - 7/9/1999
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، هذه الآية الكريمة من سورة الفاتحة و بحدود معرفتي البسيطة في فهم معنى هذه الآية فان الله سبحانه و تعالى خالق الكون و مبدعه هو رب لكل العالمين دون استثناء ، و العالمين تعني كل الناس المؤمنين و غير المؤمنين و اليهود و المسيحيين و المسلمين و البوذيين و عدة النار و الشيوعيين و عبدة الشمس و القمر و السابقين من الناس و اللاحقين فالكون كله يسير بإذن الله و كل من يدب عليه ، و الله الذي هو رب العالمين أورد ضمن سياق هذه الآية صفة له هي الرحمن ثم أكدها بصفته الرحيم ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ ، و الرحمن و الرحيم تعني عمل الصالحات و مساعدة المحتاجين و الناس أجمعين و الصفح عن أخطائهم و الأخذ بيدهم و تجاوز حالات الضعف و الطيش و الانحراف و قد رد في كثير من الآيات في القرآن الكريم ( الذين آمنوا ) ، و على حد معرفتي لم ترد جملة الذين آمنوا إلا و تبعها عملوا الصالحات بمعنى أن الإيمان الحقيقي لا يكتمل إلا إذا تبعه عمل صالح ، الله سبحانه و تعالى خلق الكون بما فيه الناس ، و من خلال الآيات يتضح أن العمل الصالح لفائدة الناس مطلوبة حتى تنبت إنسانية الإنسان فكل إنسان في الوجود له عقل و قلب و عواطف تغذى بالناحية الروحية من خلال الدين الذي يعتنقه و من خلال النزعة الروحية تظهر لديه عوامل المساعدة و الشفقة و الرحمة و يشعر بالسعادة عندما يقدم العون و المساعدة للمحتاجين و كثيراً ما تتحقق السعادة بالعطاء أضعاف ما تتحقق بالأخذ .
و من خلال هذا المفهوم الذي رافق الإنسان منذ نشأته على هذه الأرض لم نقرأ أو نشاهد أن إنسانا مر في طريقه على إنسان يتألم أو مريض أو جائع أو جريح إلا و قدم له المساعدة الممكنة حتى إيصال إلى حالة يستطيع من خلالها أن ينهض و يتقدم و يطلب المزيد و من ثم يعتمد على نفسه و يدرج على هذه الأرض ، هذه إنسانية الإنسان حتى ولو كان هذا الإنسان المريض أو الجريح أو الجائع خصما أو عدوا للإنسان الذي يفاجأ به
هذه الصفة موجودة لدى الإنسان العادي أي إنسان و في أي مكان مهما اختلفت الديانات و القوميات و المذاهب و الأجناس و الأعراق .
أعود لموضوع أطفال العراق الذين يعيشون في العراق من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربة ، فهؤلاء الأطفال الأبرياء خلقهم الله و شاء قدرهم أن يكونوا في العراق بلد عريق في التاريخ منذ آلاف السنين و تواجد هؤلاء الأطفال على ارض العراق شيء طبيعي و منسجم مع سنن الكون و هم كغيرهم من أطفال العالم لم يصدر عنهم قرار حرب أو اعتداء أو ظلم ، و من هؤلاء الأطفال من هو مسلم و مسيحي و عربي و كردي و أشوري و يهودي و هذا قدرهم ، و ها نحن نرى أمريكا و بريطانيا و من يسير معهما أو بركابهما يحاصرون هؤلاء الأطفال في غذائهم و دوائهم منذ سنة 1990 ، حتى الوقت الحاضر و هم يعدون خمسة ملايين طفل تقريبا و يحصل هذا أمام سمع العرب المسلمين والمسيحيين و القادة و الزعماء و الأمم المتحدة و زعماء العالم و أمام المسلمين من غير العرب و كل شعوب و دول الأمم المتحدة و لم نر ضمائر الزعماء و العلماء و الدول و الشعوب على مختلف مواقعهم و دياناتهم تتحرك و ترفع صوتها عاليا ، و تقول ارفعوا الظلم عن أطفال العراق ارفعوا الحصار عن الأطفال ، اتقوا الله يا بشر و الأدهى و الأمر أن الأمم المتحدة التي تضم أكثر من 150 دولة لم نرها تتقدم بمشروع لرفع الحصار عن شعب العراق وأطفاله و مما يزيد الأمر مرارة أن الشعوب العربية و الإسلامية لا تتحرك ضمائرهم لمساعدة ذوي القربى و كأن قلوبهم تحجرت بأوامر من أميركا و بريطانيا و من يسير في ركابهما إلا بعض الأصوات الخافتة المخنوقة التي لا تستطيع أن تسمع صوتها للعالم و كأن في أذان الشعوب العربية و الإسلامية وقراً ، فلا يكادون يسمعون ا ويعون و في الليلة الظلماء يفتقد البدر ، فوجئ العالم بالصوت الإنساني الجريء الخارج من الفاتيكان على لسان قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ليقول بصوت مرتفع و جريء ارفعوا الحصار عن العراق ، و رغم اعتراض أميركا و بريطانيا على ذلك فان قداسة البابا قرر زيارة العراق بنفسه ليعبر من خلال هذه الزيارة المقدسة عن تأييده و مطالبته برفع الحصار عن شعب العراق .
إن ما قام به قداسة البابا يشكل عملا إنسانيا نبيلا و جريئا متجاوزا لكل الضغوط السياسية البعيدة عن الأخلاق الفاضلة و اثبت أن القيادة الروحية للدين المسيحي تقوم بدورها في خدمة الإنسانية عندما تدلهم الأمور ويصبح العالم بحاجة إلى صوت الحق الصادق البعيد عن التعصب و المصالح السياسية و الطغيان فتحية للبابا و إجلالا للفاتيكان على وقفته ضد الظلم .
و هنا لا بد من تسجيل العتب على الأزهر في مصر و الذي لم نسمع عنه انه قام بدوره في نصرة الحق و دفع الظلم و هو يشكل هرم القيادة للمسلمين و أن من لا يقوم بدوره المطلوب في الأزمات يتجاوزه مرور الزمن و لم يعد يحسب له حساب و كذلك شيوخ الحجاز الذين لعبوا في التاريخ القديم دورا جيدا في تثبيت دعائم الإسلام و الوقوف مع الحق و العدالة ضد الظلم و الطغيان ولا أريد الحديث مطولا عن الأزهر و الحجاز و لكني أقول لا بد من هزة ضمير ، و الرجوع إلى جوهر الدين الصحيح و الخروج عن هيمنة الحكام الذين تحركهم المصالح السياسية الدولية .
وقد ورد في الإنجيل ما يلي :
1- ( فان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا أبوكم السماوي ، و أن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم إنجيل متى 6 .
2- ( طوبى للجياع و العطاش إلى البر لأنهم يشبعون ، طوبى لرحماء لأنهم يترحمون ، طوبى لأتقياء القلب لأنهم يعاينون الله ) إنجيل متى 5 .
3- ( إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ) إنجيل متى 5.
4- ( و من سقى احد هؤلاء الصغار كأس ماء فقط باسم تلميذ فالحق أقول انه لا يضيع أجره ) إنجيل متى 10 .
5- ( لا يقدر احد أن يحترم سيدين ، لا تقدرون أن تحترموا الله و المال ) .
6- ( سمعتم انه قيل تحب قريبك و تبغض عدوك و أما إنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ) إنجيل متى 65 .
7- ( كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه على الطريق ) إنجيل متى 5 .
كما ورد في القرآن الكريم الآيات التالية :
1- ﴿ و لا تستوي الحسنة و لا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ فصلت 34 .
2- ﴿ إن الله يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) النساء 136 .
3- ﴿ و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى ﴾ طه 82 .
4- ﴿ إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء والمنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾ النحل 90 .
5- ﴿ عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودة و اله قدير و الله غفور رحيم ﴾ الممتحنة 7 .
6- ﴿ و لتكن منكم امة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون ﴾ .
7- ﴿ كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ﴾ آل عمران 110 .
8- ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ﴾ الأحقاف 13 .
و حيث أن المبادئ واحدة فلماذا لا يكون الالتزام بها واحد وما يدفع بابا الفاتيكان وفرنسا و روسيا و الصين إلى الوقوف مع أطفال العراق رغم معارضة أميركا و بريطانيا وإسرائيل فما الذي يمنع علماء الدين الإسلامي في الأزهر و الحجاز من الوقوف معهم كذلك علما بأنهم إخوتهم في العروبة و الإسلام .