الحزبية و العشائرية
جريدة الشعب – السبت – 12 حزيران 1993
قال تعالى : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، أن أكرمكم عند الله اتقاكم ﴾ صدق الله العظيم .
باعتقادي أن هذا الموضوع كان يجب أن يكتب مفكرون و سياسيون و تربويون منذ زمن لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة و متعلقة بالتقدم العلمي الثقافي و السياسي في البلاد العربية بشكل عام و الأردن بشكل خاص ، لان الواقع العربي في كافة المجالات متشابه .
و كما هو معروف فان التعليم قد انتشر بنسبة عالية في الوطن العربي بانتشار الكليات و الجامعات ، وكما أن نسبة المتعلمين و المثقفين تتفاوت بين قطر عربي و آخر بسبب الظروف ، و قد أدى انتشار التعليم إلى انتشار الأفكار القطرية و العربية و الإسلامية والعالمية دون الدخول في التفاصيل و أدى انتشار التعليم إلى انتشار الحزبية بين المتعلمين والمثقفين و انضمت نسبة كبيرة من المثقفين و المتعلمين إلى أحزاب قطرية أو عربية أو عالمية أو إسلامية ، و كان هناك قادة للأحزاب السياسية و مجالس قيادة كما هو معروف ومكاتب سياسية ثقافية و على مدى نشاط المتحمسين من الحزبين انتشرت الحزبية ولدى معظم هذه الأحزاب مناهج عمل لغايات التنظيم و بيان البرامج و الأهداف و الوسائل التي باعتقادهم أنها توصل البلد الذي يعملون به إلى حال أفضل إذا اتبعت البلد منهاج ذلك الحزب ، أو فيما إذا وصل ذلك الحزب إلى الحكم ، فانه فيما يعتقد و يقول بأنه سيحل مشاكل المجتمع و يحوله إلى المجتمع الفاضل في ظل هذه المقاييس النظرية .
و من المهم أن الشباب و الشابات يعتنقون مبادئ حزب أو تنظيم معين من خلال قناعاته و ثقافته و إيمانه بمناهج و أهداف ذلك الحزب ، و هذا الشاب المتعلم الذي يلتحق بالحزب و هو محكوم بظروفه الخاصة من حيث انه متعلم يشعر أن من حقه أن يكون طموحا و يحقق ذاته و يخدم ذويه و أصدقاءه و وطنه و أمته و هو يسعى للوصول إلى مركز متقدم و يطرح مقولة خدمة المجتمع و تحسين أوضاعه و تحقيق فرص عمل للجميع دون تميز ، و تحقيق العدالة في الثروة و إزاحة الظلم و المحسوبية و هكذا ، و كما ذكرت فان هناك فروقا فردية بين أعضاء الحزب الواحد من حيث الثقافة و الكفاءة و الشخصية و التكتيك و العلاقات الاجتماعية و الدماثة و الكرم و الوضع المالي الأساسي و درجة الإيمان بمبادئ الحزب .
هناك نقطة هامة يجب أن أشير إليها و هي أن الحزبية هي مرحلة متقدمة على ضوء ما ذكرت حضاريا على التفكير العشائري الذي يعتمد على اعتزاز الفرد بعشيرته و ينحاز لها و وقوفه مع الصالح من و الطالح فمثلا نلاحظ أن الفرد يقف مع عشيرته في كل القضايا و مع كل أفرادها في حال تعرضهم للمشاكل فهذا الوضع العشائري شيء طبيعي بالنسبة للشخص العشائري و لكن كيف يكون موقف المتعلم المثقف الحزبي من بعض أبناء عشيرته الذين يرتكبون الموبقات كالسرقة و الرشوة و الزنا و التهريب و الفساد و ما إلى ذلك فهو في هذه الحالة أمام أطروحات مبادئ حزبه التي تدعو إلى الخلق الفاضل و الصدق و الإخلاص و الأمانة و احترام القانون و إتباع مناهج التربية و بشكل عام بمبادئ الحزب التي جاءت لخدمة قضايا المجتمع بشكل عام و ليس لخدمة فئة معينة و عشيرة معينة ، و كذلك هو أمام أطروحات العشيرة التي تعتقد أن من واجب أبنائها أن يقفوا معها في كل الحالات تحت مقولة :
و ما أنا إلا من غزية أن غوت غويت و أن ترشد غزية فارشد
فهل إذا اتبع طريقة حقوق العشيرة بقي حزبيا صادقا مخلصا لمبادئ حزبه الذي هو متقدم حضاريا على الطرح العشائري أم انه يصاب بالنكوص إلى عشيرته و يندمج بها ،وينصر أخاه ظالما أو مظلوما ، فهو بين خيارين لا يتفقان أبدا ، فالحزبي يهدف إلى خدمة المجتمع دون تفريق أو تحيز لأنه من خلال أفكار حزبه يقوم بتأدية واجباته لخدمة كل الناس و عليه فان افقه واسع و ثقافته واسعة و كبيرة هدفها خدمة المجتمع و الشعب والأمة ، أما العشائري فان ثقافته محدودة وافقه مغلق على واقعه العشائري و بالتالي فهو منحاز إلى عشيرته من خلال ثقافته و بالتالي لا يصلح لأن يكون مسئولا عاما و قد يكون سبب فشل الكثيرين من الحزبيين بالاستمرار بالعمل الحزبي عدم مقدرتهم على موائمة أوضاعهم الحزبية مع أوضاعهم العشائرية .
و مع الأسف تشير الدلائل العملية الملموسة أن معظم الشباب الحزبيين و الذي مضى على انتسابهم لحزب ثلاثين عاما و هم بقراءة المبادئ و النظام الداخلي للحزب قد وصلوا إلى مراكز متقدمة في الحزب سرعان ما رأيناهم ينكصون إلى عشيرتهم عند أول امتحان و الأدهى و الأمر انه بعد نكوصه و تجاوز هذا الموقف يعود و يتكلم عن الحزب والحزبية و ضرورة مكافحة الفساد و المحسوبية و مناصرة العدل و قطع دابر المفسدين ويتكلم عن العدل و المساواة و النزاهة و كأن شيئا لم يكن أو الوصول إليه انه من باب احترام الإنسان لنفسه و لعلمه و ثقافته و شخصيته عليه أن يكون رجلا صادقا مع نفسه و يفكر جيدا ثم يختار ، و في حال الاختيار عليه الالتزام ، و أن يحترم نفسه و يجاهد بموقفه و يرفع صوته مع الحق و العدالة و تقدم المجتمع و يكون في هذه الحالة حزبيا صادقا أما إذا أراد الالتصاق بعشيرته و مناصرتها و تأييد أفراد عشيرته تحت أي ظرف فان هذا من حقه ، و لكن حذار من اللعب على حبلي الحزبية و العشائرية ، فالحزبية شيء و العشائرية شيء آخر .
فالحزبي هو صاحب النظرة الشمولية لخدمة المجتمع و الشعب و العمل على تغيير الواقع لما هو أفضل و هو رائد في خدمة كل الأفراد دون تميز و تفرقة دينية أو طائفية أو عرقية أو إقليمية أو عشائرية ، بيمنا العشائري فهو الشخص الذي يرى من واجبه تحقيق طموحاته الفردية و من ثم تقديم الخدمات لعشيرته دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح العامة للمجتمع و الشعب و الأمة ، و أرجو أن أوضح هان بان هناك فرق بين العشائرية والانتساب للعشيرة فقد قال تعالى : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، أن أكرمكم عند الله اتقاكم ﴾صدق الله العظيم .
و اتقاكم تعني هنا أن يكون الإنسان مؤمنا صادقا أمينا مخلصا عادلا ، و هو في هذه الصفات الحميدة ينتمي إلى عشيرة فلا ضير في ذلك و لكن الضير كل الضير هو التعصب للعشيرة مهما كانت الأسباب و الدوافع علما بأنه يوجد في كل عشيرة من هو جيد ، الذي يستحق الاحترام و المساعدة و من هو سيء الذي يجب الوقوف ضده و عدم مناصرته و يجب أن لا ننسى أن الشخص الجيد الذي يخدم الصالح العام و يخدم الإنس دون تمييز ينال احترام المجتمع و تفتخر به عشيرته لأنه لم ينحاز لها ، و أمنا كان انحيازه للحق و الصالح العام و العدل و المحصلة فان الإنسان الجيد كل الطيبين عشيرة له بما فيهم الطيبون من عشيرته .
و ختاما فان الموضوع يحتاج إلى مزيد من البحث و المناقشة لتعلقه بعمل الحكومة و إرضاء و البرلمان و الأحزاب و العشائر و حسن أداء الوظيفة و الصالح العام .