الطحين الأميركي و بول الضبع
جريدة الوحدة – الأربعاء – 7/8/2002
الموروث الشعبي في الأردن كنا و نحن أطفال نسمع من أمهاتنا و جداتنا و خالاتنا إننا إذا لم نسمع منهم و إطاعة أوامرهن سوف يأتي الضبع في الليل ليأكلنا و كانت تخوفنا من الضبع ، و الضبع حيوان مفترس مثل الكلب و اكبر حجما منه و يعيش على أكل اللحوم و ينام نهارا في وكره أو مغارته .
و يخرج ليلا ليبحث عن فريسة سواء كانت حيانا أو إنسانا .
و كانت أمهاتنا و جداتنا و خالاتنا تحكي لنا ليلا و الظلام دامس أن الضبع عندما يخرج ليلا ليبحث عن فريسة و عندما يصادفه إنسان فان الضبع يبول على ذيله حتى يبتل ثم يرش بوله بواسطة ذيله على فريسته من بني آدم و عندما يلامس هذا البول وجه الفريسة و جسمه ، فان الإنسان يصاب بالخدران و يفقد ذاكرته و يصبح في حالة ذهول ، و يفقد السيطرة على عقله و أعصابه ، و من ثم يرى نفسه يسير ببطء خلف الضبع الذي يسير أمامه متجها إلى مغارته و يدخلها ، ثم يدخلها بعده الفريسة و هناك في المغارة يفترس الضبع فريسته و يأكلها .
و يستمر سرد القصة انه عندما يدخل الإنسان الفريسة إلى المغارة و كان طويل القامة فان رأسه يضرب بصخرة باب المغارة ، لأنه مذهول ، و إذا ما ضربته الصخرة برأسه و ينزل الدم فانه فورا يصحو من ذهوله و يعود له عقله و يدرك الخطر المحدق به ثم يهرب و في هذه الحالة فقط التي يلعب الظرف فيها لعبة ينجو الإنسان من افتراس الضبع له .
هذه الحكاية سمعتها و سمعها من أبناء جيلي في المنطقة الكثيرون و تعتبر من الموروث الشعبي الأردني .
و عطفا على حكاية الموروث الشعبي هذه أعود إلى الطحين الأميركي .
شعوب العالم الثالث الفقيرة و كما نعلم مكتوب على الشوالات هدية من الشعب الأميركي إلى الشعب ..... ، و كما ن علم فان العالم الثالث بشكل عام لم يعد يهتم بزراعة المحصولات البلدية لأنها متعبة و مكلفة و بدأ الناس يتجهون إلى الوظيفة و الأعمال الأخرى و ابتعادا بشكل عام عن الزراعة ، كما هو معروف أن استيراد الحبوب مقابل الثمن أو استلامها بدون ثمن على شكل مساعدات من الولايات المتحدة الأميركية صار أسهل من العمل في الزراعة البلدية ، و أصبح الإقبال على استهلاك الطحين الأميركي عاملا شاملا لأنه متوفر و رخيص بل و مجانا للدول أحيانا و الدول تبيعه لشعوبها .
و مع الزمن أصبحت الشعوب التي تستورده و تأخذ مجانا الطحين الأميركي منقادة سياسيا و ثقافيا و اقتصاديا و حتى اجتماعيا للولايات المتحدة الأميركية ، و ضعفت لديها بذرة الاستقلال ، و لم تستطع أن تعارض أميركا أو تقول لها لا ، و أصبح أمرها ليس في يدها و أصيبت بالذهول و ضعفت جينات الكرامة ، و الاستقلال لديها و فقدت حريتها و هانت عليها أوطانها و أصبحت هذه الشعوب و حكامها مهيضي الجناح تجاه أميركا تماما كما حصل مع الإنسان الذي أصابه بول الضبع في قصة الموروث الشعبي المار ذكرها و انتشر الهون في هذه الشعوب حتى وصل الهوان إلى القادة و الحكام في حالة شاملة من الذهول و فقدان الهوية و ضعف الإرادة و الشعور بالذات و نظرة إلى الوطن العربي كجزء من العالم الثالث نرى الحيرة و الضعف و التهاون و الارتباك و الذهول و التبعية و عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح بل و ادهي من ذلك و أمر ، أصبح العرب ينتظرون الفرج من خارج الوطن العربي أما من أميركا أو فرنسا أو روسيا أو الصين أو الأمم المتحدة و ليس لدى العرب من قوة سوى أن يرفعوا أيديهم بالاستسلام و لا حول لهم و لا قوة و هم مرتبكون قادة و حكاما و أحزابا و شعوبا و أفرادا و هم يسيرون بدون وعي خلف الولايات المتحدة الأميركية تماما كما يسير الإنسان المسلوب الإرادة خلف الضبع بعد أن أصيب ببول الضبع ، و هنا يمثل العرب الإنسان المسلوب الإرادة الذي يسير خلف الضبع و يمثل الضبع الولايات المتحدة الأميركية و يمثل الطحين الأميركي بول الضبع .
بقي أن يتغير الحال و يشاء الله أن تضرب الصخرة رؤوس القادة و الزعماء العرب لينزل دمهم من رؤوسهم ليصحو و تعود إرادتهم لهم و ليسلموا و تسلم شعوبهم من الافتراس الأميركي ثم يعودوا للنهوض و التعاون البناء بينهم و بإرادة قوية لخدمة أوطانهم و شعوبهم في إطار العقل و العلم .