المتغيرات و محادثات السلام و الاحتمالات
17 كانون الثاني 1991
إن موضوع الساعة الذي يدور حوله الحديث في معظم الاجتماعات و الحوارات بين الناس ، على اختلاف مواقعهم و مستوياتهم الثقافية ، على طول العالم العربي و الإسلامي ، هو محادثات السلام بين العرب و إسرائيل .
و لا بد عند الحديث عن هذا الموضوع أن يسبقه حديث عن المتغيرات التي سبقت محادثات السلام ثم الاحتمالات .
لا أريد أن اذهب بعيدا في الزمن الماضي ، و لكنني ابدأ من البرويسترويكا إعادة البناء و هي المنهج الذي طرحه رئيس الاتحاد السوفيتي السيد غورباتشوف ، و التي هي نقد للحكم الشيوعي ، و كشف عن نقاط الضعف التي طالما غطيت و جرى التستر عليها ، حتى تكشف الأمور ، و ظهر ضعف الاتحاد السوفيتي ، و بدا نجمه يخبو كدولة عظمى مقابل الولايات المتحدة ، ثم بدا المعسكر الشيوعي يتقهقر ، و عليه و بالنتيجة أصبحت الولايات المتحدة الأميركية سيدة العالم بلا منازع ، و قامت تلعب دورها الحاسم في معظم قضايا العالم ، سواء قضايا المعسكر الشيوعي أم أفغانستان أم الخليج أم يوغسلافيا أم أوروبا أم الشرق الأوسط و بخاصة ضد العراق ، و من ثم القضية الفلسطينية .
و من المعروف أن الصهيونية تسيطر على السياسة الأميركية الداخلية و الخارجية و كان لا بد أن يجري البحث عن امن إسرائيل ، و تحقيق السلام بينها و بين جيرانها العرب ، و أميركا تعرف جيدا نهج أي دولة في الشرق الأوسط و من خلال دراستها لخريطة الشرق الأوسط ظهر لها أن هناك دولة عربية هي العراق تسير في طريق التقدم العلمي و بناء قوتها الذاتية ، و بخاصة بما يتوافر لها من تجربة عملية من الحرب العراقية الإيرانية ، كما أن هذه الدولة تطرح شعارات الوحدة العربية و العدالة في الوطن العربي ، و استقلال الوطن العربي في القرار ثم تحرير فلسطين من الصهيونية ، و كما هو معروف فان هذه الشعارات لا تحظى برضا إسرائيل و لا برضا الولايات المتحدة و عليه كان لا بد من ضرب العراق تحت أي ذريعة ، فإذا ضرب العراق و هناك مصر قد خرجت من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي ، فان النتيجة غياب أقوى دولتين عربيتين ، و هما مصر و العراق عن معركة العرب مع إسرائيل و في مثل هذا الظرف فان مسار السلام و محادثات السلام بين الدول العربية الأخرى و إسرائيل معروف النتائج ، و هي على كل حال في صالح إسرائيل و ثم فعلا ضرب العراق ، و ها هو يداوي جراحه معتمدا على نفسه و بعيدا عن مسرح محادثات السلام و قبله عزلت مصر عن العرب ، و أصبح العرب في حالة لا يحسدون عليها ، و في اضعف حالات الوضع العربي طرح الرئيس الأميركي بوش مبادرة آذار سنة 91 لإجراء محادثات سلام بين العرب و إسرائيل و مارست الولايات المتحدة الضغوط على الدول العربية و إسرائيل للبدء في محادثات السلام وكان ذلك بناء على رغبة الولايات المتحدة الأميركية .
محادثات السلام :
بدأت محادثات السلام و لا يخفى على احد من المهتمين بالأمور العامة إنها جاءت بعد أكثر من سبعين عاما من العداء بين الصهيونية و العرب أي منذ وعد بلفور سنة 1917م فلم يكن من السهل أن يقبل الناس محادثات السلام ، و بهذه الكيفية و بهذه السرعة و في اضعف حالات العرب ، و لذلك فهناك من العرب يعارضون محادثات السلام كما انه لا يخفى على احد من المهتمين أن من العرب من يؤكدون محادثات السلام و لا بد في مثل هذا الحال أن يختلف الفريقان و كل له حججه و لا بد في أجواء الديمقراطية و التعددية السياسية أن يكون من حق الناس أن يختلفوا في آرائهم ، كل بطريقته الخاصة ، و ضمن ظروفه و موقعه و ثقافته ، حيث أن الاختلاف حقيقة دائمة لدى البشر و يكاد يكون من سنن الحياة و قد ورد في القرآن الكريم آيات حول موضوع الاختلاف قال تعالى في محكم كتابه العزيز ﴿ و ما كان الناس إلا أمه واحدة فاختلفوا و لولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ﴾ . و كما قال تعالى : ﴿ و لو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة و لا يزالوا مختلفين ﴾ .
و عليه و ما دام الاختلاف من طبائع البشر فيجب علينا أن نحسن فن الاختلاف ، و ذلك بالحوار الموضوعي المبني على المنطق الهادئ الذي يعتمد المعلومات و الحقائق ، و المهم أن نكون معا كلنا ، و أن نكون يدا واحدة قوية ، قادرة على احتمال الاختلاف في الآراء و التوجهات ، و مبصرة ترى أن المستقبل لا يخص مجموعة أو فئة من الناس بل يخصهم جميعا بدون استثناء ، و عليه و في إطار احترام الرأي و الرأي الآخر فاني سأورد ما يقوله أصحاب الرأي المؤيد لمحادثات السلام و من ثم ما يقوله أصحاب الرأي المعارض لمحادثات السلام .
حجج مؤيدي محادثات السلام :
1- أن العرب ضعفاء بالمقارنة مع إسرائيل الولايات المتحدة و لا يستطيعون تحقيق الهدف الأساسي للأمة العربية ، الذي طالما نادوا به و هو تحرير فلسطين كامل ارض فلسطين و أن هذا الهدف في ظل الظروف العربية و الدولية أصبح بعيد المنال إذا لم يكن مستحيلا .
2- أن الولايات المتحدة الأميركية بقوتها المسيطرة على العالم بلا منازع بعد تقهقر الاتحاد السوفيتي ، تؤيد بقاء إسرائيل و أمنها ، و لا تسمح بتدميرها و هذه سياسة أميركية معروفة منذ قيام إسرائيل .
3- أن إسرائيل بذاتها قوية عسكريا و علميا ، كما إنها قوة نووية و تهدد جميع الدول العربية التي لا تملك مثل هذا السلام ، إذا ما فكرت هذه الدول بمهاجمة إسرائيل على فرض اتحادها في تحقيق هذا الهدف ، في حين أن الواقع غير ذلك .
4- الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي و النظام العالمي الجديد الذي تتحكم به الولايات المتحدة الأميركية يمنع التعرض للشرعية الدولية و إسرائيل كما هو معروف دولة معترف بها من الأمم المتحدة و مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ، و عليه فان القضاء عليها و تحرير فلسطين يكاد يكون مستحيلا .
5- أن الظروف الدولية الحالية ، و وجود الأمم المتحدة و ضمان مبدأ الشرعية الدولية من قبل دول قادرة يحول دون تحقيق طموحات بعض القادة العرب بالانتصارات و الفتوحات و نشر المبادئ و الأفكار كما مر في التاريخ القديم العربي و العالمي و الإسلامي .
6- اليهود شعب سام كان موجودا في فلسطين و بعض البلدان العربية منذ زمن بعيد ، و قد عاشوا مع العرب و المسلمين قرونا عديدة ، كما يذكر ذلك التاريخ العربي و الإسلامي و لذلك فانه يمكن التعايش بين العرب و اليهود في فلسطين كالسابق مع بعض الفروق في الشكل و المضمون أملتها الظروف الدولية الجديدة .
7- طالما أن فلسطين واقعيا بحدودها الجغرافية و مساحتها 27 ألف كيلو متر مربع يقطنها اليهود و العرب فانه يمكن بواسطة تحقيق السلام إقامة دولتين فيها ، دولة عربية و دولة يهودية تستطيعان التعايش مع بعضهما بعضا ، و من ثم مع دول المنطقة الأخرى ، و مع اعتراف أصحاب هذا الرأي بان هذا الحل إذا حصل لا يوفر الحقوق العربية المشروعة كاملة في فلسطين ، إلا انه يبقي أفضل من حتمية الحرب التي تؤدي إلى التدمير الكامل لفلسطين و المنطقة المحيطة بها ، بسبب استعمال الأسلحة الكيماوية و البيولوجية و النووية إذا تم اختيار الطريق الآخر .
8- أن الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين و خارجها يعيش حياة معاناة التشرد و الفقر و الإهانة في ظل ظروف اللاحرب و اللاسلم ، و في ظل التطورات و الأحداث المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط ، و حصول هذا الشعب على نصف حقه أفضل نم الاستمرار في المعاناة التي لا يعرف لها حد ، في ظل ظروف فلسطينية و عربية و إسلامية لا تبشر بالخير للشعب الفلسطيني و لا حتى لغيره .
9- السلام في حال تحقيقه يجعل شعوب المنطقة و حكوماتها تهتم بأمور التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و تحقيق التقدم و الرفاهة بعيدا عن أجواء الحروب و تبدأ علاقات ودية بين دول المنطقة من جهة و بينها و بين دول العالم من جهة أخرى .
10- و كما يقول أصحاب هذا الرأي فانه في حال تحقيق السلام بالرغم من انه لا يعيد كامل الحقوق لأهلها ، فانه يمكن التوصل إلى إزالة أسلحة الدمار الشامل من المنطقة ، و هي الأسلحة الكيماوية و البيولوجية و النووية و تصبح منطقة الشرق الأوسط نظيفة مما يساعد على استمرار الحياة البشرية السليمة فيها.
حجج معارضي محادثات السلام
1- أن الأمة العربية نم المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي امة عربية واحدة تاريخا واحد و مصالحها واحدة ، و لغتها واحدة ، و أن كانت مقسمة إلى د ول عديدة فان ثقافتها واحدة و قيمها واحدة ، و من هذه القيم الحفاظ على الأرض و عدم التفريط بأي جزء منها مهما كانت الظروف و مهما كانت قوة الأعداء ، و عليه ففلسطين جزء من الأرض العربية ، اغتصبت من قبل الصهيونية بمساعدة الدول الاستعمارية في حالة من حالات ضعف الأمة العربية و يجب التريث حتى تقوى الأمة العربية ، و تتغير الظروف الدولية ، حيث يكون تحرير كامل فلسطين هو واجب كل العرب و ليس واجب الفلسطينيين فقط .
2- أن الصهيونية حركة استعمارية جاءت من أوروبا و جميع بقاع العالم إلى فلسطين العربية ، و اغتصبتها بمساعدة الدول الاستعمارية و أنشأت فيها دولة إسرائيل ، و هي دولة عدوانية قامت بطرد الشعب الفلسطيني من فلسطين ، و استولت على أرضه و حولته إلى لاجئين مشردين بدون ارض و هي تستقدم كل يوم وكل شهر و كل سنة المهاجرين اليهود نم كل دول العالم و هي بحاجة إلى ارض لاستيعابهم مما يحتم عليها أن تكون دولة عدوانية توسعية على حساب الأرض العربية المجاورة ، و على ضوء هذا الوضع فانه يجب مجابهة العدوان بالقوة الممكنة أينما كان موقعه ، و على كل مواطن أو مزارع أو جندي أو موظف أو مسئول أو قائد أو حاكم أن يجاهد و يقاوم على الدوام حتى حرير فلسطين كاملة ، و إعادتها إلى الوطن العربي مهما طال الزمن ، مع احترام حق اليهود الذي كانوا يعيشون في فلسطين قبل عام 1947 ( المادة السادسة من الميثاق الوطني الفلسطيني ) .
3- أن القول بان العرب ضعفاء حاليا صحيح ، و كثيرا ما مر على الأمة العربية حالات من الضعف و الانقسام و الهزيمة و على مر التاريخ ، أسوة بباقي الأمم ، لكناه سرعان ما تنهض بفضل وعي أبنائها و إخلاص القادة ، و تستعيد قوتها ، و توحد صفوفها ، و من ثم تهزم المعتدين الغزاة ، و قد حدث هذا في التاريخ مرارا .
4- أن العرب و المسلمين يؤمنون بان فلسطين ارض مقدسة باركها الله ، و لها صلة وثيقة بينهم ، قال تعالى : ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ﴾ ، و عليه ففلسطين باركها الله و لا يجوز دينيا التفريط بشبر واحد منها و تحريرها من العدوان الصهيوني واجب يني مقدس يؤمن به أكثر من مليار مسلم ، يشكلون أربعين دولة هذا بالإضافة إلى أن فلسطين جزء من الوطن العربي ، و تحريرها واجب قومي عربي ، يؤمن به أكثر من مائتي مليون عربي و عليه فهل يقبل العرب و المسلمون احتلال فلسطين من قبل الصهيونية ؟
5- أن الولايات المتحدة الأميركية قوية فهذا صحيح ، و لكن أصحاب هذا الرأي يقولون إلى متى ستبقى أميركا قوية أن قوة أميركا و سيطرتها على العالم لن تدوم ، هكذا تشير حركة التاريخ و قد يأتي حين من الدهر تنقسم فيه أميركا إلى دولة ضعيفة كما تقسم الاتحاد السوفيتي في وقت لم يكن احد في العالم يتصور أن يحصل فيه هذا و بهذه السرعة ، و نحن كمسلمين نؤمن بكتاب الله فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير ﴾ .
6- أن إسرائيل و منذ قيامها و هي تستقدم المهاجرين من اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين و لا تزال و مع ازدياد سكانها فهي لن تكتفي بجزء من فلسطين ، و لن تكتفي بكل فلسطين في المستقبل و هي مضطرة للتوسع على حساب الدول العربية المجاورة و هناك شعار في إسرائيل يقول ( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ) ، و لن يؤخرها عن تحقيق هذا الشعار إلا توافر الظروف الملائمة ، مثل زيادة عدد سكانها و التأكيد الدولي و من ثم الضعف العربي .
7- أن محادثات السلام التي تجري هي في حقيقتها محادثات بين حكومات عربية و حكومة إسرائيل إذا ما نتج عنها اتفاقات أو معاهدات فإنها تكون بين حكومات فلو افترضنا حصول تغيير في بعض الأنظمة العربية و لو في المستقبل ، أو بعد حين فأين يكون مصير هذه الاتفاقات أو المعاهدات ولا ننسى أن حركة السياسة في الوطن العربي تشبه حركة رمال الصحراء ، التي تمسي على حال و تصبح على حال آخر و نظرة بسيطة لما جرى من التغيرات على الأنظمة العربية و الإسلامية في العقود الاربعة الماضية مثل مصر و الشام و العراق و اليمن و ليبيا و السودان و إيران و باكستان و أفغانستان حيث كان التغير في كثير من الأحيان إلى النقيض في حركة مد و جزر بين كل من التيارات القومية و الدينية تقنعنا بان السلام القائم على اغتصاب فلسطين سلام هش و غير مستقر و غير مقبول .
8- قد يحصل السلام مؤقتا بين العرب و إسرائيل بسبب الظروف الدولية ، و لكن سوف يندلع صراع مرير بين الدول العربية بسبب النزاعات الإقليمية أو الفكرية أو الحزبية أو العائلية أو الدينية أو المذهبية أو القومية أو العرقية ، و هذه حقيقة أدركها الخليقة الراشد عمر بن الخطاب في خلافة أبي بكر الصديق ، و على اثر حروب الردة ، و مفاد هذه الحقيقة أن العرب سوف ينشغلون يبعضهم في الحروب إذا لم ينشغلوا في حروب خارجية و كان أن جهزت خمسة جيوش احدها للعراق و أربعة للشام و خرج العرب من الجزيرة و حاربوا و انتصروا و نشروا الإسلام و لم يتغير العرب اليوم عن العرب السابقين فالاختلاف و النزوع إلى السلاح من طبائع العرب بغض النظر عن النتيجة .
9- يقول أصحاب هذا لماذا العجلة فالكيان الإسرائيلي عمره في فلسطين ثلاثة و أربعون عاما ، و إسرائيل قوبة الآن ، و مدعومة من الدول الاستعمارية و عليه فالصبر هو المطلوب حتى تتغير الظروف العربية و الظروف الدولية فتاريخنا يشير إلى أن الصليبين احتلوا فلسطين ، و جزءا من الأردن ، و جزءا من مصر ، و بعد مائتي عام خرجوا و التتار هاجموا العراق و الشام و احتلوهما ، و لكنهم دحروا فيما بعد و الأتراك سيطروا على الوطن العربي خمسمائة عام ثم خرجوا و الفرنسيون استعمروا الجزائر مئة و ثلاثين عاما ثم قالوا أن الجزائر جزء من فرنسا ، و لكن الشعب الجزائري و بدعم من الأمة العربية اخرج الفرنسيين ، هذا تاريخ امتنا فلماذا بعد هذا التاريخ تصبح ثلاثة و أربعين عاما عبئا ثقيلا في هذا الزمن العربي الرديء ، فالأمة قد تغفو و قد تنام و لكنها لن تموت بل ستنهض و تقوى و تطرد المعتدين ،
10- و أخيرا يرى أصحاب هذا الرأي أن تراجع العرب و قبولهم بتنازلات في فلسطين سيكون مقدمه لتراجعهم في قضاياهم الأخرى مع جيرانهم مثل قضايا الخليج وشط العرب و شمال العراق و مياه نهر الفرات مع تركيا و لواء الاسكندرونه ، و مياه نهر النيل مع الحبشة و جنوب السودان و اريتريا و شريط اوزو بين ليبيا و تشاد ، و صحراء أوغادين بين الصومال و الحبشة و سبته و مليلة بين المغرب و اسبانيا و المياه الإقليمية على السواحل العربية و من ثم يصبح التراجع أمرا مقبولا بحيث يصبح قول الشاعر : من يهن يسهل الهوان عليه ، و كما يقول العسكريون ( فان أي تراجع في ميدان المعركة سيؤدي إلى تراجع آخر ، و من ثم فان مجموع التراجعات يؤدي إلى الهزيمة ، و عليه فان الأمة العربية بالرغم من ظروفها الصعبة ليست مجبرة على الدخول في دهليز التنازلات لأعدائها عن الحقوق العربية بل يمكن ترك الأمر للأجيال القادمة فقد تتغير الظروف و تستطيع استعادة حقوق الأمة كاملة و التاريخ يعيد نفسه ..
أما وقد وافقت الدول العربية على الدخول في محادثات السلام مع إسرائيل فإننا كمواطنين بالرغم من عدم اطلاعنا على السياسة الدولية و ظروف الدول العربية فان من حقنا أن نبدي بعض الملاحظات و التساؤلات و التصورات ، صحيح إننا لسنا مسئولين أو قياديين لكننا بكل تأكيد عرب و مواطنون .
أولا : كان يجب أن تتم محادثات السلام بإشراف الأمم المتحدة بحيث يكون المرجع الرئيسي للمحادثات هو قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية منذ عام 1947 ، و بدءا بالقرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947 و حتى الوقت الحاضر أما أن تجري المحادثات خارج إطار قرارات الأمم المتحدة ، فان ذلك يعطي إسرائيل حق التخلص من مضمون هذه القرارات و تبدأ من جديد و في هذه الحالة لها أن توافق على ما تريد و ترفض ما لا تريد و بدون مرجعية تلزمها بالتقيد و التنفيذ .
ثانياً : أليس من الأفضل أن يذهب العرب إلى المحادثات من خلال وفدين اثنين ، وفد عربي مشترك من جميع الدول العربية ، و وفد فلسطيني ، بحيث يطرح الوفد العربي المشترك الحل الشامل و العادل لجميع القضايا المعلقة بين إسرائيل و الدول العربية و الشعب الفلسطيني و حقوقه ، و يطرح الوفد الفلسطيني بالتنسيق مع الوفد العربي المشترك خصوصية القضية الفلسطينية و حقوق الشعب الفلسطيني و في هذه الحالة تكون النتيجة واضحة في حال إنجاح أو الفشل فأما أن تتحقق المطالب العربية و الفلسطينية في حال إنجاح و أما أن يعود الوفدان العربي و الفلسطيني بموقف موحد في حال الفشل .
ثالثاً : لماذا الإصرار على مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية مباشرة في محادثات السلام طالما إنها تقف عمليا خلف المفاوضين الفلسطينيين و لماذا لا تبقي المنظمة في خط الدفاع الثاني تراقب المباحثات ؟ فإذا كانت النتيجة غير محققه لحقوق الشعب الفلسطيني فتستطيع المنظمة رفض نتائج المباحثات ، و تسير في طريقها الطويل المنسجم مع الأهداف التي رسمتها لنفسها عند قيامها بدون أن تكبل نفسها بأي قيود أو التزام قد يضعف قوتها و موقفها في المستقبل عندما تريد أن تستأنف نضالها ، و لا ننسى أن أغلبية الناس من عرب و مسلمين يقفون خلف منظمة التحرير الفلسطينية لأنهم أيدوا أهدافها المعلنة و لم يؤيدوها لتتقدم لقيادة مفاوضات التسوية ، و تسترجع جزءا من فلسطين .
رابعاً : أن محادثات السلام محادثات ليس بالضرورة أن تصل إلى نتيجة و احتمالات عدم نجاحها مساوية لنجاحها أن لم تكن أكثر و عليه فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتوقف الانتفاضة الفلسطينية مقابل أي شرط كان ، حتى لو كان إيقاف بناء المستوطنات ، لأن الانتفاضة الفلسطينية الشعبية هي التي حركت القضية الفلسطينية بعد سبات استمر عشرات السنين بل يجب استمرار الاحتجاجات و المظاهرات و استعمار الحجارة و الزجاجات الحارقة و السكاكين و الابتعاد عن استعمال السلاح الناري و تنظيم الانتفاضة بحيث تعتمد النفس الطويل ، و على فترات أسبوعية أو شهرية ، بحيث تسمع العالم صوتها و هو المطالبة بالحقوق الفلسطينية المشروعة ، و تدعم الدول و الشعوب العربية و الإسلامية الانتفاضة ماديا و إعلاميا و سياسيا ، و يجب أن تستمر الانتفاضة بأسلوب النفس الطويل حتى الصول على كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، و هنا يجب تشكيل لجان شعبية و رسمية في كل الدول العربية و الإسلامية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة .
الاحتمالات :
قد تسير محادثات السلام ، لكن الزمن لا يتوقف فالأحداث متجددة و متلاحقة ، و ستؤثر في مجملها في هذه المحادثات أما سلبيا أو ايجابيا و من هذه الاحتمالات :
أولا : أن يبطئ سير المحادثات لأي سبب مما سيوصلنا إلى مرحلة الانتخابات إلا أميركية في شهر 11 سنة 1992 ، و بكل تأكيد سيكون لهذه الانتخابات الأولوية و سيكون هناك اثر كبير للنتائج التي ستظهر في الولايات المتحدة ، و على سير هذه المحادثات و على الأغلب لن تكون لصالح العرب بل لصالح إسرائيل .
ثانيا : قد تفشل المحادثات و يحصل هناك رد فعل فلسطيني من خلال تصعيد الانتفاضة ، و هنا تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ سياستها التي هددت بها مرارا ، و هي سياسة الترانسفير أي ترحيل سكان الضفة الغربية إلى شرق الأردن و هنا يستقبل الأردن المحدود الإمكانات الهجرة الفلسطينية الرابعة ، و تتضاعف مشكلات الأردن .
ثالثا : ظهور قوة عالمية كبيرة تقف في وجه الولايات المتحدة الأميركية و تحد من سيطرتها على العالم و هنا يعود العالم إلى سياسة المعسكرين من خلال الحرب الباردة ، و تعود قضية فلسطين إلى المسرح من جديد و قد تكون هذه الدولة هي الصين أو ألمانيا أو فرنسا أو روسيا بحصول انقلاب شيوعي جديد ، و إرادة الله لن تبقى قوة واحدة مهيمنة على الأرض ، قال تعالى : ﴿ و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾ ، فلن يستمر قوي على وجه الأرض إلا إلى حين .
رابعا : ظهور تغيرات في الخريطة العربية بسبب شعور العرب بالحيف أو بسبب تعنت إسرائيل ، مثل الوحدة بين مصر و سوريا ، أو الوحدة بين العراق و سوريا ، أو بين مصر و سوريا و العراق ، و في حال حصول ذلك فان جميع الدول العربية الأخرى ستقف مع هذه القوة الجديدة كما اثبت التاريخ ذلك و ما ظرف حرب تشرين 1973 عنا ببعيد .
خامساً : ظهور تنسيق عملي بين التيارات الإسلامية كافة ، في المغرب العربي و مصر و المشرق العربي و إيران و الباكستان و أفغانستان بحيث يتم التنسيق على توحيد الهدف و هو الجهاد في سبيل تحرير فلسطين بغض النظر عن الخلافات بين التيارات و الاجتهادات ، و بالتأكيد سيلتقي معها التيار القومي العربي على هذا الهدف كذلك ، مع تأجيل كل الخلافات مع التيارات الإسلامية ، و في حال حصول ذلك سيكون هنالك نتيجة يؤكدها التاريخ العربي و الإسلامي ، و لن تكون إلا في صالح العرب و المسلمين .