أين ذهبت هذه التضحيات و ماذا حققت
15/2/2005
في عامي 54 ، 55 ، كنت طالبا في دار المعلمين الريفية – بيت حنينا – و تقع ما بين القدس و رام الله و كانت الضفة الغربية يوم ذاك جزءا من الأردن ، كما كان قطاع غزة مع مصر ، و جنوب لبنان مع لبنان بطبيعة الحال ، قبل أن تحتله إسرائيل سنة 82 ، و هضبة الجولان جزء من سوريا ، و الجيوش العربية المصرية و الأردنية و السورية و اللبنانية على حدود دولة إسرائيل من الشمال و الشرق و الجنوب ، هذا هو الوضع حين ذاك ، و إسرائيل تعيش ضمن حدود 1948 .
و على حد قول أجهزة الاعلام الغربية و العربية و العالمية ، أن إسرائيل كانت تسعى بخطى حيثية للمصالحة مع العرب و انهاء الصراع العربي الاسرائيلي على أن يقبل العرب بوجود إسرائيل بحدود سنة 48 ، و طالما انها تسعى للصلح و قد كانت على استعداد لتقديم التنازلات ، و منها تعديل الحدود برضاء الاطراف ، و إعادة بعض الفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم ما قبل 48 ، بالإضافة لتوفير منافذ للأردن إلى البحر الابيض المتوسط ، و معبر ما بين الضفة الغربية و قطاع غزة ، حيث كانت هناك مساعي لضم قطاع غزة إلى الضفة الغربية و التي هي جزء من الأردن .
لم يتحقق الصلح لأن العرب رفضوه رفضا باتاً ، و كانوا يعتبرون أن من يوافق على ذلك يعتبر خائنا لامته و وطنه و دينه ، و كان الرأي العام العربي مع هذا الاتجاه لأن العرب كانوا يأملون بالنصر المؤزر و طرد الاسرائيليين و تحرير كامل فلسطين مستذكرين معارك اليرموك و القادسية و حطين و غيرها .
في سنة 65 ظهرت للوجود حركة التحرير الفلسطينية ( فتح ) ، و بدأت بواسطة بعض عناصرها تطلق النار على حدود إسرائيل و كان هدفها بطبيعة الحال تحرير كامل فلسطين المحتلة سنة 48 حيفا ، عكا ، يافا ، اللد ، الرملة ، بئر السبع ، و إعادة اللاجئين الفلسطينيين اليها و على ضوء ذلك سارعت إسرائيل سنة 1967 باحتلال الضفة الغربية كاملة و هضبة الجولان و قطاع غزة و شبة جزيرة سيناء ، و قدم العرب آلاف الضحايا المصريين و الفلسطينيين و الأردنيين و السوريين و العراقيين ، و منذ ذلك الحين لم تتزحزح إسرائيل من شبر واحد اللهم تخلت عن سيناء منزوعة السلام لمصر على اثر اتفاقية كامب ديفيد و التي جاءت بعد حرب 1973 ، و التي قدم فيها آلاف الضحايا ، كذلك و الحال كما هو عليه .
ثم ظهرت حركات تحرير فلسطينية اخرى ، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و الجهاد الاسلامي ، و حركة حماس و غيرها و غيرها ، و كلها قدمت ضحايا بالمئات و الآلاف و الهدف كما هو معروف تحرير كامل فلسطين و طرد إسرائيل ، حتى هنا و الحال مقبول من حيث أن امة احتلت ارضها من قبل الغاصبين المحتلين و من واجبها القتال حتى طرد الغزاة و الامر حتى هنا مقبول و طبيعي و الكفاح المسلح العربي الفلسطيني يسير في الاتجاه الصحيح مع فارق القوة و التكنولوجيا ، و الدعم الدولي اسوة بما حصل في فيتنام و اليمن الجنوبي و افغانستان و الجزائر ، اذ كان الهدف النهائي تحرير الوطن و طرد المحتل و حققت تلك الشعوب اهدافها و نجحت و سجلت هذه الانتصارات في التاريخ ، و الأمم العظيمة تحول الألم و المعناة إلى نصر و أمل مشرف و تحرير .
و لكن الذي هو غير طبيعي ( هو المفاوضات بين الفلسطينيين و الاسرائيلين ) ، في مدريد ، اوسلو ، وادي عربة ، كامب ديفيد ، العقبة ، شرم الشيخ ، و السؤال هو : على ماذا تم التفاوض اصلا ما دام هذه المنظمات المسلحة هدفها تحرير كامل فلسطين ، و طرد الاسرائيليين من فلسطين ؟ فعلام التفاوض إذا ؟؟ هل وافقت إسرائيل على ترك فلسطين و تسليمها للفلسطينيين كما خرج الامريكان من فيتنام أو الفرنسيين من الجزائر و الروس من افغانستان و الانجليز من اليمن الجنوبي ؟ إذا كان هذا نتيجة المفاوضات فقد تحقق النصر و حققت المنظمات الفلسطينية اهدافها و سيسجل التاريخ لها ذلك .
أما أن تكون نتيجة المفاوضات وقف اطلاق النار بين الطرفين و حفظ الامن على الجانبين فما الذي تحقق و ماذا ربحت المنظمات الفلسطينية و اين ذهبت تضحية الآلاف من الفلسطينيين و العرب ، و ماذا يسجل التاريخ للمفاوضين الاشاوس الذين لم يقدروا التضحيات التي قدمت بالآلاف و مئات الآلاف من الشهداء العرب و الفلسطينيين ، و مالذي يجبر المفاوضين على ذلك ؟ لماذا لم يتركوا الكفاح المسلح و النضال للفلسطينيين و العرب ليحاربوا دفاعا عن وطنهم ؟ و رغم فارق القوة و الامكانيات و ليمتد النضال 10 – 20 – 50 – 100 – 200 – 300 عام بل 800 عام ، كما امتد الكفاح ضد الصليبيين 200 عام ، و امتد الكفاح من شعب الجزائر ضد فرنسا 130 عام ، و امتد كفاح شعب اليمن الجنوبي 100 عام ، و امتد كفاح العرب ضد الاتراك 400 عام ، بل و امتد كفاح الشعب الاسباني ضد العرب في الاندلس 800 عام ، و اخيرا كل هؤلاء بالصبر و الإرادة و طول النفس و استغلال الجغرافيا التي تحارب دائما مع اهلها ضد الغزاة ، حققوا اهدافهم بتحرير الوطن و طرد الغزا ، و لماذا نرى بعض المفاوضين ( بصلته محروقه ) و يحمل نفسه ما لا تحتمل و ما لا يغفر له التاريخ و لا الأمة و لماذا لا تخرج القيادة الفلسطينية السياسية من فلسطين و تنزل المقاومة الفلسطينية تحت الارض و تستمر المقاومة المسلحة بكل انواع المقاومة ، و لتأخذ كل ما تحتاجه ، و ما يحتاجه الوطن من تضحيات لان نسبة تزايد السكان عند العرب يفوق كل امم الارض ، و من يموت يأتي بدلا منه الآلاف ، أما العمل السياسي و قيادة المفاوضات بلا فائدة فأقل ما يقال فيها أن هذه السياسة تشبه مشي الديك في الطين ( الطين اللزج ) ، بالعامية ( اللاصة ) ، و خلاصة ذلك تكون كل خطوة اسوأ من التي قبلها ، و اخيرا اتركوا فلسطين للأجيال القادمة التي ستحررها أما الذين يئسوا و تعبوا فشكرا على جهودهم و ليرتاحوا ، و قد ورد في القرآن الكريم : ﴿ لا يكلف الله نفساً إلى وسعها ﴾ .