الخلاف سياسي و ليس مهنيا
جريدة الدستور – الأربعاء – 23/3/2005
الموضوع الذي يشغل بال الحكومة و النقابات والناس على مختلف مواقعهم و اتجاهاتهم هو الخلاف الناشئ بين الحكومة و النقابات .
و كل طرف يتكلم و يقدم الحجج لدعم موقفه ، و انه هو الذي يحترم مواد الدستور و القانون ، و لكن الاجتهاد مختلف من كل جهة ، حيث أن كل طرف يجد في الدستور و القانون ما يدعم وجهة نظره ، و قد نشرت الصحف اليومية و الأسبوعية مقالات كثيرة حول هذا الموضوع ، و حيث إنني نقابي محام و مواطن ، رأيت من حقي أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع ، و أقول بصراحة إن الخلاف بين الحكومة و النقابات هو خلاف سياسي بالدرجة الأولى ، أما باقي المواضيع من المهنة و المهننة و الثغرات الموجودة في إدارة النقابات و جهودها و تجاهلها أحيانا لكثير من المواضيع التي تهم النقابيين فهذه الأمور ليست طارئة و لا جديدة ، بل هي موجودة مع وجود النقابات المختلفة على الهيئة العامة ، و تتخذ سببا في الدعاية عند كل دورة ترشيح ، و يتكلم النقابيون عن الثغرات في عمل مجلس النقابة و يحمد من يحمد و ينتقد من ينتقد و توزع البيانات الانتخابية و بالنتيجة ينجح مجلس نقابة مهما كانت صفته ، و قد يفي بوعوده أو بعضها ، و قد لا يفي ، و قد يكون هناك تحقيق مكاسب حزبية أو شخصية أو مناكفة للحكومة ، أو تجاوب مع الحكومة ، و كثيرا ما ترتفع وتيرة العلاقات ما بين النقابات و الحكومات ، تبعا للأحداث السياسية التي تؤثر على المنطقة ، و من ثم تخفت بسبب المرونة من الطرفين .
هذا كان النهج على مدى نصف قرن ، و الوضع بشكل عام مقبول ، و النقابات تقوم بدورها المهني مع بعض الملاحظات و الحكومات تغض الطرف عن مواقف بعض النقابات و أحيانا ترتفع وتيرة المواقف ، و بشكل عام الحكومات بأفرادها و النقابيين و بقية المواطنين يشعرون في ضميرهم أنهم أبناء وطن واحد ، و مصلحة الوطن تهم الجميع ، و لكن بين حين و آخر يتخذ طرف ما موقفا غير مألوف بسبب الضغوط الدولية و سياسة القطب الواحد الأمريكي ، و يقدم هذا القطب طلبات و استحقاقات تهدف في مجملها إلى تحقيق الصلح مع إسرائيل ، و حسب ما يقولون ليسود السلام في هذه المنطقة التي تشكل بؤرة المشاكل و الخصومات و أعمال العنف و العنف المضاد .
فالبعض يرى أن هذه الأمور مفروضة علينا من الخارج ، و ربما من القطب الأوحد .
أما الطرف الآخر فهو النقابات المهنية و الأحزاب المعارضة و التي في إيديولوجيتها و تربيتها و أفكارها لا تؤيد الصلح مع إسرائيل و لا الانصياع للقطب الأمريكي ، و تقول حسب أفكارها و ما تؤمن به أن فلسطين كلها ارض عربية اغتصبها الإسرائيليون بدعم من أمريكا ، و طردوا أهلها خارجها ، و أقاموا دولة على أنقاضها ، و لا يزال اللاجئون الفلسطينيون و عددهم يتجاوز الخمسة ملايين خارج فلسطين ، و ينتظرون تغير الظروف ليعودوا إلى فلسطين مهما طال الزمن ، طالما أنهم موجودون و طالما أن الوطن أمام أعينهم .
خلاصة القول : أن الحكومات مطلوب منها استحقاقات السلام بل مفروض عليها دون نقاش ، و ما جرى في العراق درس كاف لمن يقول لا و لا يسمح بالنقاش أو التردد .
في حين أن القيادات في النقابات ينجحون على الغالب بفعل التوجهات السياسية في النقابات إذ لم يسجل تاريخ النقابات أن نقيبا نجح ما لم يكن له توجه سياسي يدعمه ، و هذا اكبر دليل على أن الانتخابات تجري على أساس سياسي لأن معظم أعضاء الهيئة العامة في أي نقابة هم جامعيون مثقفون مشبعون بالفكر السياسي سواء كان فكراً دينيا أو قوميا أو قريبا لهما ، و من هنا جاء التناقض ما بين الحكومات و مجالس النقابات ، أي أن الخلاف هو خلاف سياسي ، و في الفترة الأخيرة جاءت الحكومة تقول أن النقابات لا تقوم بدورها المهني ، و إنما تركز جل اهتمامها على الناحية السياسية ، فلو أن توجهات النقابات توافقت مع توجهات الحكومة لهللت الحكومة و حمدت و شكرت و قدمت خدمات للنقابات ، و لما ورد على لسانها أن النقابات لا يجوز أن تعبث بالسياسة ، بل عليها أن تركز على المهنة ، في حين أن القصد غير ذلك .
ختاما أقول : أن الحكومة لها وجهة نظرها المدعومة من قبل مجلس النواب الذي انتخب معظم أعضائه ، على أساس عشائري ، و ليس سياسيا أو حزبيا ، و هي تعرف ظروفها و تعرف الظروف الدولية ، و هذا توجهها و عليه فلماذا تنكر على النقابيين و السياسيين الآخرين سواء كانوا نقابات أو أحزابا أن يعبروا عن رأيهم بالطرق السلمية ، و كل يقول رأيه دون صدام ، و تستمر الحال كما كانت سابقا و الوحدة الوطنية أهم بكثير من إرضاء الأجنبي على حساب تدمير الوحدة الوطنية في إطار الاختلاف المشروع ، و مبدأ الديمقراطية و حرية الرأي و الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، و يجب أن ندرك أن هناك معارضة في أمريكا و إسرائيل و غيرها و تقول ما تشاء . فلماذا تحرم المعارضة الأردنية من التعبير عن وجهة نظرها.