التطور التربوي
جريدة الشعب 16/5/1977
قبل أن أتحدث عن التطور التربوي في منطقة الكرك ، لا بد و أن اعطي القاريء فكرة مبسطة عن منطقة الكرك ، و من ثم انطلق للحديث عن التطور التربوي فيها ، فمنطقة الكرك منطقة جبلية تحتوي حوالي سبعين قرية ، يقطنها حوالي 180 ألف نسمة ، تقع ما بين الخط الصحراوي شرقا و البحر الميت غربا ، و وادي الموجب شمالا ، و وادي الحسا جنوبا ، و يعيش في هذه المنطقة اناس يعتمدون على الزراعة كمورد اساسي لمعيشتهم ، و في الغالب يتكون السكان من عشائر و عائلات .
هذه المنطقة كغيرها من مناطق الأردن ، انتشرت فيها المدارس و تطورت النهضة التعليمية ، و ليس النهضة التربوية ، و أقصد أنه صحيح أن التعليم انتشر و ازداد عدد الذين يتعلمون و هو بازدياد ، و هم يحصلون على مؤهلات علمية من المراحل الابتدائية و الاعدادية و الثانوية و الجامعة ، و الماجستير و الدكتوراة ، و هذه حقيقة لا ينكرها احد ، و لكن لو حققنا في مدى الوعي التربوي في المنطقة ، لبرزت التساؤلات التالية .
الى أي مدى وصل الوعي التربوي لدى المتعلمين و هل هناك تربية بالفعل و اعداد صحيح للمواطن الصالح الذي يتجاوز ولاءه للعشيرة أو العائلة الى ولاء للشعب و الوطن و الأمة ، هذا التساؤل بحاجة إلى إجابة ، و الحقيقة أن هناك من المتعلمين من يعتبر أن خدمته لعشيرته هي مبرر وجوده في مركزه ، بل و يشعر بأنه مدين بمركزه لاسم عشيرته ، إذ أن مؤهله اذا كان لديه مؤهل لو كان مع شخص آخر من عشيرة أخرى ، لما وصل ذلك الشخص هذا المركة ، و هذا ظاهر للعيان ، و صحيح أن هذه الظاهرة قد تكون موجودة في مناطق أخرى و لكن ليس بالحدة التي توجد بها في منطقة الكرك بحيث أن بعض الأشخاص يمثلون مراكز حساسة في مفهوم تطور العصر و العلم و الوعي و الثقافة و هم ليسوا أهلا لها ، و مبرر وجودهم في هذه المراكز هو الانتماء لعائلات معينة ، الأمر الذي انعكس على شعور الشباب المؤهلين لان يشكون في اهمية الشهادات الجامعية في منطقتهم و أن هناك ما يرجح عليها ، و بالتالي فان الشباب يصابون بخيبة آمل ، و يقلبون شفاههم و يقولون " يا اخي هذا من فوق "، و بالتالي ينعكس على شعورهم على عملهم الذي يؤدونه مع شيء من التذمر الصامت .
إن هذا الشعور و هذا الأسلوب من التربية ينعكس على الطلاب الذي لا يلبثون بعد تخرجهم الى المعاملة بالمثل ، نتيجة تشبعهم بهذه الأفكار .
و هؤلاء الطلاب ، هم رجال المستقبل و ليس صحيحا أن يسخر هذا الأسلوب التربوي الذي يكرس الولاء للعشيرة و ليس للشعب و الوطن والأمن ، و حبذا لو كان هناك في المناهج – درس مقرر – في التربية الوطنية يدرس في المرحلة الابتدائية و الاعدادية و الثانوية و يعد هذا المنهاج بعناية و يحدد الأسلوب و الهدف ، و ينطلق من معالجة سلبيات الواقع الذي نعيشة ، و يصل الأهداف الوطنية و القومية ، و لا ينكر احد اهمية التعليم ، و لكن المطلوب ايضاً أن تكون هناك تربية وطنية صالحة للطالب و الطالبة على مختلف مراحل دراستهم و منهم أبناء و بنات المستقبل.
و طالما أن العملية التربوية هي بحكم علاقتها بتطور المجتمع متطورة ، فيجب أن يتطور الجهاز الذي يشرف عليها و معهم منطلقها و اسلوبها و هدفها ، مع العلم بأن الأردن هي حقيقة جزء من امة عربية متطورة تعليميا و تربويا ، فليس المهم اعداد المواطن المتعلم فقط ، و انما يجب اعداد المواطن الصالح بما في هذه الصفة من معان كثيرة.
و ختاما فان التحديث هو مطلب و التطور طبيعي ، بقي علينا أن نقول أن الجهاز الهرم لا يصلح للتحديث ، فالتحديث مهمة الشباب الواعي الطموخ الغيور على عمله و شعبه و وطنه و امته ، و ليس صحيحا أن يكون شخص أو جهاز في موقع اصبح غير كفؤ له في وقت نرى انه من حق الشباب أن يأخذ دوره و هل حق الشعب أن يرى اجياله تأخذ دورها في اغنائه و خدمته فواجب كل جيل و حق كل جيل أن يلعب دوره و لا يجوز أن يأخذ جيل معين دوره و دور غيره مما يحرم الشعب من حاجة الشباب و مبادراته و ابداعة.