الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد أرسل إليَّ أحد الشباب هذه الرسالة التي تعبر عن الواقع الأليم المر، والمعاناة الخطيرة، التي يعيشها كثير من بيوت المسلمين في هذا الواقع المرير، إلا من رحم الله تعالى، جهل وحمق يُمَارس بلا وعي ولا وازع، ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير، تسبب في الانحراف والتشتت، والكراهية والتمزق، والكآبة والتفرق، وانتهاك الأعراض وارتكاب الفواحش، مما يجلب غضب الجبار جل شأنه، الذي كتب المعيشة الضنك على من عصوه وخالفوا أمره، واتبعوا أهواءهم وابتعدوا عن شرعه.
هذا الواقع السيئ نعيشه ونعانيه ونراه صباح مساء، مما جعل أهل المعاناة من هؤلاء الشباب، وينفثون نفثة المصدور، ويزفرون زفرة المقهور، ويُخرجون ما ضاقت به الصدور.
يقول الشاب مما لا شك فيه أن الزواج أصبح أمرًا عسيرًا صعب المنال، لا يستطيع الشاب أن يصل إليه إلا بعد أن يُطلب منه المستحيل الذي لا تقدر على تحمله الجبال الرواسي، فأصبح الشاب يتقلب في موجات من الفتن تعصف به ولا يقدر على تحملها؛ لأن الفتن له بالمرصاد ليلاً ونهارًا، وهو يسأل نفسه هذا السؤال المتكرر أين المفر ؟ وكيف النجاة؟
فلا يجد سوى المعصية، طريقًا سهلاً لتلبية بغيته وهدفه، والتي تتمثل في الزواج العرفي، ومن هنا تعلو الصرخات من كل جانب ؛ صرخات الآباء والأمهات والشباب والفتيات، وصدق المعصومحينما قال «ما انتشرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلا انتشرت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم»ابن ماجه ، وحسنه الألباني.
إذن ما الحل لهذه المشكلة، والكارثة المخجلة التي عصفت بالأمة كالريح العقيم، التي تدمر كل ما يقابلها؟
وقبل أن نتعرف على الحلول لا بد أن نتعرف على الأسباب التي صنعت هذه المشكلة وحالت بين الشباب والزواج
البعد الحقيقي عن المنهج الرباني الكتاب والسنة ، والبعد عن هدي السلف الصالح
أصبح العرف المخالف للشرع هو الإله الذي يُعبد من دون الله، فنجد أن العرف مقدمٌ على كل شيء، فلم يثق الكثيرون في المنهج الرباني بلسان حالهم وواقعهم، في حين صدقوا العرف المزيف وقد قال الله تعالى وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ النور
اهتمام الناس بالماديات
فنجد أن كثيرًا من الآباء والأمهات يفضِّلون الشباب ذوي المناصب العليا، والحالة المادية المرتفعة، وإن كان هذا الشباب لا يركع لله ركعة واحدة، فالمهم هو ضمان مستقبل هذه الفتاة بزعمهم ، حتى لو كانت مع شخص تارك للصلاة.
عدم الرغبة في الشباب المسلم الملتزم بدينه
وذلك لأن الآباء والأمهات يفضلون من كان على هواهم ويسير في فلكهم، حتى لو كان مخالفًا للشرع، والشاب الملتزم بدينه لن يمكِّنهم من تحقيق ما تأمرهم به أحلامهم، وما تدعوهم إليه أهواؤهم، فلا يصلون إلى ما يريدون من إقامة الأفراح الماجنة، والإسراف والتبرج والسفورإلخ .
المغالاة في المهور
ولعل هذا هو أخطر وأهم هذه الأسباب، فعندما يتقدم الشاب إلى الفتاة يجد أمامه مجموعة من اللوائح والشروط التي يجب عليه أن يُنفذها دون أي وجه من الاعتراض، ومنها :
أ شبكة تصل إلى عشرة آلاف جنيه، هذا مع الذين يُرجى فيهم الصلاح، فكيف بغيرهم، إلا من رحم الله، وقليلٌ ما هم
ب ثلاث أو أربع غرف نوم، أنتريه، أطفال، سفرة ، ولا بد أن يكون الجهاز من أماكن غالية الثمن كالمعارض الفخمة، ولا بد أن تطَّلِع المخطوبة على الكتلوج لتختار منه ما تشاء؛ بغض النظر عن التكلفة، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، أما إذا كان دون ذلك فإن الأمر مصيره إلى الفشل واللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها وقد يُكلف الشاب بأمور أخرى ؛ كـالستائر، والسجاجيد إلخ .
جـ إقامة الفرح في إحدى القاعات باهظة التكاليف
د شقة تمليك، وإن تعذر فعليه أن يُؤجر شقة مرتفعة الإيجار
هـ إذا كان هذا الشاب في وظيفة يتقاضى منها راتبًا بسيطًا، فإن أهل العروس يطالبون بوظيفة أخرى بمرتب عالٍ، وذلك بحجة ضمان مستقبل هذه الفتاة
و ولا يسلم الأمر أيضًا من أن أهل الزوج في كثير من الأحيان يكلفون والد المخطوبة فوق ما يطيق، وكأنه هو المكلف أن يدفع المهر بدلاً من الزوج، حتى يصل في أغلب الأحوال ما يُدفع للزوجة أضعاف ما يدفعه الزوج ألم أقل إن الزواج أصبح أمرًا صعب المنال؟
مخالفة الأقوال للأفعال
بمعنى أنه عندما يتقدم الشاب للزواج؛ فإن أهل العروس يقابلونه بأحلى التحيات، ويستقبلونه بالقرآن والسنة والأحاديث، حتى يظن هذا الشاب بأن عصر الصحابة رجع مرة أخرى، فتجد الأقوال التي صارت ديباجة محفوظة خالية من المعنى والعمل؛ ومنها
قوله «أقلهن مهرًا أكثرهن بركة»
وقوله «تُنكح المرأة لأربعفاظفر بذات الدين»البخاري
فيخرج الشاب بعد أول مقابلة غير مصدق نفسه، وهو يظن أن الأمر سهل، وأن هناك نوعية من الناس يسيرون على نهج النبيفي تيسير أمر الزواج، وعند المقابلة الثانية وعندما يتأكد أهل العروس في رغبة هذا الشاب الحقيقية في الزواج بابنتهم يُنحَّى الكتاب والسنة إلى العرف المزيف، فيقولون
العرض يا ابني لا يُهْدَى
هي ليست أقل من بنت عمها، أو بنت خالها
عليك تنفيذ اللوائح السابقة وإلا كل شيء قسمة ونصيب
لا بد من إقامة الفرح في إحدى القاعات؛ لأنها ليلة العمر
فلا يجد الشاب أمامه إلا أن يسحب نفسه من هذه المعركة القائمة من طرف واحد، والتي لا قدرة له عليها، فينتكس رأسًا على عقب، ويعود القهقرى، وتزداد حسرته ويحترق قلبه؛ لأنه يجد كل طريق للعفة أمامه مسدودًا
تشدد كثير من الفتيات في طلباتهن الشاقة صعبة التحقيق
فكثيرًا ما تكون البنت من الريف، وتشترط أن تعيش في المدينة، فتكون النتيجة عزوف الشاب عنها فيتأخر بها سن الزواج، فلا تفيق إلا وهي فوق سن الثلاثين مع رغبتها الحقيقية في الزواج، ولسان حالها يقول «يا ليتني»
وفي الغالب لا تجد هذه الفتاة إلا أن تكون زوجة ثانية، ودرجة ثانية عدم رضا الفتاة بما قسمه الله لها
فكل متطلباتها أمور دنيوية من وجود فتى أحلام تتوفر فيه عدة مواصفات وهي شاب وسيم، لا يتجاوز الثلاثين من عمره، وظيفة مرموقة، شقة فاخرة، تجهيزات فاخرة وعالية الجودة إلخولم تذكر الفتاة أمرًا من أمور الدين شاب حسن الخلق، شاب متدين، شاب يصلي، حافظ للقرآنإلخفهذا لا يهم، إنما المهم تلبية هذه المتطلبات الدنيوية وقد قيل الدنيا جيفة وطلابها كلاب
النتائج المترتبة على صعوبة أمر الزواج
انتشار الزواج العرفي
تأخر سن الزواج بالنسبة للشباب ذكورًا وإناثًا إلى ما بعد سن الثلاثين، إن وجد
لجوء الكثير من الشباب إلى ممارسة الفاحشة والرذيلة؛ لأنها السبيل الوحيد الرخيص بعدما صار الزواج مطلبًا صعبًا
انتشار التبرج من أجل أن تجد الفتاة من يتقدم لها وتعجبه
عدم غض البصر والاطلاع على كل ما يمت بالصلة بأمر الجنس
وجود الكثير من حالات الاغتصاب حتى في الأقارب والمحارم
وجود شباب فاقد الثقة في نفسه وأسرته ومجتمعه الذي كان سببًا رئيسًا في عدم تحقيق آماله، فتنتشر الأمراض النفسية بين الشباب انتشار الحقد والحسد والغل والغيرة بين الشباب غير المتزوج والشباب المتزوج
كثرة اللقطاء من المواليد الذين ينشأون في المجتمع لا يعرفون أبًا ولا أمًّا مما يسبب تحقير الناس لهم وتدميرهم
نزول عذاب الله وسخطه وغضبه وتعرض المجتمعات الإسلامية للكوارث
الحلول المفيدة لعلاج هذه الكارثة
الرجوع إلى النبعين الشرعيين الصافيين الكتاب والسنة
الاستفادة من سيرة السلف الصالح في أمر الزواج، وكيف كانت تعاملات الزواج بينهم .
محاربة العادات والأعراف المخالفة لأمر الشرع في أيامنا هذه، والتي سبق ذكرها.
عدم النظر لأهل البدع على أنهم هم الأصل والقدوة، والاقتداء بسلفنا الصالح .
دور العلماء
توعية الناس من خلال المحاضرات، واللقاءات في المؤسسات المختلفة، والكتب التي تتحدث في هذا الأمر؛ حيث يُوضح فيها الأسباب والنتائج والحلولإلخ وكذلك الخطباء والوعاظ يجتهدون في التحدث في هذا الأمر باستفاضة، وعدم الملل من الحديث فيها؛ وذلك لمحاربة هذه الكارثة التي كادت تعصف بالأمة وما خلفت وراءها من الزنا، وخلط الأنساب، والزواج العرفي، والفاحشة، والرذيلة.
دور الباحثين
لماذا لا تُكتب الرسائل والأبحاث العلمية والكتب في هذا الشأن ويتم توزيعها على الجامعات وعامة المسلمين
دور متصفحي الإنترنت
لماذا لا يتم نشر هذه الفكرة في كل المواقع عبر الشبكة العنكبوتية، مع توضيح الأضرار الناتجة من التغالي في أمر الزواج؟
دور الآباء والأمهات البحث عن الشباب الصالح التقي وتزويجهم، وإقامة الفرح في المسجد فقط، وذلك لأنه إذا لم تعف الفتاة نفسها في الحلال؛ فإنها لا تجد سوى الحرام هو السبيل، والسبب في ذلك تعنت الآباء، ففي هذا الوقت لا تنفع الكنوز والمهور إذا انتُهكت الأعراض، وبقيت الحسرة والندامة.
دور رجال الأعمال
لهم دور مهم جدًا وهو أن يتعاون مجموعة كبيرة من رجال الأعمال لإقامة مشروع يكون في ميزان حسناتهم، وليكن على سبيل المثال مشروع تحت اسم «جمعية التيسير في أمر الزواج»
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة
إعداد- جمال عبد الرحمن