مما نقل الرماني
قال أبو حيان : سمعت علي بن عيسى يقول لبعض أصحابه :
لا
تعادين أحداً حتى وإن ظننت أنه لن ينفعك، فإنك لا تدري متى تخاف عدوك او
تحتاج إليه ، ومتى ترجو صديقك أو تستغني عنه . وإذا اعتذر إليك عدوك فأقبل
عذره ، وليقل عيبه على لسانك .
الخليل بن أحمد الفراهيدي
وُلِدَ في البصرة عام 100هـ .
مَرَّ
الخليل بسوق النخَّاسين، فسمع طرقات مطرقة على طَست من نحاس، فلمعت في
ذهنه فكرة عِلم العَرُوض -ميزان الشعر أو موسيقى الشعر- الذي مَيز به
الشعر عن غيره من فنون الكلام، فكان للخليل بذلك فضل على العرب، إذ ضبط
أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر
فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحرًا وكما اهتم بالوزن اهتم بضبط أحوال
القافية -وهي الحرف الأخير في بيت الشعر، والتي يلتزم بها الشاعر طوال
القصيدة- فأخرج للناس هذين العلمين الجليلين كاملين مضبوطين مجهزين
بالمصطلحات.
وكان رأسا في لسان العرب ، دينا ، ورعا ، قانعا ،
متواضعا ، كبير الشأن ، يقال : إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه ،
ففتح له بالعروض .
وشغل بذلك نفسه وقته في علم العروض حتى كان يقضي
الساعات في حجرته يوقع بأصابعه ويحركها ، فاتفق أن رآه ولده على تلك الحال
فظن به مساً من خبال ، فقال له الخليل :
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني
أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني
وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
روي أنه قال :
أريد
أن أعمل نوعاً من الحساب تمضي به الجارية إلى البقال فلا يظلمها ، فدخل
المسجد وهو يعمل فكره فاصطدم بسارية (عمود) المسجد فانصدع رأسه ومات سنة
170هـ
من أجمل ما كتب الشا فعي في الحكمة :
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا
وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعادي قط ذلا
فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل
فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواء
الأعشى
ما
مدح الأعشى أحد إلا رفعه ، ولا هجاه إلا وضعه ، فمن ذلك أنه مر باليمامة
على المحلق بن جشم الكلبي ، وكان خامل الذكر ، وله بنات لا يخطبن رغبة منه
، فنزل عنده ، فنحر له ناقة لم يكن عنده غيرها ، وسقاه خمراً ، فلما أصبح
قال له الأعشى : ألك حاجة ؟ قال : تشيد بذكري ، فلعلي أشهر وتخطب بناتي ،
فنهض الأعشى إلى عكاظ ، وأنشد قصيدته القافية ، التي يمدح بها المحلق ،
ويقول فيها :
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة : إلى ضوء باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها : وبات على النار الندي والمحلق
فما أتت على المحلق سنة إلا زوج بناته .
خطبته قيس بن ساعده الشهيرة في سوق عكاظ
يا
أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات
وكل ما هو آت آت مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع
وأشتات وآيات وأرض ذات رتاج ,وبحار ذات أمواج ما لي أرى الناس يذهبون فلا
يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسماً لا حانث
فيه ولا آثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبياً
قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن به فهداه , وويل لمن خالفه وعصاه
ثم قال تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية يا معشر إياد
أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيد
وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم
الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً
طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية
عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود
ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر