فكر جديد للعرب يعتمد العقلانية و العلمانية و الأخلاق الفاضلة
26/12/2007
في مجلة العربي الكويتية العدد 587 أكتوبر لسنة 2007 ، و على الصفحات 22 ، 23 ، 24 ، نشر مقال للدكتور محمد مرعي من سوريا بعنوان ( الجامعات العربية لماذا هي خارج الترتيب العالمي ) .
و يقول : من بين 100 جامعة هي الأولى في العالم لا توجد جامعة عربية واحدة حيث يوجد 33 منها في الولايات المتحدة الأمريكية و 15 في بريطانيا و استراليا و هولندا 7 و فرنسا و سويسرا 5 ، و اليابان و ألمانيا و كندا و هونج كونج 3 ، و في بقية دول العالم من المائة اثنتان في إسرائيل و اثنتان في تركيا و واحدة في الهند .
هذه دراسة و تتب الجامعات القوية المتميزة المبدعة تعني أن العرب و تعدادهم 300 مليون ضمن 22 دولة و رغم التاريخ العريق لشعوب الوطن العربي القديمة و الحضارات القديمة في مصر و العراق و الشام و الجزيرة العربية و رغم وجود المال الوفير لدى دول الخليج العربي و وجود علماء كثيرون في مصر و الشام و العراق و رغم العلاقات الوطيدة مع الدول الغربية منذ أكثر من ثمانين عاما إلا أن حال العرب دولا و شعوبا لا تزال متخلفة عن الشعوب و الدول المتقدمة و العامل الأساسي في التقدم هو الإرادة السياسية و التقدم العلمي و الأموال اللازمة للعلم و التقدم ثم الحرية في التفكير و الإبداع ، هذا الواقع يطرح أسئلة هامة و جزئية و من هذه الأسئلة :
هل العقل العربي عاجز عن اللحاق بالفعل بالعقل الغربي العلمي ؟
هل الأوهام و الغيبيات و الخرافات و المعتقدات المنعزلة على اختلافها عائق في سبيل التقدم العلمي ؟
هل الاهتمام بالآخرة و مصير ما بعد الموت يجعل العرب يكتفون بتحقيق هذا الهدف و لا يهتمون بشؤون العلم و الحياة الدنيا ؟
فإذا كان الناس يرغبون في الحياة الآخرة فان لهم حاجات دنيوية يسعون لتحقيقها و الحياة تستحق أن تعاش ..
هل للحكام في البلاد العربية مصلحة في كبت الحرية و الإبداع و عدم تطور و تقدم الشعوب العربية نحو العلم الحديث ، و أن إبقاء الشعوب متخلفة يطيل عمر الحكم على الكراسي لهم و لأولادهم و عائلاتهم و أحزابهم على اعتبار أن التقدم العلمي و العقلي يزعزع استقرارهم و يقصر مدة حكمهم ؟
هل أن الناس مؤمنون بتعليمات الديانات على اعتبار أن هذه الحياة فانية و أن السعادة الحقيقية هي في الحياة الأخرى بعد الموت و لذلك فلا مبرر للهاث خلف التقدم العلمي و العقلي على اعتبار أن الحياة الدنيا قصيرة و لا تستحق أن يضحى في سبيلها لأن الآخرة خير و أبقى .
لماذا نلاحظ أن الكثير الكثير من العلماء العرب يتركون بلدانهم و يهاجرون إلى الدول الغربية و هناك يبدعون و يتميزون و يقدمون للحضارة الإنسانية منجزات خلاقة و يبقون هناك حيث لا يرغبون بالعودة إلى بلدانهم العربية ؟
هل لأنهم هناك يجدون العلم و الحرية و تفعيل العقل و الإمكانيات المادية و من ثم يبدعون و يتميزون ففي حين لا يجدون هذه في بلدانهم ؟
لماذا لا يوفر لهؤلاء و أمثالهم المناخ الاجتماعي و الاقتصادي و الحرية و الإمكانيات المادية في بلدانهم بحيث يبقون في بلادهم أو يعودوا إليها و يبدعون و يقدمون لامتهم من أفكارهم و عقولهم المتنورة منجزات تحتاجها أمتهم للحاق بالعالم المتقدم ؟
لماذا لا يظهر القرار السياسي في أي دولة عربية بتوفير الحرية و الإمكانيات لكل من لديه إبداع أو تميز عن طريق توفير الحرية الدينية و الاقتصادية و المعتقدات و الأفكار و آراء دون ضغط أو إرهاب بحيث يأخذ العقل مداه في البحث و التفكير و الإبداع ؟
و سؤال صريح : ما هو أثر الدين و التدين في الوطن العربي على كبح جماح العقل و العلم بحيث ترى أن الدين المتطرف يشكل عامل إرهاب ضد كل مفكر أو صاحب رأي أو برنامج أو صاحب نظرية اقتصادية أو تفكير بالكون و النجوم و الكواكب و السفن الفضائية و وجود أو عدم وجود حياة على الكواكب الأخرى ، و أن هناك ملايين النجوم و الكواكب و المجرات في الكون لا يزال العقل الحر و العلم المتقدم يتابعان ما في الكون بحرية دون تخويف أو إرهاب أو تكفير يصدران من أصحاب العقول العاجزة عن متابعة خلق الكون و الأقمار الصناعية و المركبات الفضائية و النجوم و الكواكب علما بأن حرية العقل هي التي تجعله يبدع ، و قد قيل أن أروع ما في هذا الكون هو أن تعيش بلا خوف .
و هناك أسئلة و تساؤلات كثيرة و كلها بحاجة إلى توفير المناخ الجيد الذي يسمح بأن تنطلق الحرية من خلال العقل الحر و العلم المتقدم و في هذا المجال فان العرب بحاجة إلى فكر جديد يعتمد العقلانية العمانية ، الأخلاق الفاضلة و الفكر الذي ينطلق من هذه القواعد الثلاث أعلاه يصلح لتقدم الأمة و مسايرة حركة التقدم في العالم ، و إذا كان هناك من يرفع شعارات الديمقراطية ، و الاشتراكية ، و الرأسمالية ، و الدينية و القومية و الديكتاتورية ، و الاقتصاد الموجه و العدالة ، ( و هي شعار فضفاض ) و القطرية ، و الطائفية و الشيوعية و العشائرية و القدسية و الاقتصاد الحر ، و الأحلاف سواء كانت اقتصادية أو سياسية فانه من خلال التجربة قد ثبت فشل جميع هذه الشعارات و الأفكار المنبثقة عناه لأنها من صنع قادة يسعون إلى تثبيت حكمهم و أنصارهم و التاريخ يشهد على ذلك و عليه فان على كل شعب في العالم كبر أو صغر و كل دولة في العالم كبرت أو صغرت أن تعتمد في مسيرتها على العقلانية و العلمانية و الأخلاق الفاضلة و هذه المنطلقات الثلاثة كل واحدة منها توضح بشكل جلي من خلال الدراسات الواعية التي تؤمن بالعقل و العلم و الأخلاق الفاضلة .
و عودة للجامعات العربية في البلاد العربية فانه لا يجوز أن يكون دور الجامعات هو إكمال الدراسة للمرحلة الثانوية ثم التخرج ثم إشغال الوظيفة ، و استلام الراتب ، و البحث عن مركز اجتماعي ، و شراء سيارة ، و بناء بيت و التوقف عن متابعة الدراسة بل و ينسى معظم المعلومات التي درسها في المرحلة الابتدائية و الثانوية و الجامعية ، و ينتهي به المطاف كشخص دوره في خدمة نفسه و لا مجال للتفكير في خدمة بلاده و شعبه عن طريق الإبداع و التميز .
و من الممكن أن يجري التعاون بين المسئولين في بلاد الشام و مصر و العراق و لديهم من الكفاءات العلمية الكثير مع دول الخليج العربي بحيث تجتمع الإرادة السياسية في التقدم مع العلماء المتميزين في الوطن العربي مع المال اللازم و إذا ما تم ذلك فسنرى الجامعات العربية و خريجيها يبدعون و يخترعون و يكتشفون في محيط الحرية الكاملة و الإمكانيات و الظروف الجيدة و من ثم يثبت العرب وجودهم الحضاري في العالم من خلال الفكر الجديد الذي يعتمد العقلانية العلمانية و الأخلاق الفاضلة .