مطلوب فكر جديد يعتمد العقلانية و العلمانية و الأخلاق الفاضلة
جريدة المجد
الاثنين – 12/5/2008
في مجلة العربي الكويتية العدد 587 أكتوبر لسنة 2007 ، نشر مقال للدكتور محمد مرعي من سوريا ، بعنوان ( الجامعات العربية لماذا هي خارج الترتيب العالمي ) ، و يقول: من بين 500 جامعة هي الأولى في العالم لا توجد جامعة عربية واحدة حيث يوجد 168 منها في الولايات المتحدة الأمريكية و 40 في بريطانيا ، 40 في ألمانيا ، 34 في اليابان ، 23 في كندا ، 23 في ايطاليا ، 21 في فرنسا ، 14 في استراليا ، 12 في هولندا ، 11 في السويد ، 8 في سويسرا ، 7 في إسرائيل ، 7 في بلجيكا ، 6 في النمسا ، 5 في الدنمارك ، 5 في فنلندا ، 4 في النرويج ، 2 في روسيا .
كما يوجد جامعات أخرى في ايرلندا و الأرجنتين و الهند و تشيلي و تركيا و البرتغال و الصين و اسبانيا و كوريا الجنوبية و سنغافورة و المكسيك و نيوزلندا ، و جنوب أفريقيا و هنغاريا و اليونان ، أما الجامعات في الدول العربية فهي خارج هذا التصنيف و يعكس ذلك المستوى المتدني لخريجها و الجهاز التدريسي و البحثي فيها وقلة مخرجاتها البحثية والأعمال العلمية و تخلف بناها الإدارية و التنظيمية و المؤسسية .
هذه دراسة تبين الجامعات القوية المتميزة المبدعة في العالم و تعني أن العرب و تعدادهم 300 مليون ضمن 22 دولة و رغم التاريخ العريق لشعوب الوطن العربي و الحضارات القديمة في مصر و العراق و الشام و الجزيرة العربية و رغم وجود المال الوفير لدى دول الخليج العربي و وجود علماء كثيرون في مصر و الشام و العراق و رغم العلاقات الوطيدة مع الدول الغربية منذ أكثر من ثمانين عاما إلا أن حال العرب دولا و شعوبا لا تزال متخلفة عن الشعوب و الدول المتقدمة و العامل الأساسي في التقدم هو الإرادة السياسية والتقدم العلمي و الأموال اللازمة للعلم و التقدم ثم الحرية في التفكير و الإبداع ، هذا الواقع يطرح أسئلة هامة و جزئية و من هذه الأسئلة :
هل العقل العربي عاجز عن اللحاق بالفعل بالعقل الغربي العلمي ؟
هل الاهتمام بالآخرة و مصير ما بعد الموت يجعل العرب يكتفون بتحقيق هذا الهدف و لا يهتمون بشؤون العلم و الحياة ؟
فإذا كان الناس يرغبون في الحياة الآخرة فان لهم حاجات دنيوية يسعون لتحقيقها والحياة تستحق أن تعاش ..
هل للحكام في البلاد العربية مصلحة في كبت الحرية و الإبداع و عدم تطور و تقدم الشعوب العربية نحو العلم الحديث ، و أن إبقاء الشعوب متخلفة يطيل عمر الحكم على الكراسي لهم و لأولادهم و عائلاتهم و أحزابهم على اعتبار أن التقدم العلمي و العقلي يزعزع استقرارهم و يقصر مدة حكمهم ؟
هل أن الناس مؤمنون بتعليمات الديانات على اعتبار أن هذه الحياة فانية و أن السعادة الحقيقية هي في الحياة الأخرى بعد الموت و لذلك فلا مبرر للهاث خلف التقدم العلمي والعقلي على اعتبار أن الحياة الدنيا قصيرة و لا تستحق أن يضحى في سبيلها لأن الآخرة خير و أبقى ؟
لماذا نلاحظ أن الكثير الكثير من العلماء العرب يتركون بلدانهم و يهاجرون إلى الدول الغربية و هناك يبدعون و يتميزون و يقدمون للحضارة الإنسانية منجزات خلاقة و يبقون هناك حيث لا يرغبون بالعودة إلى بلدانهم العربية ؟
هل لأنهم هناك يجدون العلم و الحرية و تفعيل العقل و الإمكانيات المادية و من ثم يبدعون و يتميزون ففي حين لا يجدون هذه في بلدانهم ؟
لماذا لا يوفر لهؤلاء و أمثالهم المناخ الاجتماعي و الاقتصادي و الحرية و الإمكانيات المادية في بلدانهم بحيث يبقون في بلادهم أو يعودوا إليها و يبدعون و يقدمون لامتهم من أفكارهم و عقولهم المتنورة منجزات تحتاجها أمتهم للحاق بالعالم المتقدم ؟
لماذا لا يظهر القرار السياسي في أي دولة عربية بتوفير الحرية و الإمكانيات لكل من لديه إبداع أو تميز عن طريق توفير الحرية الدينية و الاقتصادية و المعتقدات و الأفكار وآراء دون ضغط أو إرهاب بحيث يأخذ العقل مداه في البحث و التفكير و الإبداع ؟
و سؤال صريح : ما هو أثر الدين و التدين في الوطن العربي على كبح جماح العقل والعلم بحيث نرى أن الدين المتطرف يشكل عامل إرهاب ضد كل مفكر أو صاحب رأي أو برنامج أو صاحب نظرية اقتصادية أو تفكير بالكون و النجوم و الكواكب و السفن الفضائية ووجود أو عدم وجود حياة على الكواكب الأخرى ، و أن هناك ملايين النجوم و الكواكب و المجرات في الكون لا يزال العقل الحر و العلم المتقدم يتابعان ما في الكون بحرية دون تخويف أو إرهاب أو تكفير يصدران من أصحاب العقول العاجزة عن متابعة خلق الكون و الأقمار الصناعية و المركبات الفضائية و النجوم و الكواكب علما بأن حرية العقل هي التي تجعله يبدع ، و قد قيل : ( أن أروع ما في هذا الكون هو أن تعيش بلا خوف ) .
و هناك أسئلة و تساؤلات كثيرة و كلها بحاجة إلى توفير المناخ الجيد الذي يسمح بأن تنطلق الحرية من خلال العقل الحر و العلم المتقدم و في هذا المجال فان العرب بحاجة إلى فكر جديد يعتمد العقلانية العمانية ، الأخلاق الفاضلة و الفكر الذي ينطلق من هذه القواعد الثلاث أعلاه يصلح لتقدم الأمة و مسايرة حركة التقدم في العالم ، و إذا كان هناك من يرفع شعارات الديمقراطية ، و الاشتراكية ، و الرأسمالية ، و الدينية و القومية والديكتاتورية ، و الاقتصاد الموجه و العدالة ، ( و هي شعار فضفاض ) و القطرية ، والطائفية و الشيوعية و العشائرية و القدسية و الاقتصاد الحر ، و الأحلاف سواء كانت اقتصادية أو سياسية فانه من خلال التجربة قد ثبت فشل جميع هذه الشعارات و الأفكار المنبثقة عناه لأنها من صنع قادة يسعون إلى تثبيت حكمهم و أنصارهم و التاريخ يشهد على ذلك و عليه فان على كل شعب في العالم كبر أو صغر و كل دولة في العالم كبرت أو صغرت أن تعتمد في مسيرتها على العقلانية و العلمانية و الأخلاق الفاضلة و هذه المنطلقات الثلاثة كل واحدة منها توضح بشكل جلي من خلال الدراسات الواعية التي تؤمن بالعقل و العلم و الأخلاق الفاضلة .
و بذلك تتحقق سعادة كل شعب و تقدمه و تعاونه مع الشعوب الأخرى و يساهم في بناء الحضارة العالمية التي تهدف إلى إسعاد البشرية عن طريق الفكر النير و الأخلاق الفاضلة .
و عودة للجامعات العربية في البلاد العربية ، فانه لا يجوز أن يكون دور الجامعات هو إكمال الدراسة للمرحلة الثانوية ثم التخرج ثم إشغال الوظيفة ، و استلام الراتب ، والبحث عن مركز اجتماعي ، و شراء سيارة ، و بناء بيت و التوقف عن متابعة الدراسة بل و ينسى معظم المعلومات التي درسها في المرحلة الابتدائية و الثانوية و الجامعية ، وينتهي به المطاف كشخص دوره في خدمة نفسه و لا مجال للتفكير في خدمة بلاده وشعبه عن طريق الإبداع و التميز .
و من الممكن أن يجري التعاون بين المسئولين في بلاد الشام و مصر و العراق و لديهم من الكفاءات العلمية الكثير مع دول الخليج العربي بحيث تجتمع الإرادة السياسية في التقدم مع العلماء المتميزين في الوطن العربي مع المال اللازم و إذا ما تم ذلك فسنرى الجامعات العربية و خريجيها يبدعون و يخترعون و يكتشفون في محيط الحرية الكاملة و الإمكانيات و الظروف الجيدة و من ثم يثبت العرب وجودهم الحضاري في العالم من خلال الفكر الجديد الذي يعتمد العقلانية العلمانية و الأخلاق الفاضلة .