نماذج من المفاوضات الحازمة
جريدة المجد – الاثنين – 3/1/2000
بداية يجب مراعاة الظروف المحلية و الوطنية و العربية و الدولية فهذه عامل يجب عدم نسيانها بل يجب أخذها بعين الاعتبار لأنها تؤثر على قوة المفاوضات و ضعفها و أحيانا تراجعها ، و لكن يجب الثبات عند الأهداف الأساسية لكل حركة مقاومة تؤمن بالحق الذي لا يجوز التنازل عنه بأي حال من الأحوال ، و تحت أي ظرف من الظروف ، و ها أنا أورد نماذج من المفاوضات الحازمة ، و التي حققت أهدافها كاملة :
1- الشعب الفيتنامي حارب أمريكا بصبر و ثبات رغم الفارق في القوة العسكرية و الإمكانيات و قدم الضحايا التي لا تعد ، أثناء المفاوضات بين وفدي فيتنام و أمريكا لإنهاء الحرب في فرنسا ، كان الوفد الفيتنامي يحضر متأخرا عن الموعد المحدد في حين كان الوفد الأمريكي يحضر في الوقت المحدد ، بدلالة أن الشعب الفيتنامي هو خروج أمريكا من فيتنام دون قيد أو شرط ، حصل ذل و حققت المقاومة الفيتنامية أهدافها بتحرير بلادها بعد استعمار استمر سنوات عديدة .
2- شعب أفغانستان استمر يحارب الاتحاد السوفيتي الدولة العظمى رغم الفارق بين الإمكانيات و القوة العسكرية ، و كان هدف المقاومة الأفغانية هو خروج جيش الاتحاد السوفيتي من أفغانستان ، و خرج و حررت المقاومة الأفغانية بلادها بعد استعمار استمر سنوات عديدة .
3- الشعب الجزائري قاتل فرنسا الدولة العظمى ، و رغم الفارق بين الطرفين من حيث الإمكانيات و القوة العسكرية وكانت فرنسا تطالب أثناء المفاوضات أن يبقى شريط الساحل الجزائري جزء من فرنسا و تعطي باقي الجزائر استقلالها و لكن الوفد الجزائري أصر على خروج فرنسا و تحرير الجزائر كاملة غير منقوصة ، و حصل ذلك وتحررت الجزائر بعد استعمار دام أكثر من مائة عام .
4- اليمن الجنوبي ، حيث قامت المقاومة اليمنية بقيادة الجبهة القومية بالكفاح المسلح ضد الانجليز بعد استعمار دام أكثر من مائة عام و لدى إجراء المفاوضات في جنيف ، و عند اللقاء الأول ، تحدث رئيس الوفد البريطاني بما معناه : " نحن الانجليز عندما نحتل أرضا فإننا نساعد أهلها و عندما نخرج تبقى لنا علاقات و مصالح مع السكان و يبقى التعاون بعد خروجنا و هذا مطلبنا من المقاومة اليمنية ، و لما انهي كلامه جاوبه رئيس الوفد اليمني ( قحطان الشعبي ) ، نحن نعرف أنكم معشر الانجليز دهاة في السياسة و المفاوضات ، و لديكم خبرة و مهارة توظفونها في سبيل تحقيق و استمرار مصالحكم ، و لكني أرجو أن أوضح لسعادة رئيس الوفد انه لدي تعليمات من قيادة الجبهة القومية وهي أن يخرج الانجليز من اليمن الجنوبي دون قيد أو شرط ، و هان ابتسم رئيس الوفد الانجليزي ، و أدرك أن المقاومة اليمنية قد حددت هدفها و لا تتنازل عنه .
و مع احترامنا لمسيرة المقاومة الفلسطينية و تقديرنا للتضحيات التي قدمتها و كذلك الظروف المحلية و العربية و الدولية إلا أن هذا لا يمنع من تحديد أهداف المقاومة الفلسطينية منذ البداية و هي تحرير فلسطين كاملة من الغزاة ، و قيام دولة فلسطينية علمانية ديمقراطية ، يعيش فيها المسلمون و المسيحيون و هم سكانها الأصليون ، و كذلك اليهود الذين كانوا سكان فلسطين قبل 15 أيار 1948 ، في ظل دستور متفق عليه و هذا الهدف لا يجوز التراجع عن أي جزء منه ، و لكننا نرى التراجعات و التنازلات الكثيرة من قبل السلطة الفلسطينية ، و نرى أن إسرائيل كلما حصلت على تراجع طلبت تراجعا آخر وأخشى ما أخشاه أن يصل مع المقاومة الفلسطينية ما حصل مع ( ضيف العرس ) .
يحكى أن شخصا كان يسير في الشارع دون هدف و شاهد أثناء سيره يافطة على بوابة كبيرة مكتوب عليها ( عرس ) ، فدخل البوابة و إذا ببابين آخرين مكتوب على احدهما يافطة للمدعوين و على الأخير غير المدعوين فدخل من باب غير المدعوين ، و بعد دخوله وجد بابين و على الأول لحاملي الهدايا ، و على الآخر غير حاملي الهدايا ، فدخل من باب غير حاملي الهدايا ، و بعد ولوجه هذا الباب وجد نفسه في الشارع العام
و أخيرا حتى يكون المفاوض حازما يجب تحديد الهدف و توفير الوسيلة و الإرادة القوية .