المسؤولية السياسية و السعادة لا يلتقيان
جريدة الغد – 16/7/2008
المسئول السياسي مهموم دائما ، لأنه على الدوام في صراع مع الآخرين و له خصوم و له أنداد و فوقه قيادة تراقب أعماله تقيمها و بموازاته قيادة و ضمن النظريات السياسية المتبقية في العالم و مصالح الدول المختلفة و مصلحة بلاده و ظروفه الشخصية ، و المنافسون له الذين يعدون عليه أعماله و أنفاسه و هناك الذين يحسدونه و هناك المؤامرات التي تحاك ضده من أطراف عديدة كما انه ليس بريئا من حبك المؤامرات و هناك أهل الرأي و الصحافة و كلها توجه سهامها إلى هذا المسئول مؤثرة فيه و بشكل عام لا ننسى تأثير ذلك على تفكيره و أعصابه و سمعته و إمكانية الفشل و العمل السياسي بطبيعته معرض للفشل كما انه قد ينجح أحيانا .
و السياسي قد يحصل على مكاسب شخصية من خلال موقعه و لكن هذه المكاسب مهما كانت لا تعادل حرق الأعصاب و خوفه و قلقه و احتمالات فشله و الرجع إلى بيته و ثم نسيانه بحيث يتحول من شمعة مضيئة في ذهابه و إيابه و إشهاره في الإعلام إلى متقاعد لا يسأل عنه احد ، و يتعرض إلى عتاب الضمير و يتذكر أخطاءه و معروف أن الشخص الناجح سرعان ما ينتهي إلى الانكفاء على ذاته و هناك أمثلة كثيرة في التاريخ على من احترقوا في حقل العمل السياسي و ذهبت أسماؤهم و هناك من ابتعدوا عن العمل السياسي و عاشوا حياتهم الطويلة بسعادة و هناء و تمتعوا براحة البال و راحة الضمير و العيش الرغيد .
كان هناك شيخ جليل في دمشق يحترمه الناس و لكنه كان يبتعد عن الأضواء و كان و كان من عادته أن لا يقابل المسئولين أو الأمراء أو رجال السياسة وكان ميسور الحال و محترما من سكان دمشق و قد ذكر البعض لأحد الولاء أن الشيخ احمد الرضا رجل جليل و يحترمه الناس ، و لكنه يعزف عن مقابلة الولاة و المسئولين و هان طلب الوالي استدعاء الشيخ احمد الرضا إلى دار الولاية و هناك استقبله و سأله لماذا لا تزورنا و نرغب برؤيتك في مجلسنا و أنت صاحب السمعة الطيبة بين الناس فأجاب : أنست بوحدتي و لزمت بيتي و طاب العيش لي وصف السرور و لست بسائل يوما أسار الجيش أم ركب الأمير و قد قال الشاعر في هذا المجال ينهي عن تولي المسؤولية السياسة لا تلي الأحكام أن هم سألوا ربة فيك و خالف من عدل أن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا أن عدل كما قال احد العلماء : إني وجدت خير الدنيا و الآخرة في التقى و الغنى ، و قال السيد المسيح : الضمير هو الذي يفرق بين الإنسان و سائر المخلوقات ، و انه يرى الضمير قبسا من روح الله أودعه الإنسان عندما خلقه و بالضمير أصبح الإنسان إنسانا ، و توفيق الحكيم الأديب ، و الكاتب عاش 90 عاما و من بعض كتبه كتاب عودة الروح الذي ألفه سنة 1933 ، و قد قرأ جمال عبد الناصر هذا الكتاب عندما كان ضابطا في الجيش و أعجب به عندما أصبح جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية قال لصحافي من أصدقائه إني ارغب بالجلوس مع توفيق الحكيم و اشرب الشاي معه ، و قد نقل الصحافي رغبة عبد الناصر إلى توفيق الحكيم ، فكان جواب توفيق عبد الحكيم ما إنا إلا مواطن عادي ، فما الذي يجمعني بعبد الناصر و ماذا أقول له و اعتذر .
و في إحدى الجلسات التي جمعت الصحافي بتوفيق الحكيم و بعض الأصدقاء قال الصحافي للحضور مشيرا إلى توفيق الحكيم ، هذا الذي رفض الاجتماع مع عبد الناصر ، فقال توفيق الحكيم :" إنا لا اقصد عبد الناصر بالذات و لكن طبعي أن اعزف عن مقابلة الحاكم و هو في السلطة " ، فقال الصحافي في مازحا ، يعني لازم عبد الناصر يستقيل حتى تجتمع معه ، فأجابه توفيق الحكيم مازحا ، بالضبط ، خلاصة القول أن مركب المسؤولية السياسية لا تجلب السعادة ، لأن السعادة الحقيقية و المسؤولية السياسية لا يجتمعان مع الإشارة إلى أن الكتابة و الفكر و الثقافة شيء و المسؤولية السياسية شيء آخر ، و قد قال الشاعر :
ما تطعمت لذة العيش حتى صرت للكتاب و البيت جليسا
ليس شيء اعـز عندي من العلم ما ابغى سواه أنيسا
و أخيرا ، فقد قال الفيلسوف اليوناني أرسطو : " لكي تكون سعيد ،عليك أن تكون فاضلا . و هذه الصفة اعتقد أن المسؤولية السياسية بعيده عنها .