الرجل و العقيدة و الرفاق و العمل السياسي
الاثنين – 30آب 1993
على طول مسار التاريخ البشري و منذ آلاف السنين ظهر رجال كانت فيهم عناصر القيادة في مجتمعاتهم ، و هذه العناصر تكون موجودة في قلة من الأفراد من خلال التربية التي اعتادوا عليها و من خلال البيئة التي تواجدوا فيها مع قوة في البصيرة و الذكاء و سعة الأفق بالإضافة لمعرفة في النفس البشرية و ظروف و أوضاع المجتمع الذي يعيشون فيه ، و من خلال حياتهم العادية في أوساط الناس و ملاحظاتهم لظروف الناس و طريقة حياتهم العادية و مظاهر العدل و الظلم و القوة و الضعف و تمحيص القيم و العادات و التقاليد و التدين و فهم الناس لحياتهم و معاشهم و من ثم تصورهم لما بعد الموت .
كل هذه المظاهر يتابعها ذو البصيرة و الذكاء و من توجد فيه علامات القيادة و يستطيع أن يتصور بفكرة و قوة بصيرته كيف يجب أن يغير مسار الناس إلى الأفضل كما يراه هو و يبدأ برسم الأسلوب و الطريقة و وسائل الإقناع و المنطق لعدد من الرفاق من حوله حتى يتكون لديه فريق من الرجال يقنعه بآرائه و تصوراته بعد مرور وقت بقوة الشخصية و الحزم و العدل و الإيمان بالمبدأ و العقيدة و قوة المنطق الذي يقنع به الأنصار و المؤيدون و يلتزم كل من القائد و الأنصار بالقيم التي امنوا بها و بقدر صدقهم و إيمانه و قوة منطقهم و التزامهم بالخلق القويم و الصدق و العدل و العمل المخلص من اجل نشر هذه المبادئ بقدر ما يكثر الأنصار و المؤيدون و بقدر ما يظهر قادة و مفكرون جدد على نفس الطريق يواصلون السير على هدي القيادة الأولى و هكذا فما دام القيادة و الرفاق صادقين و مؤمنين و يعملون فان المبادئ و الأفكار تستمر و تتقدم و تنجح ، و لكن إذا ضعفت القيادة من الناحية الخلقية السلوكية و العمل فان الثقة بها تهتز و تبدأ هذه القيم و الإيمان بها ، و تتراجع و يضعف الأشخاص من القيادة و الرفاق و الأنصار و ما تلبث المسيرة أن تنهار و تنتهي و تصبح أثرا من آثار التاريخ .
كان لا بد من هذه المقدمة لأصل إلى مثال واضح من تاريخنا العربي و الإسلامي ، فقد كان محمد بن عبد الله عليه السلام رجلا قويا صادقا عادلا حازما قبل نزول الرسالة عليه و اقصد من ذلك أن الصفات الأولى للقائد كانت موجودة لديه من قبل الرسالة حيث كان محل احترام و ثقة قريش و غيرها لما اتصف به من صفات جعلته موضع ثقة ، إذن كان هناك الرجل الرجل بكل ما في صفات الرجولة من معنى ( لولا ) و بعد نزول الرسالة عليه فقد توفر العامل الثاني و هو العقيدة بما فيها من إيمان بالله و بمبادئ الإسلام ، فكانت نور على نور ( عقيدة واضحة نزلت على رجل قوي ) . و بعد ذلك نشط بما لديه من عوامل قياديه و قوة حجة و أمانة و عدل و حزم لإقناع الأعوان و قد نجح فكان هناك رفاق الرسول الكريم في العقيدة التي آمنوا بها إيمانا قويا كما إنهم وثقوا بقائدهم و احترموه حتى أنهم كانوا يضحون بأرواحهم من اجله و هنا توفر العامل الثالث و هو الرفاق المخلصون الصادقون و المؤمنون و الذين على هدي قائدهم يسيرون .
و عليه فقد توفر ( القائد الرجل و العقيدة القوية و الرفاق المخلصون ) فتقدم الرسول و أصحابه للعمل السياسي في بناء الدولة و كانوا أثناء مسيرتهم يكسبون كل يوم أعوانا جددا و من جيل جديد وكما نعلم فقد قامت الدولة الإسلامية و امتدت و قويت و قدمت للإنسانية الكثير .
و ما أود الوصول إليه في هذا المقال أن أي عمل سياسي بمعناه الحديث سواء أكان إنشاء حزب أو قيام دولة أو تنظيم حركة تعاونية أو جمعية أو جماعة أو منظمة أو أي عمل عام فان ذلك يقتضي وجود قيادة قوية مؤمنة صادقة عادلة حسنة السيرة و السلوك و من ثم الفكر التي يعملون من اجل تحقيقها و وضوحها في ذهن القيادة و من ثم الرفاق أو الأعوان أو المساعدين الذين يعملون و أن ينضم للرفاق جيل جديد و دم جديد لكي يستمر العمل و التطور تبعا لتطور الظروف و الأحوال و التي بطبيعتها متجددة و متغيرة لان الجمود يعني الوقوف و عدم النمو و الذي لا ينمو يموت .
فيا أيها العاملون في مجال العمل العام و خاصة مجال السياسة و تشكيل الأحزاب و التجمعات هذه هي أسباب النجاح سواء أكان هان أو هناك أو أي مكان في الوطن العربي :
1- القيادة القوية المؤمنة العادلة البعيدة عن الأنانية و النفاق و الشللية و حب الظهور حيث أن الرجل و العقيدة يكملان بعضهما البعض برباط الأخلاق القويمة .
2- العقيدة أو المبدأ الذي تسير القيادة على هدي ووضع في الرؤية و التصور و الشمولية لكل الناس و ليس فردا و جماعة و حزب .
3- الرفاق أو الأعوان أو الأنصار الين ينضوون في القيادة و يحترمونها و يسلكون على هدي سلوكها الخاص و العام و الذين يتزايدون باستمرار و بسبب صدق القيادة وضوح المبدأ وسلوكية الرفاق المستمدة من الأخلاق القويمة .