بعث الهلال الخصيب
منذ فجر التاريخ و الهلال الخصيب ( الشام و العراق ) مهد الحضارات الإنسانية منذ درج الإنسان على هذه الأرض ، و قد يعود ذلك إلى الموقع الجغرافي المتوسط من العالم و المناخ الجيد صيفا و شتاء و الأرض الصالحة للزراعة بجميع أنواع الخضروات و الفواكه و الحبوب ، و كثرة المياه المتوفرة فيه من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه ، مثل هر الفرات و فروعه و نهر دجله و فروعه و شط العرب ثم نهر العاصي ثم نهر بردى و النهر الكبير و نهر الأردن و بحيرات الحولة و طبريا و البحر الميت بمناخه المتميز كونه اخفض بقعة في العالم ، بالإضافة إلى الينابيع الكثيرة و عيون الماء المنتشرة في كل مناطق الهلال الخصيب أضف إلى ذلك الجبال العالية الشاهقة شمال العراق ، و في غرب بلاد الشام و السهول الواسعة الصالحة للزراعة ، و اتصال العراق بالبحر العربي و المحيط الهندي عن طريق الخليج العربي ، و كون الشام تحاذي للبحر الأبيض المتوسط ، و من ثم اتصال بلاد الشام بالبحر الأحمر من الجنوب .
وكل هذه الصفات تجعل من الهلال الخصيب من أخصب بقاع العالم ، و كونها صالحة لحياة الإنسان ثم اتصاله شرقا ببلاد فارس "إيران" ، و اتصاله شمالا بآسيا الصغرى "تركيا" و متصلة جنوبا بالجزيرة العربية و متصلة غربا بأوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط و من الجنوب الغربي اتصاله بمصر و إفريقيا عن طريق سيناء .
لكل ما ذكر كان الهلال الخصيب "الشام و العراق" مهد الحضارات الإنسانية على طول حقب التاريخ ، و تتابعت هذه الحضارات فيه مع تتابع الأقوام التي استوطنته من الأكاديين و السومريين و الكلدانيين و الأشوريين و البابليين و العرب و الفرس و العرب المسلمين في العراق ، و الآراميين و الكنعانيين و العبرانيين و الحثيين و اليونان و الأنباط و الروم و العرب الغساسنه في الشام ثم العرب المسلمين ، و غيرهم و غيرهم ، حيث تفاعلت كل الحضارات الإنسانية مع بعضها البعض على ارض الهلال الخصيب ، و كان أن ظهرت الديانات الأرضية في هذه البلاد على مدى آلاف السنين ، ثم ظهرت الديانة اليهودية ، و بعدها الديانة النصرانية ، و بعدها جاءت الديانة الإسلامية ، و جميعها لعبت دورا هاما في انصهار الحضارات الإنسانية و الديانات .
و ظهر إنسان الهلال الخصيب إنسانا مدنيا حضاريا مثقفا واعيا قادرا على التعامل مع مستجدات الحياة في إطار التعاون و التسامح بين الحضارات و الأديان بحيث ظهر التجانس و التعاون بين سكان بلاد الهلال الخصيب من عرب و أكراد و أرمن و شركسي ، و بقية الأعراق كما أن التسامح و التعاون ظهر بين المسلمين و المسيحيين و اليهود و التفرعات التي ظهرت مثل السنة و الشيعة و الدروز و الصابئة الكاثوليك و الأرثوذكس و البروتستانت ، و تفرعات كثيرة و كثيرة يجمعها الوطن الخصيب و المناخ الجيد و الموقع الممتاز ، في إطار الوطن للجميع و احترام جميع الديانات , و حرية الممارسة الهادئة المتسامحة في إطار القانون الواحد العادل ، المنبثق عن الدستور المتفق عليه ، من خلال مؤتمر وطني يجمع كل أطياف الشعب بحيث يشعر الجميع انه يعيش في ظل القانون العادل و الدولة العلمانية التي تسير على خط متواز بين الحضارة القديمة و الحضارة الحالية و الحضارة المستقبلية ، و إذا أضيف لكل ذلك الثروات الحديثة التي ظهرت في بلاد الهلال الخصيب من مرافق البترول و الصناعة و الزراعة و السياحة و المعادن و التجارة مع كل دول العالم و التعاون النظيف مع دول العالم ، دون الدخول في بلاد أحلاف و حروب و عدم الرغبة في التوسع و السيطرة على بلاد أخرى ، مما يجعل دولة الهلال الخصيب من أكثر الدول مدنية و حضارة و غناء و سعادة و بنظام حكم ديمقراطي عادل متفق عليه يحفظ حقوق جميع الجماعات و الأفراد دون تفرقة من أي نوع ، و بعدد سكان ستون مليون نسمة .
إن فكرة ظهور دولة الهلال الخصيب هي فكرة واقعية و صالحة و تصلح لان تكون موضوع دراسة و حوار و بحث عن وسائل تحقيق تلك بأحسن الوسائل و ليكن ذلك هدفا و عندما يتحقق يشعر كل مواطن فيه انه سعيد ، و ليس تحقيق هذا الهدف مستحيلا .
و على المفكرين في الهلال الخصيب أن يشبعوا هذه الفكرة دراسة و بحثا ، و إذا لم يتحقق ذلك قريبا فقد يتحقق ذلك في المستقبل لان تحقيق هذا الهدف هو الأفضل لكل الناس فيه ، لأنه يخلق دولة علمانية قوية ديمقراطية ، غنية ، يعيش كل سكانها بطمأنينة و سعادة بحيث تذوب فيها كل التناقضات و المشاحنات و الحساسيات القومية و العرقية و الدينية و المذهبية في إطار القانون العادل و الدستور المتفق عليه ، و مقولة " الدين لله و الوطن للجميع " .