المؤلفة قلوبهم "بين النواب"
العرب اليوم – 28/6/1999
عندما اسس الرسول العربي محمد صلى الله عليه و سلم الدولة الاسلامية المدينة المنورة كانت في البداية دولة ضعيفة يحيط بها الاعداء من جهات عديدة و يتهددها خطر قريش و خطر القبائل القوية المنتشرة في الجزيرة العربية و رغم أن المؤمنين بمباديء الاسلام كانو قلة ، إلا أن الدولة قامت و تشكلت و لكنها كانت بحاجة إلى دعم و تأييد و قيادة بعض القبائل غير المسلمة أو أن اسلامها ضعيف في ميواجهة الاعداء فلجأ الرسول الكريم إلى تقديم الهدايا و الاعطيات و الاكراميات لزعماء بعض القبائل لتأليف قلوبهم مع الرسول و المسلمين في المدينة و غيرها و فعال كانت هذه القبائل تهب لمساعدة الرسول و المسلمين حيمنا يتعرضون للغزو و الاعتداء من الاعداء ، و اطلق على هؤلاء المتاجرين اسم المؤلفة قلوبهم و هم بشكل عام اصحاب ايمان ضعيف بالاسلام و مبادئه و لكن الذي كان يهمهم هو قبض الاموال مقابل تقديم المناصرة للرسول و المسلمين و اصبح هذا الاسلوب متبعا حينذاك و قد اشار القرآن الكريم لهذه الحالة في بعض الايات الكريمة .
و استمرت هذه الحالة في زمن الرسول الكريم حيث قويت شوكة الاسلام كما استمرت الحالة كذلك في زمن الخليفة الاول ابو بكر الصديق و لكن عندما تولى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب و اقتنع بقوة الدولة الاسلامية و امكانياتها و جيشها و اصبح من الضروري تطبيق قواعد العدالة و القانون و النظام و مباديء الاسلام على الجميع كما تقضي بذلك قوادع المساواة و عدم التمييز بين الناس ، و اقتنع بان دولة الاسلام بعد أن قويت و اشتد عودها لم تعد بحاجة إلى دفع الاتاوات و الاكراميات والهبات و الهدايا و الترضيات لاشخاص بعينهم بدون وجه مشروع خاصة و أن هذه الاموال كانت تعطي من المال العام - بيت مال المسلمين - في حين يجب أن تسود المساواة بين الناس في الحقوق و الواجبات و حتى يصبح للدولة هيبتها و تفرض العدل بين الناس لا يجوز أن تختص فئة من المنافقين ( المؤلفة قلوبهم ) بهدايا و اكراميات و ترقيات في ظل دولة تحترم نفسها و من اهم واجباتها حفظ الامن في البلاد و المساواة بين الناس و تطبيق الشريعة الاسلامية على الجميع دون تمييز بحيث يأخذ كل الناس مالهم من حقوق على الدولة و يقدمون ما يطلب منهم من واجبات تصب جميعها في خدمة الدولة و العدالة و الصالح العام . لا بد من هذه المقدمة حتى ادخل إلى موضوع حساس جدا جرى الحديث حوله كثيرا في الصحف و الإذاعات و اجهزة الاعلام ، و في مجالس الناس في ظل ما نسمع و نرى من تدهور الاقتصاد في الأردن و الكلام عن الفساد و المفسدين و ناهبي المال العام و المحسوبية في كل المجالات ، بالاضافة إلى ثبات مراكز قوى في الأردن تحصل على المكاسب و توزعها على الاقارب و المحاسيب و الاعوان و الانسباء و المؤيدين لهم في المجالات المختلفة ، كل ذلك يجري على حساب ظلم الاخرين و سلبهم حقوقهم و حرمانهم من حقوقهم في تولي المراكز التي يستحقونها حتى اصبحنا نرى أن رئاسة الوزارة للأبناء و كذلك الوزارة و كذلك احيانا النواب و السفراء و المدراء و كبار رجالات الدولة و انتشرت فكرة ( المشمشية ) أي كل واحد يحتل مركز عليه أن ينهب و ينهب و ينهب ، لأن الفرصة سانحة و لا رقيب و لا حسيب .
و الادهى و الأمر و الشيء العجيب أن اصحاب القرار و المسؤولين هم الذين يستغلون مراكزهم للاعتداء على المال العام و يشجعون العشائرية و الشللية و المصلحة المتبادلة حتى وصل الامر مع الاسف احيانا إلى التدخل و السيطرة و التأثير على الانتخابات النيابية بحيث يستطيع اصحاب النفوذ السلطوي و المالي و العشائري و الحكومي التأثير على الانتخابات و شكلها و اسلوبها و قوانينها و الاشراف عليها و اظهار النتائج بحيث ينجح النواب الذين يخدمون مصالحهم و مصالح النواب الجدد الذين يفاجئون بحجم المكاسب التي تردهم بعد نجاحهم بحيث لم يعد لديهم أي قدرة على المقاومة تجاه المكاسب التي تردهم ، و من هنا يجدون أنفسهم مسخرين لخدمة من نجحوهم أو اعطوهم المكاسب الضخمة بعد نجاحهم فينسون واجبهم تجاه الله و الوطن و الشعب و ينزلقون في الموبقات و الحفلات و الولائم و الوفود و الزيارات و الاستقبالات و لم يبق لديهم أي وقت حتى لمقابلة الناخبين الذين انتخبوهم و سماع مطالبهم بحجة الانشغال في خدمة الصالح العام و المقابلات و مناقشة القوانين و غير ذلك .
و بعد فترى يتحول بعض النواب إلى فئة المؤلفة قلوبهم و يصحبون مقابل الاعطيات منافقين على مستوى عال ، و هؤلاء مع الزمن هم و اصحاب النفوذ الاخرين يصبح لهم حاشية من المؤلفة قلوبهم كذلك مقابل بعض المكاسب فيتسع مجال المؤلفة قلوبهم و هكذا كلما اتسع الفساد اتسعت حلقاتهم و اصبح كل فريق يعمل في اطار دائرته و هناك حلقات و حلقات في جهات اخرى و مراكز اخرى فتصبح لدينا اعداد هائلة جدا من المنافقين و هؤلاء يتبعهم منافقون و الكل يأخذ و يعطي و يأخذ و ينطبق على هؤلاء الآية الكريمة : ﴿ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ﴾ .
و الأخذ غير مشروع و العطاء غير مشروع و يصبح العاطي يفتخر بانه يأخذ بطريق غير مشروع و يعطي كذلك بطريق غير مشروع و هكذا ينتشر مبدأ ( بارك الله في من فاد و استفاد ) ، و من هنا يصبح قول الشاعر في المرأه التي كانت ترتكب فاحشة الزنا مقابل اجر ثم تقوم بالتصدق على الايتام و المساكين بالمال الذي تكسبه من ممارسة الزنا.
ما اود الوصول اليه هو : ألم تصل الدولة بعد إلى القوة التي تمكنها من تطبيق الدستور و القانون و النظام دون الخوف من احد ، لان لا احد فوق القانون ، و من هنا تعاقب المسيء بموجب القوانين والانظمة دون الالتفات إلى تاريخة و عشيرته و بلده بحزم و قوة ، بحيث يخاف كل من تسول له نفسه اخذ مال لا يستحقه أو مركز بحيث تسود العدالة بين الناس الذين بدورهم في هذه الحال يحترمون الدولة التي تتوحى العدالة و تطبق القانون و تعين اصحاب الكفاءة و النزاهة و الحزم و تقوى الله و خدمة الناس في هذا الزمان .
و اختم مقالي بالآية الكريمة ، آملا لأهل التقوى بالتوفيق .
﴿ و العصر ، أن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنو و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ﴾ .