النفاق و لذة احترام الذات
6/8/1992
السعادة ينشدها الجميع و على كل حال فالسعادة تختلف ما بين شخص و اخر بالنسبة لما يريد و يرغب ، فالبعض ينشدها في الصحة ، و البعض في المال ، و البعض في الجاه ، و البعض الاخر بقدر من التعليم ، هو يعرفه ، و البعض قد يراها بالقناعة و البعض يراها بتحقيق الغلبة علىا لاخرين بعد التنافس معهم ، و البعض يراها بمقدار ما له من حظوه لدى المسؤولين و البعض الاخر يراها بالاولاد و العز و العشيرة التي يعتز بها ، كما أن البعض يراها في تقديم المساعدة للآخرين المحتاجين على مختلف مواقعهم ، كما أن البعض يراها بمقدار ما يقدم لاقاربه و معارفه و إلى غير ذلك من المواقف التي تختلف بالتأكيد من شخص لآخر حسب ظروفه و ثقافته و طموحاته .
و لا يخفى على الجميع بان هناك اجتهادات و اجتهادات حول مفهوم السعادة ، و قد يقبل بعض الناس اجتهادا ما ، في حين أن البعض الاخر لا يقبله ، و من هذا المنطلق فاني اورد اجتهادا قد يقتنع فيه البعض و قد يعارضه البعض الاخر ، و خلاصة هذا الاجتهاد هو أن السعادة تكون في تحقيق لذة احترام الذات ، فماذا يعني هذا المفهوم ؟
إذا كان الشخص مواطنا عاديا فانه من خلال سلوكه القويم في التعامل مع الناس و اخذ ماله من حق و إعطاء ما عليه من حق للآخرين مقتديا بقول الله تعإلى : ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ﴾ ، فترى أن الإيمان بالله و الاستقامة في الحياة منهج يوصل صاحبه إلى لذة احترام الذات و راحة الضمير .
قد يكون الشخص موظفا يؤدي واجبه بشكل جيد ، و يحترم وظيفته و يحترم رئيسه و لا ينافق له ، و إذا جرى بحثا ما بينه و بين رئيسه يكون صادق الموقف و النبرات مبديا الرأي الذي يؤمن به هو ، و يعتقد بصحته لا الموقف الذي يريده رئيسه .
و إذا كان موظفا مسؤولا قام بواجبه تحدوه الثقة بالنفس و الخطوات الثابتة و الموقف الصادق دون ريبة و ارتباك و خوف ، يحدوه الإيمان بالله و الاستقامة ، لا ينافق لوزيره و لا يخضع و ينحني أمامه مادّاً يديه خافضا رأسه لان كل ذلك و ما زاد عن الاحترام المعقول هو اذلال للنفس البشرية التي ارادها الله عزيزة مؤمنة صادقة ، و إذا سار في هذا الاتجاه فانه ينال احترام الناس و رئيسه و احترامه لنفسه و يشعر بلذة احترام الذات .
و إذا كان مسؤولا كبيرا فانه يكون جادا موضوعيا هادئا يسمع جيدا و يفكر مليا و يكوّن رأياً من خلال ماضيه و ثقافته و خبراته و قناعاته ، و يبدي هذا الرأي بروية و هدوء ، دون أن يبحث عن تبعية اظهار الولاء الاعمى و ابداء ما لا يقنعه من افكار ، خشية أن يخسر مركزه و إذا سار في هذا الطريق فانه يخسر ما هو اهم من مركزه ، فهو يخسر نفسه و كرامته و يخسر لذة احترام الذات .
ليس في هذا فقط ، بل أن سلوك هذا السبيل من المواقف الضعيفة المهزوزة و التي قد يطرب لها المسؤول و يتعود عليها الفاعل ، فان هذا يقنع الاخرين الذين لم يصلوا و هم يطمعون بالوصول إلى أن هذا السلوك ( النفاق ) هو السبيل الممكن و لا سبيل غيره ، و سيجدون أنفسهم يسيرون فيه رغم بعض المقاومة الاولية عندهم .
و من ثم ينتشر هذا الاسلوب و يصبح مستساغا ، و بالتالي يعم مبدأ النفاق و اظهار خلاف الباطن و ينعكس ذلك على ضماءر الناس التي إذا ما مارست هذا الاتجاه فلن ترتاح ضمائرهم بعد أن يخلوا لأنفسهم في وحدتهم و يفقدون لذة احترام الذات ، و بالتالي فانهم يفقدون سعادتهم و يشعون انهم محتقرون أمام أنفسهم و بمقارنة بسيطة بين من يمارسون هذا العمل ، و يصلون و يصلون و يحققون كثيرا من عرض الدنيا مع شخص عادي يعيش حياة عادية و يشرف على اسرته و من جهده يصرف على اولاده و يبني نفسه اقتصاديا و اجتماعيا و يتعامل مع الناس باحترام و احترام متبادل ، و لا ينافق و لا يخضع و لا يهاجم و لا يدافع نفاقا و ييأخذ حقا و يعطي حقا ، و يؤمن بالله و يستقيم في حياته و يشعر براحة ضمير ، كما يشعر بلذة احترام الذات ، فان نتيجة المقارنة يعرفها بالتأكيد الشخص المنافق كما يعرفها الشخص المحترم الذي يحترم نفسه و يحترم الاخرين ، الذين بدورهم يحترمونه ، فأي سعادة اوفر من هذه السعادة .
و أرجو أن اورد رأيا متواضعا بسيطا في نهاية هذا المقال ، و هو أن اكثر الأمراض انتشارا في مجتمعنا هو مرض النفاق و حسب اعتقادي فان كثيرا من عيوب المجتمع من فساد و رشوه و جبن و اهمال تنشأ من عيوب سببها عدم الصدق و الصراحه و السكوت عن قول كلمة الحق أي بمعنى آخر ( النفاق ) .
فيا أيها الناس اتركوا النفاق و عودوا إلى لذة احترام الذات .
و ختاما لنا و لكم المثل الاعلى في قوله تعالى :
1- ﴿ إن المنافقين يخادعون الله و هو يخادعهم ﴾ "النساء 142" .
2- ﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من يضلل الله فلن تجد له سبيلا﴾ "النساء 43" .
3- ﴿ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا ﴾ "النساء 145" .