أهمية القضاء
جريدة المجد – 3/3/2008
من المعروف أن أي دولة في العالم الحديث فيها ثلاث سلطات تدير شؤون البلاد ، و على رأس هذه السلطات الثلاث يقف رئيس الدولة سواء كان ملكا أو رئيسا للجمهورية ، و كل سلطة من السلطات الثلاث لها مهام تقوم بها ، و من المفروض في دولة مدنية أن يجري التنسيق و التعاون بين السلطات الثلاث بما يكفل خدمة المجتمع بالطرق الادارية أحيانا و التشريع أحيانا أخرى ، و من ثم القضاء حيث يتم الفصل في المنازعات التي تحصل بين الافراد بعضهم ببعض أو بين الافراد و الحكومة أو بين المؤسسات ، في إطار الدستور و القانون .
و مما يجدر الإشارة إليه أن القضاء في الأردن يتم على ثلاث مراحل بالإضافة الى محكمة العدل العليا حيث تنظر محكمة بالدرجة الاولى حسب الاختصاص النوعي أو المكاني و ينظر الدعوى قاض واحد ، في الصلح أو البداية و للخصم الذي يشعر انه غبن من قرار محكمة الدرجة الاولى أن يستأنف الى محكمة الاستئناف ، و التي ينتقل اليها ملف القضية و يترافع الخصمان امام هذه المحكمة التي تتكون من ثلاث قضاة ينظرون الدعوى بصفتها محكمة موضوع ، و تدرس القضية و تخرج بقرار من الهيئة قد يؤيد قرار محكمة الدرجة الاولى ، و قد يصدر قرارا بفسخه ، و هناك مرحلة ثالثة للمقاضاة و هي محكمة التمييز حيث ( بموجب قانون اصول المحاكمات ) و ما يسمح به القانون ترفع من قبل الطرف الذي لا يرضيه قرار محكمة الاستئناف الى محكمة التمييز و المكونة من خمسة قضاة ، و هذه المحكمة و هي محكمة قانون تدرس ممدى مطابقة مسار الدعوى من البداية حتى النهاية مع القانون ، و بعد دراسة ملف القضية الذي ينتقل اليها من محكمة الاستئناف أو تنقضه ، و يعتبر قرار محكمة التمييز قطعيا اذا لم تعده منقوصا الى محكمة الاستئناف لإعادة النظر فيه .
و عليه فإن القضية تكون قد نظرت من قبل تسعة قضاة ، و ليس من المعقول أن يطعن في الحكم الذي نظره القضاة التسعة كما انه يستبعد أن يكون هناك ميل أو إجحاف من قبل تسعة قضاة ، و بذلك تكون المقاضاة قد سارت سيرا هادئا و عادلاً و بالتسلسل ، بعد أن يكون كل خصم قد قدم ما لديه من بينات يعتقد أنها تثبت دعواه و دفاعه .
و للحق و الحقيقة يكاد يكون الناس و المجتمع راضين عن احكام المحاكم والتي تشكل المرجع الاخير لصاحب الحق و الذي قد يحصل عليه تجاوز أحيانا من قبل طرف أو جهة ما ، فالقضاء موضع احترام الناس في كافة مواقعهم .
لا بد من هذه المقدمة حتى اصل الى اهمية الرضة بحكم القضاء و ممن يتكون القضاء من خلال المقولات التالية :
1- يتكون القضاء من قسمين : القضاء الجالس و هم القضاة ، و القضاء الواقف و هم المحامون ، فالطرفان يشكلان جناحي العدالة .
2- أثناء الحرب العالمية الثانية كانت اسراب الطائرات البريطانية تخرج من مطار لندن و تمر فوق قصر العدل لتضرب المانيا ، فشعر القاضي بالانزعاج من ضجيج الطائرات فأصدر امراً الى وزير الدفاع و كان وقتها تشرتشل بان يغير مسار الطائرات فلا تمر فوق قصر العدل ، و لما وصل الأمر الى تشرتشل و اركان الحرب ، ( و بعد صمت ، قال تشرتشل لأركان الحرب نفذوا امر القاضي لئن يقال أن تشرتشل اطال امد الحرب سنة أفضل من أن يقال أن تشرتشل عطل سير العدالة يوما واحدا .
3- كان تشرتشل رئيسا للحكومة البريطانية و في البرلمان تحدث عدد من النواب عن الفساد و المحسوبية و الواسطة و تجاوز القانون و سوء استعمال السلطة و غير ذلك من المخالفات في الدولة ،و بعد أن تكلم عدد من النواب حول هذا الموضوع و تشرتشل يستمع لهم ، رد قائلا : "حضرات النواب انني اقدر ملاحظاتكم و لكنني اريد أن اوجه لكم السؤال التالي ( هل القضاء في بريطانيا نزيه ؟ ) ، فقال الجميع نعم القضاء نزيه ، فقال تشرتشل إذن فرئيس الحكومة و الوزراء لا يستطيعون معرفة كل خطأ في البلد ، و لكن من يشعر بالظلم أو الغبن فما عليه الا أن يراجع القضاء .
4- المادة الثامنة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص ( لكل شخص الحق في أن يلجأ الى المحاكم الوطنية لانصافه من اعمال فيها اعتداء على الحقوق الاساسية التي يمنحها له القانون .
5- جاء صدر المادة 15/1 من الدستور الاردني ليؤكد ( تكفل الدولة حرية الرأي).
6- أن غل يد السلطة التنفيذية عن التدخل في الدعاوي المنظورة امام المحاكم هو من أهم عوامل ارساء مبدأ استقلال القضاء و فرض احترامه على الجميع .
7- أن المجتمع المتحضر يعتمد على الحفاظ على القانون و النظام .
8- لا يمكن لشيء أن يفوق في نتاجه اهمية الحفاظ على سبل العدالة نقية و طاهرة ، بحيث يتاح للخصوم طرقها ’منين على اشخاصهم و هوياتهم بما يكفل المحافظة على مجرى العدالة واضحا و صافيا .
9- ممارسة القانون و المحاماة ، لم تكن ابدا و في أي عصر من العصور مجرد وسيلة لكسب العيش فقط ، بل كانت دائما مسئولية وطنية و اجتماعية و اخلاقية على المستوى القومي و مسؤولية انسانية لخير البشر على الصعيد العالمي .(المحامي شفيق ارشيدات) ، أمين عام اتحاد المحامين العرب سابقين .
10- و هنا لا يسعني الا أن اوجه الاحترام للقضاء الصادقين المخلصين لمهنتهم و الذين لا يميلون لطرف و لا يخضعون لأي ضغوط سواء كانت شخصية أو رسمية و الذين يحكمون بعلمهم و ضميرهم في سبيل احقاق الحق دون خوف أو وجل (وقد قيل) اروع مافي الكون أن تعيش بلا خوف ، و الخوف له مصدران : المصدر الاخرجي و هو الناس و الحكم ، و المصدر الداخلي و هو الضمير .
و حول الخوف ، لماذا يخاف القاضي طالما أن بامكانه عندما يتعرض الى موقف حرج من صاحب نفوذ أن يقدم استقالته دون رجعة ، و يفتح مكتبا للمحاماة ، و المحامي المحترم لا يخاف مؤكدا مقولة الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا حيث قال ( لو لم اكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا ) ، كما قيل أن المحاماة مهنة الجبابرة .
ختاما فقد ورد في القرآن الكريم ﴿و اذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ ، و القاعدة المعروفة على مدى التاريخ أن العدل اساس الملك ، و العدل يتحقق بتطبيق القانون العادل عن طريق القاضي القوي الامين و المحامي المتمكن من مهنته .
و من الجدير بالذكر أن معنى كلمة القانون باللغة اليونانية ( المسطرة ) ، أو العصا المستقيمة ، التي تقاس بها المسافة عند الاختلاف على المسافات ، و كذلك القانون حيث يتم الرجوع إليه عند أي اختلاف على المسافات ، و كذلك القانون حيث يتم الرجوع إليه عند أي اختلاف بين اطراف و يحكم القاضي العادل بموجب القانون ، و القاضي النزيه القوي هو ظل الله في الأرض بما له من صلاحيات واسعة للحكم في مصالح الناس .
و في نهاية هذا المقال فإنني أوجه التحية الى جناحي العدالة في الأردن و هما القضاء النزيه و المحاماة الجيدة ، و سلام على روح القاضي الفاضل موسى الساكت الذي ارسى قواعد القضاء في الأردن مع زملائه ، و سلام على روح المحامي ابراهيم بكر الذي ارسى قواعد المحاماة في الأردن مع زملائة ، و نهجهم في القضاء يستحق أن يحتذى من قبل الضقاة الافاضل و المحامين الأكفاء .