لماذا لا يتشكل حزب البعث الشامي
حكم الأتراك العثمانيون البلاد العربية حوالي 400 سنة اعتبارا من معركة مرج دابق سنة 1516 التي انتصر فيها العثمانيون على المماليك حتى سنة 1916الحرب العالمية الأولى ، وكانت هناك الثورة العربية الكبرى التي قادها أحرار العرب في الشام والعراق والحجاز بقيادة شريف مكة الحسين بن علي، حيث تعاون هؤلاء مع الحلفاء بريطانيا وفرنسا وغيرهم ضد الدولة العثمانية وألمانيا وغيرها وكان هدف أحرار العرب تحرير البلاد العربية من السيطرة العثمانية وبناء الدولة العربية الواحدة المكونة من الشام والعراق ومعظم أجزاء الجزيرة العربية وكان هذا الهدف يراود كل أحرار العرب ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، حيث كان هناك تعاون على عدة محاور بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا المحور الأول هو احرار العرب والشريف حسين وهناك اتفاقيات ووعود والمحور الثاني كان بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا والحركة الصهيونية بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكان هناك محور ثالث بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا وعبد العزيز بن سعود بهدف إقامة دولة سعودية في نجد و الاحساء ومع الظروف المستجدة جرى ضم الحجاز الى هذة الدولة وشكلت مع مناطق أخرى المملكة العربية السعودية ، وكان أن جرى تقسيم بلاد الشام والعراق حسب اتفاقية سايكس بيكو وكان الهدف خلق دويلات عربية ضعيفة محيطة بالوطن القومي اليهودي وكان أن ظهرت لبنان دولة ، وسوريا دولة وشرق الأردن دوله وفتحت الابواب لهجرة اليهود الى فلسطين مع أن العرب الفلسطينيين كانوا يقطنون فلسطين وجرى ما جرى بعد حروب 36 ، 48 ، 56 ، 67 ، وغيرها بين الدول العربية المحيطة باسرائيل وهي دول ضعيفة وفي حركة النهوض من السبات الطويل في ظل الحكم العثماني وظهر نتيجة ذلك موضوع احتلال فلسطين وتهجير ما يزيد على أربع ملايين فلسطيني نزحوا الى الأردن ، وسوريا ، ولبنان ومناطق أخرى عربية وعالمية
نعود الى بلاد الشام بحدودها الطبيعية من الشمال جبال طوراس التي تفصلها عن تركيا ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشرق العراق والسعودية ومن الجنوب السعودية وسيناء ومصر وتبلغ هذة المساحة 300 الف كم2 وسكانها اليوم يتجاوزون الأربعين مليون نسمة وهذة البلاد منذ آلاف السنين وهي دولة واحدة غنية بأنهارها وجبالها وسهولها وحبوبها وخضرواتها ثم الفواكة والقطن والفوسفات والاسمنت والبوتاس والبترول والقمح والشواطئ الغربية التي تنفتح على العالم وعبر سوريا سارت وانتشرت الديانات الأرضية أولا في الشرق القديم ثم الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية ودرج في بلاد الشام 25 نبي وردت أسماؤهم في القران الكريم
ومن بلاد الشام انتشرت الديانات الثلاث الى معظم شعوب وأمم العالم ، مع العلم أن التسامح الديني والتعايش الهادئ يسود أتباع الديانات السماوية الثلاث خاصة إذا بقيت الأمور بحدود الدين للة والوطن للجميع ، وقبل أن يزج الدين بالسياسة لأنة بالدين، أي دين تطمئن القلوب ، ولكن بالسياسة التي يزج الدين بها تكثر الانقسامات والحروب0
وكما هو معروف ظهرت الحركات الإسلامية التي تدعوا الى إقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل اللة وكما هو معروف بان المسلمين موجودين في أكثر من أربعين بلد في العالم وهناك لغات كثيرة مختلفة وهناك قوميات كثيرة ومناطق متباعدة وبهذا يكون إقامة الدولة الإسلامية المنشودة صعب المنال وقد اثبت الواقع ذلك .
ثم ظهرت الحركة القومية التي كان يقودها جمال عبد الناصر وتدعوا الى قيام الدولة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج ومن الصومال حتى شمال العراق والمغرب العربي وكما هومعروف لم يتحقق ذلك لصعوبته وهناك خصوصيات وأقطار ولغات ومصالح وثقافات وارتباطات مع الدول المجاورة بالإضافة الى عنصر الزعامه والقياده وعلية فقد أصبح هذا الهدف صعب المنال .
ثم هناك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ظهر في سوريا وامتد بتنظيماتة الى الأردن ، لبنان ، العراق ، اليمن ، البحرين وتونس وموريتانيا وكان الهدف هو جمع العرب وبلدانهم في دولة واحدة وقيادة واحدة ليعيد امجاد العرب ايام الأمويين بالإضافة الى طرح مبدأ الاشتراكية التي تهدف الى توزيع الثروة وتحقيق العدالة وبناء الدولة القوية التي تدافع عن المصالح العربية وتتعاون مع دول العالم في بناء الحضارة والتقدم ، وكما هو معروف لم يتحقق شيئ من ذلك وتراجعت هذة الفكرة على ارض الواقع وبقيت القطرية تفرض نفسها حتى في إطار حكم الحزب الواحد في بلدين متجاورين قوميين وكل أسباب الوحدة كانت متوفرة ولكن الخلافات بين القادة وفرض القطرية نفسها جعلت من أهداف حزب البعث الاشتراكي صعبة التحقيق .
على ضوء ما تقدم ومن دراسة ظروف بلاد الشام و(سوريا الكبرى) ، بان أسباب الوحدة بين أقطار الشام الأربعة متوفرة تاريخيا ، ثقافيا ، جغرافيا ، حضاريا ، سكانيا ، ولغويا والتسامح الديني والموقع الجيد وقوة الدولة وكثرة خيراتها وتنوع مصادر القوة وتوسطها بين القارات الثلاث واتصالها مع أوروبا وأهميتها السياحية وكثرة الآثار السياحية والدينية ، كل ذلك وغيره يجعل من دولة الشام دولة قوية قادرة على البقاء وإسعاد سكانها والتعاون مع الدول العربية الأخرى ومع دول العالم كافة إذا اختطت سياسة الحياد الايجابي وعدم الدخول في منازعات وتحالفات ليست في صالح هذة الدول0
من هذا الباب يأتي السؤال لماذا لم ينشا حزب البعث الشامي من أصحاب الفكر والرائ والاقتصاد والقانون في الأقطار الأربعة التي تشكل بلاد الشام ويكون هذا الحزب حزبا علنيا يدعوا للوحدة بالطرق السليمة والديمقراطية ولا مانع من أن ينظم لة أصحاب الفكر والرائ والنقابات المهنية في الأقطار الأربعة والنواب والوزراء والاقتصاديون ويكون لهم مؤتمر شامل شعوب علني ويسير بهدوء وروية ومع الزمن ولأنة واضح ويمتد للأقطار الأربعة بشكل علني وسلمي وديمقراطي فأنة سوف يسير في طريق النجاح وهذا ممكن في ظل الظروف المتاحة ، ودعوة للمهتمين في أن يبادروا الى مناقشة هذة الفكرة وتبينها وسيثبت الزمن صحة هذة الفكرة وإمكانية نجاحها .
المحامي ضويع المحادين