لماذا لا يتشكل حزب البعث الشامي
جريدة الغد – الأربعاء – 8/7/2009
حكم الأتراك العثمانيون البلاد العربية حوالي 400 سنة اعتبارا من معركة مرج دابق سنة 1516 التي انتصر فيها العثمانيون على المماليك حتى سنة 1916الحرب العالمية الأولى ، وكانت هناك الثورة العربية الكبرى التي قادها أحرار العرب في الشام والعراق والحجاز بقيادة شريف مكة الحسين بن علي، حيث تعاون هؤلاء مع الحلفاء بريطانيا وفرنسا وغيرهم ضد الدولة العثمانية وألمانيا وغيرها وكان هدف أحرار العرب تحرير البلاد العربية من السيطرة العثمانية وبناء الدولة العربية الواحدة المكونة من الشام والعراق ومعظم أجزاء الجزيرة العربية وكان هذا الهدف يراود كل أحرار العرب ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، حيث كان هناك تعاون على عدة محاور بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا المحور الأول هو أحرار العرب والشريف حسين وهناك اتفاقيات ووعود والمحور الثاني كان بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا والحركة الصهيونية بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكان هناك محور ثالث بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا وعبد العزيز بن سعود بهدف إقامة دولة سعودية في نجد و الإحساء ومع الظروف المستجدة جرى ضم الحجاز إلى هذه الدولة وشكلت مع مناطق أخرى المملكة العربية السعودية ، وكان أن جرى تقسيم بلاد الشام والعراق حسب اتفاقية سايكس بيكو وكان الهدف خلق دويلات عربية ضعيفة محيطة بالوطن القومي اليهودي وكان أن ظهرت لبنان دولة ، وسوريا دولة وشرق الأردن دوله وفتحت الأبواب لهجرة اليهود إلى فلسطين مع أن العرب الفلسطينيين كانوا يقطنون فلسطين وجرى ما جرى بعد حروب 36 ، 48 ، 56 ، 67 ، وغيرها بين الدول العربية المحيطة بإسرائيل وهي دول ضعيفة وفي حركة النهوض من السبات الطويل في ظل الحكم العثماني وظهر نتيجة ذلك موضوع احتلال فلسطين وتهجير ما يزيد على أربع ملايين فلسطيني نزحوا إلى الأردن ، وسوريا ، ولبنان ومناطق أخرى عربية وعالمية .
نعود إلى بلاد الشام بحدودها الطبيعية من الشمال جبال طوروس التي تفصلها عن تركيا ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشرق العراق والسعودية ومن الجنوب السعودية وسيناء ومصر وتبلغ هذه المساحة 300 ألف كم2 وسكانها اليوم يتجاوزون الأربعين مليون نسمة وهذه البلاد منذ آلاف السنين وهي دولة واحدة غنية بأنهارها وجبالها وسهولها وحبوبها وخضرواتها ثم الفواكه والقطن والفوسفات والاسمنت و البوتاس والبترول والقمح والشواطئ الغربية التي تنفتح على العالم وعبر سوريا سارت وانتشرت الديانات الأرضية أولا في الشرق القديم ثم الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية ودرج في بلاد الشام 25 نبي وردت أسماؤهم في القران الكريم
ومن بلاد الشام انتشرت الديانات الثلاث إلى معظم شعوب وأمم العالم ، مع العلم أن التسامح الديني والتعايش الهادئ يسود أتباع الديانات السماوية الثلاث خاصة إذا بقيت الأمور بحدود الدين لله والوطن للجميع ، وقبل أن يزج الدين بالسياسة لأنة بالدين، أي دين تطمئن القلوب ، ولكن بالسياسة التي يزج الدين بها تكثر الانقسامات والحروب0
وكما هو معروف ظهرت الحركات الإسلامية التي تدعوا إلى إقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله وكما هو معروف بان المسلمين موجودين في أكثر من أربعين بلد في العالم وهناك لغات كثيرة مختلفة وهناك قوميات كثيرة ومناطق متباعدة وبهذا يكون إقامة الدولة الإسلامية المنشودة صعب المنال وقد اثبت الواقع ذلك .
ثم ظهرت الحركة القومية التي كان يقودها جمال عبد الناصر وتدعوا إلى قيام الدولة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج ومن الصومال حتى شمال العراق والمغرب العربي وكما ومعروف لم يتحقق ذلك لصعوبته وهناك خصوصيات وأقطار ولغات ومصالح وثقافات وارتباطات مع الدول المجاورة بالإضافة إلى عنصر الزعامة والقيادة وعلية فقد أصبح هذا الهدف صعب المنال .
ثم هناك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ظهر في سوريا وامتد بتنظيماته إلى الأردن ، لبنان ، العراق ، اليمن ، البحرين وتونس وموريتانيا وكان الهدف هو جمع العرب وبلدانهم في دولة واحدة وقيادة واحدة ليعيد أمجاد العرب أيام الأمويين بالإضافة إلى طرح مبدأ الاشتراكية التي تهدف إلى توزيع الثروة وتحقيق العدالة وبناء الدولة القوية التي تدافع عن المصالح العربية وتتعاون مع دول العالم في بناء الحضارة والتقدم ، وكما هو معروف لم يتحقق شيء من ذلك وتراجعت هذه الفكرة على ارض الواقع وبقيت القطرية تفرض نفسها حتى في إطار حكم الحزب الواحد في بلدين متجاورين قوميين وكل أسباب الوحدة كانت متوفرة ولكن الخلافات بين القادة وفرض القطرية نفسها جعلت من أهداف حزب البعث الاشتراكي صعبة التحقيق .
على ضوء ما تقدم ومن دراسة ظروف بلاد الشام و(سوريا الكبرى) ، بان أسباب الوحدة بين أقطار الشام الأربعة متوفرة تاريخيا ، ثقافيا ، جغرافيا ، حضاريا ، سكانيا ، ولغويا والتسامح الديني والموقع الجيد وقوة الدولة وكثرة خيراتها وتنوع مصادر القوة وتوسطها بين القارات الثلاث واتصالها مع أوروبا وأهميتها السياحية وكثرة الآثار السياحية والدينية ، كل ذلك وغيره يجعل من دولة الشام دولة قوية قادرة على البقاء وإسعاد سكانها والتعاون مع الدول العربية الأخرى ومع دول العالم كافة إذا اختطت سياسة الحياد الايجابي وعدم الدخول في منازعات وتحالفات ليست في صالح هذه الدول0
من هذا الباب يأتي السؤال لماذا لم ينشا حزب البعث الشامي من أصحاب الفكر و الرأي والاقتصاد والقانون في الأقطار الأربعة التي تشكل بلاد الشام ويكون هذا الحزب حزبا علنيا يدعوا للوحدة بالطرق السليمة والديمقراطية ولا مانع من أن ينظم له أصحاب الفكر و الرأي والنقابات المهنية في الأقطار الأربعة والنواب والوزراء والاقتصاديون ويكون لهم مؤتمر شامل شعوب علني ويسير بهدوء وروية ومع الزمن ولأنة واضح ويمتد للأقطار الأربعة بشكل علني وسلمي وديمقراطي فأنة سوف يسير في طريق النجاح وهذا ممكن في ظل الظروف المتاحة ، ودعوة للمهتمين في أن يبادروا إلى مناقشة هذه الفكرة وتبينها وسيثبت الزمن صحة هذه الفكرة وإمكانية نجاحها .