لا يستقيم الحكم دون تنظيم حزبي قوي و أمين
جريدة العرب اليوم – الاثنين - 23/8/1999
ورد في محكم آيات القرآن الكريم ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) وقد قرأنا في المدارس و كتب التاريخ أن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب و قبله الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنهما كانا يخرجان في الليل متخفيان للتعرف على أحوال العائلات المحتاجه و الأشخاص المعوزين و كانا يحملان بنفسيهما الغذاء و المواد إلى هذه العائلات المهم في هذا الموضوع المبدأ و هو تجاوز الحاكم للبطانة التي تحيط به و تقدم له المعلومات كما تشاء و بما يتلاءم مع مصلحتها التي تسعى لتثبيتها مستغلة ثقة الحاكم بها و لان هذه البطانة تفضل مصلحتها و مصلحة أنصارها و ذويها فإنها تكيف المعلومات و تغلبها كما يحلو لها و من ثم توصلها بطريقة ذكية بحث يصدقها الحاكم .
و كما قرأنا في التاريخ فانه في كثير من الحالات كانت البطانة تعيث فسادا في الأرض بطريقة ذكية و هادئة و توصل للحاكم معلومات تخدم أهدافها و مع الزمن يسيل السيل من تحت الحاكم و تنفجر الأمور من حيث لا يدري و تظهر المفاجآت و من ثم الاحتجاجات و من ثم التمرد و من ثم الثورة و من ثم الانقلاب و في حال تنظيم هذه الأمور يتغير الحكم بطاقم جديد يجيء رافعا شعارات إزالة الظلمة عن الناس و تحقيق العدالة و العودة إلى الحكم بموجب القيم العليا و مبادئ الأخلاق .
و كل شعب لديه ما يرفد شعاراته من تعاليم الفلاسفة و المصلحين و الرسل و الأنبياء و الكتب السماوية و يصدق الناس ما يسمعون و لا يمضي وقت حتى تعود الكرة مره ثانية و تعود البطانة الجديدة حول الحاكم الجديد و تتسع و يكثر المتعاونون معها و يكثر المنافقون و هكذا دواليك .
و إذا نظرنا إلى حالة تفقد الحاكم لبعض النواحي بنفسه و الاطلاع على ما يجري فيها سواء قديما أو حديثا فان هذا الأمر الفردي لا يحل المشكلة خاصة و أن المؤسسات و الشركات و الدوائر و الإدارات و الفعاليات و المصالح كثيرة و كثيرة جدا تعد بالآلاف و عشرات الآلاف بل ومئات الآلاف .
فهل يستطيع الحاكم أن يطلع بنفسه و بذاته على كل مكان و حي و قرية و موقع و فعالية ، اعتقد أن هذا من المستحيلات و كما يقول المثل الشعبي ( إن يدا واحدة لا تصفق ) ، و كما ورد في القرآن الكريم ﴿ و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ﴾ .
ما أود الوصول إليه هو أن أي حكم في أي بلد لا يستقيم بشكل صحيح و عادل ( بقدر المستطاع ) دون وجود تنظيم حزبي قوي و أمين يتغلغل في كل المناطق و المدن و القرى و الأحياء كما هو معروف بالتسلسل الحزبي من الخلية إلى الفرقة إلى الشعبة إلى الفرع إلى القيادة القطرية من خلال اجتماع الفرقة و مؤتمر الشعبة و مؤتمر الفرع و القيادة القطرية و هذه جميعها تتفرع في الشعب و في كافة مواقعه كما تتفرع الشرايين و الأوردة في جسم الإنسان .
فالأوردة كما هو معروف تصب الدم في القلب و الشرايين توزع الدم بعد تنقيته في القلب مرفقا بالغذاء على كل أنحاء الجسم بانتظام وسهولة و يسر و لا يحرم أي جزء من أجزاء الجسم من حقه من الدم و الغذاء و كما هي مهمة الأوردة و الشرايين في الجسم تكون مهمة أعضاء الحزب و القيادة و من ثم الحكومة التي تنبثق غالبا من الحزب سواء كانت الحكومة مشكلة من حزب واحد أو من أكثر من حزب بحيث يكون هناك انسجام و تناغم في الأداء دون أن يكون هناك طغيان و تقدم الخدمات حسب الأولويات التي تعرفها القيادة من المقترحات و الطلبات التي ترفع لقيادة الحزب و الحكومة .
و أرجوا أن أعيد التأكيد على انه يجب أن يكون الحزب قويا و أمينا هدفه خدمة الشعب و قد ورد في القرآن الكريم ( أن خير من استأجرت القوي الأمين ) ، و إذا كان هذا المنهج سائدا في الدولة فسوف يتحقق العدل و التمنية و تحسن اقتصادها و يرتفع شأنها بين الأمم وينقطع فيها دابر الفساد و النفاق و هما أهم أمراض العصر و فساد الحكم و في حال سير الأمور بشكلها الصحيح سوف تتحقق سعادة الناس و قد ورد في القرآن الكريم ﴿ أن من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ﴾ .
وقد يسأل سائل إن هو هذا الحزب الذي أتحدث عنه و الجواب هو بالنسبة للأردن فكلنا يعرف انه جزء من بلاد الشام التي تتكون من أقطار ( سوريا و لبنان و الأردن و فلسطين ) و على مر العصور كانت بلاد الشام دولة واحدة حيث تتوفر فيها كل مقومات الدولة و هذه حقيقة وعليه فان الأردن الآن دولة و هذا واقع و إمكانيات الأردن محدودة و المطلوب من أي حكم أو حزب أن يكون له أهداف واضحة جدا و صريحة من خلال أن الأردن جزء من بلاد الشام و الأردن جزء من الأمة العربية و الأردن قطر أو دولة من الدول العربية و إمكانياته محدودة و يعتمد في وضعه الاقتصادي على المساعدات الخارجية إلى حد كبير .
و عليه فالمطلوب منه أن لا يخرج عن إطار محيطة العربي و أن يحسن استعمال الاقتصاد الأردني سواء الداخلي أو المساعدات بما يتفق مع العدالة ثم يسعى و يطالب كما غيره لتحقيق وحدة بلاد الشام مع العراق و من ثم وحدة الهلال الخصيب مع الجزيرة العربية .
هذا هدف مستقبلي و رغم انه صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية و لكن أن عاجلا أم آجلا فهذا هو الحل السليم لمشاكل الأردن والوحدة لا يحققها الأردن بمفرده إذ لابد من تعاون الأردن و سوريا و لبنان و فلسطين و العراق و السعودية و الخليج و اليمن ، إذن فالهدف مؤجل و المطلوب الآن حكم قوي يشرف على توزيع العدل و الثورة و الحرية على الناس بشكل عادل و الثاني هو المطالبة بالوحدة مع بلاد الشام و العراق و الجزيرة العربية في المستقبل لان هذا الهدف هو الحل الموضوعي لمشاكل الأردن في الألف الثالث الميلادي و إذا كان الهدف الثاني صعب التحقيق فان الهدف الأول ممكن التحقيق إذا وجد حكم قوي و أمين و لديه إرادة تحقيق الهدف و يتم ذلك عن طريق انتخابات نيابية نزيهة و حكومة قوية أمينة و إرادة سياسية في تحقيق العدالة و توزيع الثروة و الحرية و التعاون العربي .
و عودة إلى موضوع التنظيم الحزبي القوي الأمين و على ضوء ظروف الأردن الاقتصادية و السكانية و السياسية و ما دام أن موضوع البحث هو ( لا يستقيم الحكم في أي دولة بدون تنظيم حزبي قوي و أمين ) فيجب الحديث عن الأحزاب في الأردن فان كل ما أورده هو رأي خاص و لا أدعي انه أصلح الآراء و لكن باعتقادي يجب أن لا يكون في الأردن إلا الأحزاب التالية فقط :
1- حزب العمل الإسلامي : يمثل التوجه الإسلامي في الحكم و لديه منهاج حزبي واضح و مطبوع في كتاب مطروح للتداول بين الناس .
2- حزب البعث العربي : يمثل التوجه نحو الوحدة العربية - و لديه منهاج حزبي واضح مطبوع في كتاب مطروح للتداول بين الناس .
3- حزب الشعب الأردني : يمثل القطرية الأردنية حقيقة واقعة - و لديه منهاج حزبي واضح و مطبوع في كتاب مطروح للتداول بين الناس .
4- الحزب الوطني الأردني : يمثل القطرية الأردنية في الإطار العربي - و لديه منهاج حزبي واضح و مطبوع في كتاب مطروح للتداول بين الناس .
5- و هناك المستقلون الصادقون المؤمنون بالحق و العدالة و النظرة بموضوعية و حيادية لكل ماهو داخل الوطن دون تمييز و احترام الدستور و تفعيل القضاء و ترسم خطي القيم العربية العليا و مبادئ الإسلام الحنيف .
وأعتقد أن كل من يرغب بالعمل السياسي المفيد للوطن و الشعب و لديه طموح في خدمة وطنه و شعبه سيجد ضمن هذه الأحزاب مجالا للعمل السياسي المنظم و إذا كان لا يرغب بالانضمام للتنظيمات الحزبية المذكورة فبإمكانه أن يبقى مع المستقلين الذين يعرف عنهم الصدق و الإخلاص و الحياد و هم موضع احترام كل التنظيمات الحزبية المذكورة و الحكومة .
أما ما نراه من كثرة الأحزاب في الأردن فإنها خارج إطار الأحزاب التي ذكرت تفرق الجهد و تكثر الخلافات و الزعامات و ليس لها برامج لحل مشاكل الأردن و بالتالي أين هي القواعد التي تمد هذه الأحزاب لأن الحزب يجب أن يكون له فكر نابع من واقع الشعب و له برامج و له أهداف و له أعضاء و أنصار و مؤيدون يعبرون عن واقع شعبهم و قضاياه و لديهم القدرة على وضع الحلول و التعاون مع الآخرين في إطار برامج واضحة مدعومة بقواعد حزبية مؤمنة إيمانا نابعا من الشعور بهموم الشعب ، و لديه تصور لحل هذه الهموم و المشاكل ، و إذا لم يكن الحزب في هذا الإطار فانه لن ينمو و لن يكبر و الذي لا ينمو يموت .
إن ما ورد من أفكار قابل للنقاش و التعديل .