أشكال الحكم عند العرب و الحل المستقبلي
جريدة المجد – 17/7/
في هذا المقال استعرض للقراء الكرام أشكال الحكم عند العرب منذ ظهور الإسلام حتى وقتنا الحاضر ، و في نهاية المقال أورد اقتراحا من مواطن عادي عسى أن يوفر العدالة و الاستقرار و حري به أن يجرب فإذا نجح فسوف يحل أزمة مشكلة مزمنة عند العرب ، و إذا لم ينجح فقد سبقته أشكال كثيرة من الحكم و لم تنجح و لم توفر العدالة و الاستقرار ، و قيل أن من اجتهد و أصاب فله أجران ، و من اجتهد فاخطأ فله اجر واحد ، و الموضوع خاضع للنقاش و الحوار و التعديل و الإضافة فهذا الموضوع يشغل بال كثير من الشعوب و الأمم كما يشير التاريخ العالمي منذ ظهور ادم على وجه الأرض ، حتى اليوم فالتاريخ يكون تاريخ أشخاص و أهوائهم و رغباتهم ، و المطلوب إيجاد نظام يخفف من وطأة مزاج الشخص الذي يحوز كل الصلاحيات دون منازع لان غالبية من حوله في كل زمان و مكان هم أعوان و مساعدون و منافقون ويفضلون مصالحهم و مراكزهم على مصالح الأمة و تحقيق العدل بين الناس :
1- بداية جاء الرسول الكريم بدعوة الإسلام وكانت دعوة فكرية عقائدية تعتمد ترك عبادة الأصنام و الإيمان بان اله واحد خلق الكون هو الحري بالعبادة و دعا إلى حسن الخلق و عبادة الله و انتشرت الدعوة بداية و هي تعتمد الإيمان بالله و الأخلاق الحميدة ، و بعد نجاح الرسول و كثرة أعوانه و مساعديه تكونت الدولة الإسلامية و كان الرسول الكريم يرأسها ، و اعترافا بفضله و قيادته لم يسبق أن عارضه احد ممن حوله و كان رأيه هو النافذ و هو المطاع ، و هو القائد و المرشد و الموجه و القاضي و الإداري يساعده عدد من أعوانه ، ولم يعين في حياته خليفة له و عندما توفي ظهرت الخلافات على القيادات السياسية ولم يكن الخلاف حول الدين الذي اعتنقه المسلمون بل حول الدولة.
2- اختلف المهاجرون و الأنصار و بعد أن آلت الأمور بحركة ذكية للمهاجرين انتخب فقط عمر بن الخطاب و أبو عبيدة عامر بن الجراح ، أبا بكر ، و لم يشاركهما احد من المسلمين في الاختيار ثم ظهر الخلاف بين أبي بكر و علي و انحاز عمر إلى أبي بكر و هدد علي إذا لم يبايع أبا بكر ، و من هنا ظهر رأي الشيعة بان عليا أحق بالخلافة من أبي بكر و امتد الخلاف لأسباب لاحقة مدة 1400 سنة و لا يزال . المهم أن هذه كانت إحدى طرق الحكم و انتقال الحكم بقرار عدد من الأفراد و انتهى إلا مر و لا رأي للأمة و لا رأي للآخرين ، و كان أبو بكر يحكم بمعونة عمر بن الخطاب على الأغلب و آخرين .
3- عندما شارف أبو بكر على الوفاة لم يستدع الشعب و لا الأمة و لا العلماء و لا الفقهاء ، بل بناء على رغبته و قناعته و صلاحياته قال عمر خليفة من بعدي و انتهى الأمر و هذه إحدى طرق الحكم و انتقال الحكم.
4- عندما شارف عمر بن الخطاب على الموت استدعى الصحابة الستة المعروفين و هم عثمان و علي و سعد و عبد الرحمن و طلحة و الزبير ، و قال لهم : بعد موتي تجتمعون انتم الستة و تنتخبون من بينكم خليفة ، فحصل ذلك فبعد موت عمر اجتمع الستة و أيدت الأغلبية منهم اختيار عثمان خليفة و مارس الحكم بطريقته الخاصة و استعان بمن يثق به و أصاب و اخطأ و لا يمكن أن يكون الحكم بدون أخطاء ، و هذه طريقة أخرى من طرق انتقال الحكم .
5- ثار المسلمون في البصرة و الكوفة و مصر و في أماكن أخرى على تصرفات عثمان للأسباب التي أوردوها و كان أن هاجموا الخليفة عثمان في بيته و قتلوه و بعد أن قتلوه بتأييد من بعض سكان المدينة بدئوا يبحثون عن خليفة للمسلمين .
6- و لم يكن أمامهم من الرعيل الأول سوى علي و جاءوا له و اختاروه ليكون خليفة و الاختيار تم من قبل المهاجمين لعثمان و لم تستشر الأمة و لا الأمصار ، و وافق علي و أصبح خليفة و بدئوا في ممارسة صلاحياته و اصطدمت قراراته بالأمويين عامة و معاوية الذي كان يحكم الشام خاصة و كانت النتيجة صراعا طويلا .
7- و قتل علي و انتخب أنصاره ابنه الحسن لمواجهة معاوية و لكن معاوية استرضى الحسن و حصل على البيعة بالقوة و أصبح خليفة و صار يحكم حسب قناعته و اجتهاده و استطاع بسياسته أن يحفظ الاستقرار و يهدئ النفوس و هذا أسلوب من الأساليب الحكم .
8- و لأنه أراد حفظ الملك في ابنه يزيد ، حصل على البيعة له من معظم الولاة أثناء حياته أي بمعنى انه فرض ابنه على الأمة و لا رأي و لا مشورة و لا انتخاب و لا ما يحزنون ، و هذا شكل من أشكال الحكم العربي .
9- جاء يزيد بعد معاوية و حكم بقناعته و اجتهاده و في نهاية حكمه دبت الفوضى و التمرد و كادت الأمور تفلت لولا ظهور عبد الملك ابن مروان و ذويه و استطاع بسياسته أن ينهي تمرد عبد الله بن الزبير و يعيد الاستقرار و أصبح الخليفة أي انه كافح و حصل على الحكم ، و هذه طريقة و شكل من أشكال الحكم العربي .
10- ورث عبد الملك الحكم لأولاده ، احدهم بعد الآخر عن طريق الإرث كما هو معروف ، و هذه طريقه و شكل من أشكال الحكم ظل ساري المفعول إلى يومنا هذا ، حيث يمارس رئيس الدولة جميع الصلاحيات و أن كان هناك ديكورات مثل الوزارة و النواب و الأعيان ، إلا أن الأمر النافذ هو لشخص الحاكم الذي يقرب من يريد و يبعد من يريد و يعمل ما يريد حسب قناعاته و تخوفاته و ظروف الحفاظ على العائلة و الحكم بحيث يبقى هو القائد مهما كانت الظروف المحلية أو الدولية.
و أخيرا و من خلال دراسة هذه الأنماط و الأشكال من الحكم عند العرب يتضح أنها دول حكام و أشخاص و أن الشعوب مهمشة و لا أهمية لها و بالتالي لم يتحقق الاستقرار و كثرت الفتن و الثورات و غير ذلك من تدخلات أجنبية تبحث عن مصالحها في المنطقة ، عن طريق الحكام الذين يتعاونون معها فإذا لم يتعاون الحكام مع الأجنبي سيجد ما يعتمد عليه و تكون النتيجة تغيير الحكم و من ثم تدب الفوضى و تزيد القلاقل و هكذا ، علما بأنه على مدى التاريخ العربي لم يكن هناك دولة بالمعنى الصحيح و إنما كان هناك سلطة و الشغب مغيب .
ما أود الوصول إليه أن على كل دولة ترغب في توفير العدل و الاستقرار أن تقوم بما يلي :
1- مؤتمر وطني نظيف شامل يجمع كل أصحاب الرأي الشرفاء و كل الأطياف و التيارات لمدة أسبوع يضع دستورا للبلاد باتفاق الجميع كما يضع قانوني الانتخاب و الأحزاب بشكل عادي و حضاري و نزيه و ممثل لكل الناس تقريبا.
2- انتخاب لجان نزيهة مزودة بصلاحيات جيدة لإجراء عملية الانتخاب في البلاد على ضوء القانون الموضوع بحيث يبرز برلمان نزيه ممثل للناس .
3- البرلمان يجتمع لانتخاب ثلاثة أعضاء من أعضائه لرئاسة البلاد لمدة أربع سنوات فقط ، و يحل محل الثلاثة المنتخبين من حصل على أعلى الأصوات بعدهم في مناطقهم ، و بعد انتهاء مهمة أعضاء مجلس الرئاسة يختارون حياتهم الخاصة كيفما يشاءون .
4- مجلس الرئاسة يختار رئيسا للحكومة و يشكل وزارته من خارج مجلس النواب حسب الكفاءة بعيدا عن موضوع المناطق و العشائرية لخدمة البلاد بإخلاص .
5- يعمل مجلس الرئاسة و الوزارة و مجلس النواب على اختيار جهاز قضائي كفء و نزيه و لا سلطان لأحد عليه إلا لضميره و يفصل في كل خلاف ينشأ بين أية أطراف في الدولة ، و قد قال المفكر جورج حداد : ( من اسطع مظاهر هيبة الحكم أن يظل القضاة مترفعين عن صغائر السياسة ) .