تعاون أهل الرأي في الحكم و صيغة لقانون الانتخاب
العرب اليوم - الأربعاء – 27/6/ 2001
لو رجعنا إلى كتب التاريخ التي أوردت لنا تطور المجتمعات البدائية ضمن مراحل كثيرة و تطور أساليب الحياة و طريقة إدارة شؤون الناس لحياتهم و اختيارهم لأشخاص يتولون إدارة شؤونهم ضمن مواصفات تتفق و ظروف المحيط المعايش و كان يتطور و يتطور و ببساطة فإننا نجد مع اختلاف الظروف و الأساليب و المجتمعات أن يظهر في مجتمع الناس شخص يبدو عليه منذ صغره بوادر الذكاء و الهدوء و الصبر و معرفة أحوال و ظروف من خلال العيش في هذا المجتمع و مراقبة ما يجري حوله و اطلاعه على معالجة المشاكل التي تنجم بواسطة كبار السن و ذوي التجربة فان هذا الشخص يكبر و تكبر معه تجاربه و ملاحظاته و هدوؤه و تظهر عليه بوادر الذكاء و القول الصائب و الصمت أحيانا و دقة الملاحظة و معرفة نفسية الناس و ظروفهم و مع كبره و الميزات التي ذكرت و ابتعاده عن الأنانية و التعصب و تضحيته أحيانا في بعض مصالحه الخاصة و تسامحه حال التطاول عليه كل هذه الصفات تجعل الناس حوله يحترمونه و يرجعون إليه في حل القضايا التي تتفاعل على اعتبار انه يعالج الأمور بنزاهة و حيادية بأسلوب رصين و مع الزمن فان علامات الزعامة و القيادة تبدو عليه مع ملاحظة أن وضعه المادي ميسور و لا يشترط أن يكون غنيا فانه مع الزمن يكون موضع احترام الناس و نجدهم يرجعون إليه لحل المشاكل و التي يحسن حلها و معالجتها و مع الزمن يصبح شيخا أو زعيما أو قائدا في مجتمعه و يعزز مركزه من خلال ذكائه بأعوان جيدين له من محيطه يختارهم بحيث تكون صفاتهم قريبة من صفاته و يكونون أعوانا له في الرأي و المشورة و يتعاونون على إدارة شؤون مجتمعهم و مع الزمن يكون لهذا القائد ابن جيد تتوفر فيه صفات والده و ينهل من تجاربه فترى هذا المجتمع يختار هذا الابن زعيما لهم بعد وفاة والده ما دامت صفات والده موجودة فيه أما إذا لم تكن صفات الولد مثل صفات والده فان الناس يختارون شخصا آخر من معاوني والده و يكون ذا تجربه غنية و يستحق أن يقوم مقام سلفه و هكذا نلاحظ أن أمثال هؤلاء الناس الجيدين هم قلة في مجتمعاتهم أما بقية الناس فأنهم يسيرون في سبيل عيشهم و وعيهم درجات و يبقى الصراع بينهم و كل إنسان مسير لما خلق له يعني أن الغالبية العظمى ليست مؤهلة لاختيار القيادة لأنها غير واعية و أن القيادة الجيدة يفرزها أهل الرأي في المجتمع و عليه و في كل ما ورد و هذه حقيقة سارت عليها الشعوب و المجتمعات منذ آلاف السنين مع بعض الاختلافات حسب الموقع و الناس و درجة التطور الموجودة و الديانات .
و عودة إلى تاريخنا الإسلامي فإننا نجد الرسول العربي محمد عليه السلام لم يعين خليفة له كما نعلم و إذا كان قد عين واو وصى فلم يصل لعلمنا ذلك و مع ذلك و عند الوفاة ظهر الخلاف على الخلافة ما بين الأوس و الخزرج و ما بين المهاجرين و الأنصار و ما بين أبو بكر و علي و كان أن حسم عمر بن الخطاب الأمر بما له من قوة شخصية و منطق و أنقذ الموقف و بايع أبا بكر و بايعه الآخرون " و هذه طريقة " و لم تجر انتخابات و لم تساهم الغالبية المسلمة في الاختيار و في تاريخ الإسلام لم يحصل أن ساهم الشعب في اختيار الحاكم .
و عندما أدرك الخليفة أبو بكر الموت لم يستشر أحدا و لم يجر انتخابات و لم يشاور المسلمين و لا الصحابة على حد علمنا من دراسة التاريخ حسب علمه و معرفته بالأمور قال " من بعدي عمر بن الخطاب " و انتهى الأمر هكذا ، و هكذا كان " و هذه طريقة " أخرى .
و نلاحظ أن عمر بن الخطاب بعد طعنه في المسجد و دنو اجله اختار هو بناء على معرفته الشخصية أشخاصا فيجتمعون و يختارون من بينهم خليفة و هكذا كان " و هذه طريقة " و لم يستشر احد و لم يجر انتخابات و لم يأخذ رأي الخاصة و لا العامة و هذه طريقة أخرى .
و باقي إحداث الدولة الإسلامية فيما بعد من الأمويين و العباسيين و الفاطميين و الأيوبين و المماليك و العثمانيين و غيرهم معروفة و لم نسمع أن هناك قيادة جاءت نتيجة الانتخابات على الإطلاق .
و السؤال هو : هل تجربة عشرات الآلاف من السنين هذه خطأ ؟ هل التجربة التي ظهرت منذ مائتي سنة تقريبا و ما تسمى بالديمقراطية صحيحة .
هذا الأمر بحاجة إلى دراسة و من خلال هذه الدراسة فاني أورد بعض الآيات القرآنية حول الموضوع و القرآن الكريم هو كلام الله ورد على لسان الرسول العربي محمد عليه السلام فإننا إذا كنا نؤمن به فيجب الرجوع إليه و الأخذ بما جاء فيه أما إذا كنا لا نؤمن و هناك من لا يؤمن فيجب البحث عن أسلوب في إدارة الحكم يصلح كما يعتقد هؤلاء ، لأن الديمقراطية إدارة الحكم و هي الأغلبية و يصبح من حق اختيار القيادة من لأي عرف شيئا عن القيادة و تأتي القيادة عاجزة لأنها على الغالب إفراز الدهماء آيات من القرآن الكريم ، و تشير إلى أهل الرأي و ليس الأغلبية ، أي في اتجاه معارض للديمقراطية .
1- ﴿ أم تحسب أكثرهم يسمعون أو يعقلون أم هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾ الفرقان44 .
2- ﴿ نرفع درجات من نشاء و فوق كل ذي علم عليم ﴾ يوسف 76 .
3- ﴿ و هو الذي جعلكم خلائف الأرض و رفع بعضكم فوق بعض درجات لينبئوكم في ما آتاكم﴾ الأنعام 165 .
4- ﴿ قل هل يستوي الأعمى و البصير أم هل تستوي الظلمات و النور ﴾ الرعد16
5- ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون أمنا يتذكر أولو الألباب ﴾ الزمر 9 .
6- ﴿ يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولو الألباب ﴾ البقرة 49 .
7- ﴿ و إن تطع أكثر من الأرض يضلوك عن سبيل الله أن يتبعون إلا الظن و أن هم الا يخرصون ﴾ الأنعام .
8- ﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات و الله بما تعملون خبير﴾ المجادلة 11 .
9- ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ﴾ الزخرف 32 .
10- ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ الحجرات 13 ، و اتقاكم تعني الإيمان بالله و الصدق و الأمانة و العدل و حسن السلوك و هذه جميعها الصفات الأصلية لأهل الرأي .
11- ﴿ فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم و قل آمنت بما انزل الله من كتاب و أمرت لأعدل بينكم الله ربنا و ربكم ﴾ الشورى 15 .
12- ﴿ و كذلك أنزلناه حكما عربيا و لئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي و لا واق ﴾ الرعد 37 .
و هناك كثير من الآيات الكريمة الأخرى حول هذا الموضوع وقد يقول قائل اليوم و قد كثر الناس و كثرت المدارس و الجامعات فأين هم أهل الرأي الذين يمكن معرفتهم للتعاون معهم في إدارة حكم البلاد و من خلال اطلاعي و معرفتي البسيطة فاني أقول أن معرفة ذلك تتم عن طريق الصيغة التالية لقانون الانتخاب :
• حق الانتخاب فقط لكل من يحمل شهادة الدراسة الثانوية العامة .
• حق الترشيح فقط لكل من حصل على شهادة جامعية معترف بها و مضى على تخرجه عشر سنوات دراسية عن منطقته من خمسين صفحة تعبر عن رؤيته في خدمة الشعب و الوطن .
• لا يحق أن ينجح في مجلس النواب أن يترشح مرة ثانية .
• لا يجوز للنائب أن يشغل وزارة خلال فترة نيابته .
• على كل نائب أن يسكن منطقته الانتخابية و له مكتب دراسة و متابعة لشؤون منطقته .
• لا يجوز أن يتقاضى النائب أو مجلس النواب أي رواتب من الحكومة و إنما يكون للمجلس و النواب موازنة ثابتة مستقلة و لا يجوز تقديم هبات أو ميزات من الحكومة للنواب على الإطلاق .
• البدو جزء من الشعب الأردني و لا يجوز تخصيص مقاعد خاصة لهم مع ضرورة الحفاظ على الكوتا القومية و الدينية و النسائية .
• يجب أن يكون عمر المرشح لمجلس النواب 40 سنة و ما فوق و لا يجوز لمن تجاوز السبعين أن يرشح نفسه .
• كل شخص ناخب يصوت في مكان إقامته و لا يجوز الانتقال لمكان آخر و الموظف ينتخب في مكان وظيفته .
• يكون للناخب حق انتخاب نصف عدد النواب المخصص لمنطقته يعني إذا كان مخصصا لمنطقته 6 نواب فانه يختار ثلاثة فقط أما إذا كان العدد فريبا أي 7 مثلا فله الحق باختيار 4 .
• يجب تخصيص مقاعد للنساء "كوتا نسائية " بنسبة معينة من المناطق التي فيها أكثر من خمسة مقاعد .
• تتولى الحكومة الدعاية للمرشحين بواسطة وسائل الإعلام و بيان أسمائهم و مؤهلاتهم و مساهماتهم في العمل العام .
• لا يجوز صرف أي مبلغ من المرشحين أو غيرهم بقصد حصد الأصوات و بالإشراف الحازم من الحكومة و تحت طائلة المسؤولية القانونية مثل الحرمان من الترشيح أو أبطال النجاح و على المرشحين أن يعتمدوا المحاضرات و الندوات و اللقاءات فقط و على المنابر العامة كالنوادي و قاعات البلدية و مراكز المرشحين تحت إشراف الحكومة النزيهة .
و من مميزات صيغة هذا القانون ما يلي :
1- الحد من التأثير العشائري على انتخاب أهل الرأي .
2- منع التزوير بجميع أشكاله ، من خلال تثبيت صفة الناخب و المرشح و الأسلوب و سهولة الإجراء و العقوبة .
3- منع شراء الأصوات من الأنفس المريضة من قبل المرشحين .
4- حق الناخب بانتخاب نصف مقاعد منطقته يوفر إمكانية تشكيل أكثر من كتلة لئلا تسيطر كتلة واحدة على كل المقاعد بالإضافة إلى أن الناخب في هذه الحالة يتجاوز الصوت الأول " المحرج " و يختار من خلال بقية الأصوات ما يثق به ليصبح من أهل الرأي .
5- الحكومة تتعامل مع الجميع بالتساوي من حيث قيامها بالناحية الإعلامية الموضوعية من المرشحين عن طريق التعريف .
6- لا يصل لمركز أصحاب الرأي إلا المتعلمون المثقفون الواعون القادرون .
7- سن الأربعين هو سن نضوج التجربة و هي السن التي اختار الله فيها الرسول العربي لحمل رسالة الإسلام للناس .
8- من يشغل مركز النيابة أربع سنوات يكون قد أعطى ما عنده من جهد و رأي و عليه أن يفسح المجال لغيره للمشاركة و تقديم ما عنده .
9- على ضوء ما ورد في الآيات الكريمة الواردة فان المتعلمين الواعين المثقفين هم الذي ينتخبون أهل الرأي الذين تقع عليهم مسؤولية إدارة شؤون الحكم و البلاد و الواعي لا ينتخب إلا الواعي .
و أخيرا ما ورد هو وجهة نظر قابلة للنقاش و التعديل و من الممكن الأخذ بها أو بعضها على ضوء تطور مفهوم المشاركة في الحكم و التعاون بين أهل الرأي و محاولات وضع قانون انتخاب جديد كما هو مطروح و عندما يرتفع مستوى التعليم فان كل من يحصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة "التوجيهي" يكون له حق الانتخاب .