فكر الجغرافيا يلي أزمة المشرق
جريدة الوحدة – الاثنين – 30/10/2006
من دراسة التاريخ على مدى آلاف السنين يتبين أن الجغرافيا هي عامل أساسي في بناء الوحدة الاجتماعية ثم الاقتصادية ثم السياسية ، و فكر الجغرافيا أن جاز لنا طرح هذه التسمية أقدم من الفكر القطري و الفكري القومي و الفكر الديني و الفكر الإنساني و يعني فكر الجغرافيا أن مجموعة من الناس تتواجد في منطقة معينة قد تكون مساحتها صغيرة أو متوسطة أو كبيرة و يعيشون متجاورين في هذه المنطقة و يتعاونون و يتعايشون و مصالحهم ضمن إطار المنطقة المشتركة و هم قد يختلفون فيما بينهم بين حين و آخر و لكنهم بحكم الجيرة و المصلحة المشتركة يتصالحون و بغض النظر عن معتقداتهم و مذاهبهم و دياناتهم و طوائفهم و أنسابهم و ماضيهم و حاضرهم فهم يشعرون أن قدرهم أن يتعايشوا و يتعاونوا ، إذا أمعنا النظر في هذه الظاهرة على أي مستوى نجد أن أبناء كل منطقة يتعاونون بصدق و يشعرون أن انتماءهم لتلك المنطقة يحتم عليهم التعاون في مجالات الحياة المختلفة دون اعتبار لاختلاف الأصل و العشيرة و القومية و الدين و حتى اختلاف الأفكار و المبادئ فان وحدة الجغرافيا باقية مؤثرة و جامعة و لها الأولوية على كل ما سواها و هي حقيقة اجتماعية معروفة .
إن الذين يسكنون الشام و العراق و الجزيرة العربية في نظرة إلى حالهم اليوم و ما حل بهم و ما قد يحل بهم فان هذا الحال لا يرضي عاقلا واعيا ، لان حال العرب وصلت إلى درجة عالية من المهانة و الذل و يشعر بها القادة و الزعماء العرب كما يشعر بها المواطنون على السواء بل أن المواطن العربي أصبح يرثي لحال الزعماء العرب و ضعفهم ، و مع الاعتراف أن المواطن العبي المثقف الواعي يطمح لان يتقدم في المراكز المختلفة و منها المراكز العليا و هذا من سنة التطور و الطموح إلا أن هذه المواطن عندما يرى حال الزعماء العرب و ما هم عليه من ضعف و قلة حيلة . " العين بصيرة و اليد قصيرة " .
فان هذا المواطن الطموح يحبط و يضعف طموحه و لا يرغب و لا يطلب و لا يتمنى أن تصل به الأمور للوصول إلى مركز القيادة لان القيادة ضعيفة عاجزة عن رفع الضيم عن الشعب و بالتالي قد يصل الأمر إلى العزوف عن المركز العالي لأنه " لا يضر عدوا و لا ينفع صديقا ، و لا يحقق الأمل .
و نظرة إلى ما يجري في فلسطين من إذلال للشعب الفلسطيني و تقتيل و تدمير منذ عام 1936 حتى اليوم و لا حراك لدى العرب و كأن ما يجري في فلسطين يجري في كوكب آخر ، و كذلك نظرة إلى ما يجري في العراق حيث نرى أن أميركا جاءت من على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات تحمل عدتها و عتادها و أعلى ما وصل إليه العلم و التكنولوجيا و احدث الأسلحة الفتاكة لتغزو دولة عربية أرضها عريقة في التاريخ منذ آلاف السنين ، و هي أجمل منابع الحضارة العالمية ، و هي العراق ، لتقتل أبناءها و تدمر منشآتها و تعتقل زعماءها و قادتها ، و تسيطر على مقدراتها و خبراتها و تمارس في تعاملها مع الناس أقصى أنواع الذل و الإهانة و لا نرى تحركا أو حركة لا عربية و لا دولية و لا عالمية بل أن بعض العرب تآمروا على العراق و بعضهم سكتا و الآخرون حيارى لا يعرفون ماذا يفعلون بل هم ينتظرون المصير الذي لحق بالعراق لان الدور عليهم قادم .
ثم نرى دول الجزيرة العربية فهم أسوأ حالاً من فلسطين و العراق لان أمرهم أصبح ليس بيدهم و حركتهم مشلولة و خيراتهم مسلوبة و أرضهم محتلة و لا يعرفون شيئا عن مصيرهم و مستقبلهم و هم بشكل عام ينتظرون المجهول الذي يعرفونه لكن الغزاة رسموه و يعرفونه
و هم على كل حال أسوأ حالا مما يجري في فلسطين و العراق و إذا كان هناك فرق بين الفلسطينيين و العراقيين من جهة و عرب الجزيرة العربية من جهة أخرى فهو أن العراقيين و الفلسطينيين يقاومون الغزاة بالحديد و النار و مع تفاوت القوة إلا أن المقاومة في فلسطين و العراق تلحق بعض الأذى بالغزاة ، هذا الأذى سيؤدي مع الزمن إلى رحيل الغزاة مهما طال الزمن فلم يرد في التاريخ أن شعبا قاوم و قاتل الغزاة إلا و انتصر في النهاية ، و التاريخ يؤيد ذلك و بغير القتل و المقاومة لا تتحرر بلاد في حين أن عرب الجزيرة لا يقاومون و لا يقاتلون و إذا استمر هذا الحال السلبي فلن يفكر الغزاة بالرحيل و ستبقى خيرات الجزيرة العربية تحت تصرفهم إلى اجل غير مسمى بسبب حال الذهول التي تسود سكان الجزيرة العربية شعوبا و حكاما و قادة و علماء و فقهاء و عائلات .
هذه حال عرب آسيا و قد قي ل و كتب و عرف الكثير و هذا الحال معروف ، بقي السؤال الجدي الذي يوجه ، ما هو المخرج من هذا الحال ؟
و الجواب بداية هو : تجاوز موضوع الجمهورية ، و الملكية و الأمارة ، و الزعامة و العائلة ، و الحقوق المكتسبة ، و الأولوية و الدين ،و الشرع و العلمانية ، و الاشتراكية و الرأسمالية و الانتساب لعلية القوم ، و ولاية الفقهية و موقف الدين و من يرث الحكم و من لا يرث و المكتسبات و الديمقراطية أو الديكتاتورية و أصدقاء أميركا و خصوم أميركا و المتدينين و التقدميين و غير التقدميين و يغر ذلك ، يجب القفز عن كل ذلك إلى المصلحة العربية العليا في بناء الدولة القومية من جميع النواحي و التي تحقق العدالة بين أبناءها ضمن دساتير حديثة و قوانين عادلة في إطار الجغرافيا و هي العنصر الأساسي في بناء الدولة على الشكل التالي :
1- أن يجتمع الزعماء و القادة و البرلمانات و أهل الرأي في كل من سوريا و لبنان و الأردن و فلسطين ، ويوحدوا بلدانهم في دولة واحدة و إمكانيات واحدة و جيش واحد و عاصمة واحدة و هذه الدولة هي دولة الشام .
2- أن يجتمع الزعماء و القادة و البرلمانات و أهل الرأي في كل من السعودية و البحرين و قطر و الأمارات العربية المتحدة و عمان و اليمن و يوحدوا بلدانهم في دولة واحدة و قيادة واحدة و إمكانات واحدة و جيش واحد و عاصمة واحدة و هذه الدولة هي دولة الجزيرة العربية .
و بعد ظهور هذه الدول التي تعتمد دساتير عصرية و القانون العادل ، يجري العمل على قيام الاتحاد العربي في هذه الدول الثلاثة بحيث تتوحد في مجالات الدفاع و الاقتصاد و التعاون الدولي و يسود في هذه الدول العدل في إطار دساتير عصرية و قوانين عادلة مع ضرورة الإيمان بالله العظيم الذي خلق الكون و هو رب العالمين الذي وهب الإنسان العقل ليسترشد به في أموره الحياتية دون تفرقة بين الأديان و القوميات و الأعراق و العائلات بل أن المواطنة الصالحة هي الأساس المعتمد و يتم التعاون بين هذه الدول و كل دول العالم في مجالات العلم و الاقتصاد على أساس التعامل بالمثل و الاحترام المتبادل بعيدا عن المشاحنات و الحروب التي أصبحت حروبا مدمرة للبشر لا تبقي و لا تذر .
" فهل من قيادة تحمل هذا الفكر و تحقق الهدف المنشود "