جامعة المشرق العربي
معروف أن للجغرافيا تأثيرا كبيرا على قوة الدولة من جميع النواحي ، المساحة والجبال و الأنهار و السهول و البحار و السكان و المناخ و مصادر الإنتاج و غيرها ، وبشكل عام الدولة الواسعة المساحة الواقعة على شاطئ البحر ، و تجري فيها الأنهار وكميات المياه متوفرة لديها و فيها الجبال الهضاب و فيها السهول الواسعة الخصبة و فيها المدن و البوادي و الصحراء و عدد سكانها معقول بحيث لا يقل عن 20 مليونا وعاصمتها متوسطة و مواصلاتها جيدة و الطرق فيها ميسرة ، و شعبها لديه مستوى من التعليم و القيادة فيها على قدر من المسؤولية ، و تعرف موقع البلاد من العالم و ما هي بحاجة إليه و كيف تتعامل مع الدول المجاورة و مع العالم ، و لا يوجد فيها تفرقة من حيث القومية و الدين و الأعراق و المذاهب و المعتقدات ، بحيث تكون روح التعاون هي السائدة و حسن التعامل مع الآخر و التسامح ، و يسود في هذه الدولة الدستور الجيد المتفق عليه و تطبق فيها القوانين النافعة التي يسنها ممثلو الشعب و تطبق فيها الأنظمة التي تؤدي إلى حسن سير الحياة في البلادة حسب مقتضيات العصر الحديث ، و ما تكتمل به الدولة و هو وجود المعادن المختلفة في أراضيها و خاصة البترول و البوتاس و الاسمنت و الغاز و غير ذلك من متطلبات الحياة و حتى لو نقصت بعض المواد يمكن مبادلتها مع دول أخرى بما يزيد عن حاجة الدولة من مواد أخرى و يسود التعاون و الصداقة بين الدولة و جيرانها و تختفي لغة الأطماع و الحروب و حب السيطرة أو التوسع و تكثف كل دولة جهودها لرفع مستوى المعيشة في البلاد و التقدم العلمي في كافة المجالات و توفير فرص العمل لأبنائها جميعا ، و تزيد من إنتاجها المتوفر و تدرس فيها مناهج التربية الوطنية السليمة التي تهدف قبول الآخرين و التعاون معهم بالحوار و المؤتمرات و الدراسات و حوار الثقافات ، و إذا ما طبقنا هذا التوصيف على المشرق العربي فإننا نجد أن جميع صفات الدولة النموذجية ضمن الجغرافيا متوفرة في ثلاث دول في المشرق العربي :
1- دولة بلاد الشام بحدودها الطبيعية الجغرافية التي تحدها من الشمال تركيا و من الغرب البحر الأبيض المتوسط و من الجنوب الجزيرة العربية و مصر و من الشرق العراق ، و سكانها بمجموع من في هذه المساحة هم 40 مليون نسمة و مساحتها 300 ألف كم2 ، و تضم من القوميات و الأعراق و الديانات و المذاهب و المعتقدات الدينية و الدنيوية الكثيرة و كلهم يعيشون بحرية و تفاهم و تعاون في ظل الدستور المتفق عليه و القانون الذي يسنه ممثلو الشعب و يطبق على الجميع بالتساوي لا تفرق بين مواطن و آخر ، أو قومية أو دين أو معتقد أو مذهب ، بل يحتم على الجميع العمل و النظام و الهدوء و خدمة الدولة التي يحترمها الجميع .
كما أن التوصيف أيضاً ينطبق على العراق من شماله إلى جنوبه و حدوده الجغرافية حيث يحده من الغرب بلاد الشام و من الشرق إيران و من الشمال تركيا و من الجنوب الخليج العربي و الجزيرة العربية بسكان عددهم 25 مليون نسمة و بمساحة قدرها 450 ألف كم2 ، و فيها الجبال و الهضاب و السهول و الأنهار و البترول و الحبوب ، و لها شواطئ على الخليج و كل الصفات المطلوب توفرها في الدولة موجودة في العراق .
كما أن التوصيفات المذكورة لبناء الدولة القوية متوفرة أيضا في الجزيرة العربية من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها حيث يحدها من الشمال العراق و الشام و يحدها من الغرب البحر الأحمر و يحدها من الجنوب المحيط الهندي و يحدها من الشرق الخليج العربي و يبلغ عدد سكان هذه البلاد حوالي 50 مليون نسمة فيها الجبال و السهول و البترول و الهضاب و المعادن و الأماكن المقدسة عند المسلمين .
و نظرة إلى كل من بلاد الشام و العراق و الجزيرة العربية من الناحية الجغرافية ، نجدها تتوسط العالم القديم – القارات الثلاث - : آسيا ، أفريقيا ، أوروبا ، و فيها مهد الحضارات و الأديان السماوية و الأرضية و المواقع التاريخية و الأثرية ، كما إننا نلاحظ التكامل الاقتصادي و الجغرافي و الثقافي و الفكري و الحضاري و كذلك التقدم العلمي المنتشر في البلدان الثلاثة ، و التي تسير في مجملها نحو التقدم و يساعدها في ذلك قوة اقتصادها بما انعم الله عليها من خيرات من باطن الأرض و يمكن إذا تم التعاون أن يصبح سكان هذه البلدان الثلاثة ، من أحسن بلدان العالم اقتصاديا و تعليميا و حضاريا و حسن العلاقات مع الجيران .
هذا هو الإطار و نحن ندرك و نعرف أن هذه البلدان الثلاث يوجد فيها 12 دولة في الوقت الحاضر و كل دولة لها ظروفها و يحكمها أبناؤها و لا اعتقد أن أيا منهم لديه الاستعداد بأن يتنازل عن ملكه للآخرين ، خاصة و أنها جميعها تتمتع بوضع اقتصادي جيد و نسبة التعليم فيها مرتفعة و مع ذلك فلا يوجد ما يمنع من إنشاء جامعة المشرق العربي تشارك فيها كل الدول و تساهم في الموازنة لهذه الجامعة و ليكن مركزها على شاطئ البحر الأحمر الشمالي ، و يجري العمل على تخطيط موضع جيد من جميع النواحي و يجتمع قادة هذه كل سنة مرة ، في مركز الجامعة ، في حين يجتمع رؤساء الحكومات كل ستة شهور مرة ، في حين يجتمع الوزراء بحسب مواقعهم كل ثلاثة شهور ، و يتم التعاون و تقديم المساعدة من الدول الغنية إلى الدول المحتاجة بشكل طوعي بناء على القناعات و عامل الأخوة و الجوار ، و أشير هنا إلى أن جامعة المشرق العربي لا تعني إغفال جامعة الدول العربية في القاهرة حيث أن كل جامعة لها مجالاتها ، علما بان المشرق العربي له قضاياه و مشاكله و جيرانه ، كما المغرب العربي و كما هو معروف ، بأن كل منطقة لها مشاكلها و لها قادتها و لها حلولها حسب ظروفها ، اللهم أن يكون هناك ميثاق شرف بأن لا تتآمر هذه الدول على رفيقاتها من الدول العربية ، و أمنا تجري المصارحة و التعاون و فهم الظروف و تقدير الواقع في إطار الإخوة و الجيرة و الموضوع بحاجة إلى نقاش و دراسة على ضوء الواقع العربي .