تعليم مبادئ الثقافة القانونية في المدارس و الجامعات
المجد – الاثنين
14/2/2005
بدأت حياة الإنسان الأول في بيئة بدائية تعتمد وسائل المعيشة البسيطة المتوفرة لديه ، ثم توسعت الدائرة التي يعيش فيها الإنسان بحيث تشكلت الجماعة ، و أصبحت هذه الجماعة أو العشيرة أو القبيلة تشكل الإطار العام لحماية مصالح الأفراد ضمن دائرتها ، كما تشكلت جماعات هنا و هناك مشابهة و متجاورة بحيث أصبح مجموع الجماعات يشكل مجتمعا له قادته و حكماؤه و أهل الرأي فيه ، و أصبح لهذا المجتمع قيم و عادات و تقاليد و مبادئ عامة متفق عليها تحكم سلوك الأفراد و توضح طريق تأدية الواجب و المطالبة بالحق .
و كلما توسع المجتمع و تطور كلما تراجعت النزعة الفردية و النزعة العشائرية و القبلية و حل محلها النظام العام إذا جازت لنا هذه التسمية ، و أصبحت تحل قضايا الناس بأساليب تتجاوز السلوك الفردي أو العشائري المستقل و المزاجي ، و الذي غالبا ما يعتمد القوة و السيطرة بعيدا عن الحق و العدل و مع التطور تكون ما يسمى بالرأي العام و الذي يلعب فيه الفلاسفة و الحكماء و العقلاء و أهل الرأي دورا فعالا في تهذيب سلوك الناس و تعاملهم مع بعضهم البعض ، و مع الزمن ظهر من يكتب هذه الأنظمة أو العادات أو التقاليد أو المبادئ المتفق عليها بين الناس ، ثم تسجل و يعود إليها الحكام و العقلاء عند الحاجة ثم يأتي جيل آخر أكثر وعيا و يستفيد مما عمله الجيل السابق و يزيد عليه أو يعدله أو يلغيه و يحل محله أمر آخر .
و بشكل عام كلما لعبت القوانين و الأنظمة و القيم و التعليمات و أراء العقلاء دورا فعالا في تنظيم شؤون الناس كلما تراجعت النزعة الفردية أو العشائرية أو القبلية و أصبح المجتمع مجتمعا مدنيا و على ضوء التجارب التي مرت بأجيال و أجيال ظهر الفلاسفة و العلماء و الحكماء و الزعماء و المصلحون ، ثم ظهرت الديانات الأرضية و كلها تهدف إلى تهذيب تعامل الناس مع بعضهم البعض و تحسين التعامل بين الناس و القيادات ، بحيث تنتظم الحياة في المجتمع و لا شك في أن جميع الديانات الأرضية التي جاء بها الفلاسفة و المصلحون و العلماء قد لعبت أدوارا كبيرة في تنظيم المجتمع في كافة المجالات مع اختلاف ظروف كل شعب ، و كل امة ، و درجة تفاعلها مع هذه الأديان من حيث الزمان و المكان ، ثم ظهرت الأديان السماوية التي أيدت العادات التقاليد و القيم الايجابية فيما سبق و حسنت ما يجب تحسينه ثم جاءت بتعاليم جديدة من شأنها أن تزيد في تنظيم المجتمع و تهذيبه من حيث العادات و التقاليد و حسن السلوك و أن هناك قوة عليا خلقت الكون و وهبت الإنسان العقل البشري ليرشده لتدبير شؤونه الحياتية و تنظيم شؤون المجتمع و يدعو للخير .
لا بد من هذه المقدمة لأصل إلى صلب هذا المقال ، و هو الدعوة إلى ضرورة وضع المناهج لتعليم مبادئ الثقافة القانونية لكل المراحل الدراسية الابتدائية و الثانوية و الكليات و الجامعات ، و ذلك بالتعاون بين وزارة التربية و التعليم و وزارة التعليم العالي و نقابة المحامين و وزارة العدل بحيث يتم وضع سلسلة كتب مختارة عن مبادئ الثقافة القانونية ، و لتكن ( سلسلة أ ، و سلسلة ب ، و سلسلة ج ، و سلسلة د ) لكل مرحلة دراسية و حسب المستوى ، على أساس أن يكون هناك حصة ثقافة قانونية للصف في كل أسبوع ، بحيث تشمل تعاريف عن القانون ، النظام ، تعامل الإنسان مع الإنسان ، معرفة الإنسان لحقوقه و واجباته ، و احترام الآخرين ، الحوار الهادئ و سماع الرأي الآخر بهدوء و الرد عليه بأسلوب و مراجعة المسئولين ، و أسلوب التعامل بمواضيع البيع و الشراء ، و الإجارة و الشراكة و الوكالة و الكفالة و الشيكات و البنوك ، و احترام النظام و القانون ، و معرفة السلوكيات في المحاكم ، و الالتزام بتعليمات الحكومة و معرفة دور القانون في المجتمع و لجوء الإنسان للطرق القانونية في طرح وجهة نظره أو المطالبة بحقوقه ، و حتى في حال كونه مسئولا معرفة حدود مسؤوليته و كيف وصل إلى موقع المسؤولية و انه سيغادر هذا الموقع في وقت لاحق ، و يحل محله مسئول آخر ، و أن المسئول يقوم بدوره لتقديم خدمة للمجتمع و ليس سيدا للناس يطلب خضوعهم له دون وجه مشروع ، و كما يدرك الدارس أن القوانين و الأنظمة لأنها تفيد المواطن و الآخرين و المجتمع و الحكومة و الدولة ، و يصبح الإنسان حضاريا بسلوكه و فكره و تعامله مع عائلته و سيارته و بيته و جيرانه و الحي و الشارع و المجتمع و المواطنين و المسئولين ، كما يعرف المواطن أسلوب المقاضاة لدى المحاكم و ما يتميز به من صبر و أناة و السماح للفرق بتقديم بيناتهم و داعاتهم التي تدعم وجهة نظرهم و أن هناك مراحل للقضاء : المرحلة الأولى من قاض واحد و المرحلة الثانية من ثلاث قضاة ، و المرحلة الثالثة من خمسة قضاة ، و كل ذلك بهدف حفظ حقوق الناس و التأكد من صدور القرار العادل و أن جميع المواطنين أمام القضاء سواء .
بقي نقطة واحد لابد من الإشارة إليها ، و هي أنه قد يرد السؤال التالي : من أي يمكن توفير الكادر القانوني الكافي لتدريس منهج مبادئ الثقافة الثانوية ؟
الجواب : قد تعتبر حصة الثقافة القانونية في المرحلتين الابتدائية و الإعدادية مطالعة مع العلم بان التأليف سيكون واضحا و بسيطا و يمكن لمعلم التاريخ أو الجغرافيا أو اللغة العربية أن يدرس هذه المادة لأنها تكون مبسطة و سهلة .
أما بالنسبة للمرحلة الثانوية فيمكن تدريسها بواسطة محامين و ليس من الصعب الحصول على مدرس محامي لحصة واحد في الأسبوع للصف الواحد ، و حتى في الدفع مقابل فلن يكون مكلفا حال تعاون نقابة المحامين و الحقوقيين في هذا المجال .
أما في المرحلة الجامعية فان تدريس مبادئ الثقافة القانونية لكل الكليات حصة في الأسبوع أو ضمن مسار معين أو ضمن ترتيب معين فان ذلك ضروري جدا ، إذ يفترض في خريج الجامعة مهما كان تخصصه سواء في الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو الزراعة أو الجغرافيا أو الإدارة أو الكيمياء أو الفيزياء أو أي مبحث آخر أن يعرف شيء من مبادئ الثقافة القانونية لان هذا الجامعي هو بحاجة ماسة لمعرفة مبادئ الثقافة القانونية خلال عمله في المستقبل و لا يجوز أن يبقى جاهلا لأبسط مبادئ القانون و التي يحتاجها في عمله ، بل على العكس فان معرفته بمبادئ الثقافة القانونية يضفي على عمله صيغة قانونية نظامية و لا ينزلق إلى مخالفات قانونية قد توقعه في مشاكل و اقل ما فيها أن المسئول إذا كان لديه ثقافة قانونية بدرجة معينة فانه لا يقدم على عمل هام في أي مجال إلا بعد أن يستشير محاميا ليعطيه الرأي القانوني حول ذلك الأمر .
أما بالنسبة للعمل السياسي و الأحزاب السياسية فيفترض في الحزبي و السياسي أن يكون لديه إلمام بالثقافة القانونية ، حيث أن ذلك يساعده في أقواله و أفعاله و تصريحاته و تعامله مع الأطراف الأخرى الحكومية و الشعبية و بشكل عام فان الثقافة القانونية تساعد الإنسان في معرفة ما له و ما عليه مع الإشارة إلى أن معنى كلمة القانون هو ( العصا المستقيمة ، المسطرة ) ، التي تقاس بها الأشياء و أن كل شيء في الحياة اليوم يرسمه القانون و كما هو معروف في العالم المتقدم أن المجتمع المتقدم هو مجتمع سيادة القانون .