تغييب منهاج التربية الوطنية في المدارس و الجامعات
يؤدي إلى العنف و ضيق الأفق
جريدة المجد – 28/5/2007
ظهر في الفترات الأخيرة تفشي العنف و ضيق الأفق في الجامعات الأردنية ، و كتب في هذا الموضوع في الصحف و في الندوات المباشرة و في التلفزيون الأردني ، و في الحقيقة لم يعط الموضوع الأهمية اللازمة و البحث في الأسباب و طرق الاصلاح و الغوص في جذور التربية السائدة في المجتمع الأردني ، و الذي يتصف بارتفاع نسبة التعليم و لكن نسبة الوعي لا تزال متدنية علما بأن تغيير اسم وزارة التربية و التعليم في الفترات الأخيرة كما هو معروف من وزارة المعارف سابق يهدف من جملة ما يهدف إليه التركيز على التربية في الدرجة الألوى و من ثم التعليم و هذا يستدعي البحث في منهاج التربية الوطنية الذي يجب أن يدرس مع جملة مواد التدريس في المدارس من المرحلة الابتدائية حتى الاعدادية ثم الثانوية و الكليات ، و أخيرا الجامعات بحيث يكون هناك منهاج لكل هذه المراحل حسب المرحلة و هذا المنهاج يراعي تطور التربية و مفهوم المواطن الصالح الذي يفهم دوره في المجتمع ، و تطور مفهوم هذا المواطن من القرية أو الحي أو العشيرة الى المنطقة و المدينة ثم المجتمع و الوطن ثم العالم الواسع الأطراف و مافيه من قوميات و لغات و ديانات و مذاهب و معتقدات و سلوكيات منتشره على وجه الكره الارضية و كل شعب أو امه لها لغة و ديانه و قومية و معتقدات و سلوكيات و بالتالي فان المواطن الاردني و العربي ايضا له لغة و عادات دينية و معتقدات قومية و ديانية ، و من حقه أن يعتقد أو يؤمن حسب قناعاته و ظروفه و لكن عليه أن يعلم كذلك أن هناك غيره من الأفراد في المناطق و الشعوب و الأمم الأخرى له معتقد و له رأي و له رؤيا ، و هو بالتالي مؤمن بها و يحترمها و هذا موجود في كل أنحاء العالم على مستوى الديانات و القوميات و المذاهب و المعتقدات ، فهناك المسيحيون و هم فرق و هناك اليهود و هناك البوذيون و هناك الكونفوشيرسيون ، و هناك العلمانيون و هناك الشيوعيون و هناك المتدينون من كل جهة ، و كل بما لديهم مؤمنون و مقتنعون و مع اختلاف اللغات و الثقافات و الديانات ، و عليه فيجب على المسؤولين في الأردن التركيز على وضع مناهج تربية وطنية لكل المراحل تعلم الطالب الأردني انه سيواجه في الوطن و خارج الوطن و في العالم نماذج كثيرة و مختلفة من اللغات و الديانات و المذاهب و أن عليه أن يحسن التعامل مع كل هؤلاء مع احترامه لقوميته و دينه و لكن عليه أن يدرك انه لا يمتلك الحقيقة المطلقة ، و التي لا يجوز لأي جهة أو قومية أو دين أو مذهب أن يدعي امتلاكه الحقيقة المطلقة لسبب بسيط هو أن ( الله سبحانه و تعالى خالق الكون و له حكمه في خلقه ) .
و يمكن لكل شخص مهما كان دينه أو قوميته أن يفكر في خلق الكون حسب مستواه الثقافي و بالتالي يقول باختصار ( باسم الله خالق الكون و مدبر شؤونه ) .
و هذا التصور موجود لدى كل شعوب و امم العالم .
ما ذكرت يتطلب مستوى عال من الثقافة التي يجب أن توجد في مناهج التربية الوطنية في كافة المراحل و سيظهر فائدة تثبيت مناهج التربية الوطنية في كافة المراحل بعد وضعها من قبل رجال تربية و قانون و ساسة مختصون ، يهدف إلى خلق المواطن المتعلم المثقف الواعي الذي يحترم نفسه و يحترم الآخر و يعيش متعاونا مع كل من يلقاه في حياته من افراد مهما اختلفت تصنيفاتهم العشائرية و الاقليمية و الدينية و القومية و العالمية فيصبح مواطنا قادرا على التعايش مع الآخرين و لا ننسى أن العالم اليوم اصبح قرية واحدة و قصرت المسافات و تلاقت الثقافات و اصبح التعاون على كافة المستويات ضرورة اقتصادية و ثقافية و اجتماعية و انسانية ، و اصبح الانسان هو أخ الانسان بغض النظر عن كل الاختلافات التي فرضتها البيئة و الظروف و النشأة و الثقافة و اصبحت وسائل الاعلام بكافة انواعها متوفرة لمعظم الناس.
بقيت نقطة هامة جدا يجب الإشارة اليها و هي أن الطالب الذي يذهب للمدرسة أو الكلية أو الجامعة يكون قد تربى في بيئة محلية ضيقة و تشبع بعاداتها و تقاليدها و مفاهيمها و علاقاتها و عليه فلا يجوز أن يبقى دور المدرسة و الكلية و الجامعة ، مكملا لما تعلمه و عرفه من بيئته المحلية بل يجب من خلال مناهج التربية الوطنية المعدة اعدادا صحيحا من قبل مختصين نقل الطالب فكريا و ثقافيا الى بيئة جديدة و ثقافة جديدة ترتفع به من ابن قرية و ابن عشيرة مشبعا بعاداتها و تقاليدها و افكارها الى مواطن متعلم مثقف واعي بحيث يصبح مواطنا صالحا في إطار الدولة المدنية دولة العمل للوطن ، و الارتقاء الى مستوى خدمة الوطن و الأمة و يؤمن بالقانون ، و يصبح ابن مجتمع و ابن دولة و ابن امة و في إطار هذا الموضوع ، فإني اقترح أن يتلقى الطلاب محاضرات و ندوات متكررة من اساتذة اكفاء في القانون و السياسة و حبذا لو وضع برنامج محاضرات منظم و متكرر لأمناء الأحزاب في الأردن لإلقاء محاضرات على طلاب الجامعات و المدارس الثانوية عن الحزبية و الأحزاب و ما هو دور الأحزاب لخدمة الوطن و الافكار المطروحة و اقصد كل الأحزاب الموجودة في الوطن ، و افهام الطلاب أن التعريف الدارج للشخص الحزبي هو ( الشخص المتعلم المثقف الواعي الذي يعرف ظروف وطنه و امته و الامكانيات المتوفرة و موقع شعبه و امته من العالم و ضمن الامكانيات المتاحه يتكون لديه تصور لتقديم خدمة أفضل لبلده و امته بالتعاون مع رفاقه ) .
و هذا يتم من خلال برنامج الحزب و افكاره و نظرته للامة و الوطن والعالم ، و فيهذا الإطار و إنا هنا لا اقصد حزبا واحدا و انما جميع الأحزاب و حبذا لو وزعت الأحزاب كراسة لكل حزب تشرح افكاره و مبادئه و نظرته لخدمة الشعب و الوطن على كل الطلاب حتى يدرسوا هذه الكراسات و يناقشوها فيما بينهم و بعد ذلك سيتكون لدى الطالب الثانوي أو الجامعي فكرة عن كل حزب ، و له الحق أن يختار فيما بعد و يقوم بدوره كمواطن و مثقف لخدمة وطنه و شعبه مع رفاقه الذين يتعامل معهم و بذلك سيرتفع مستوى الطلاب الثقافي و السياسي و الاجتماعي عن مستوى القرية و العشيرة و تتوسع مداركه و مع الزمن قد يصبح صاحب رأي ينفع الناس و يعدل بعض الآراء المطروحة و بذلك يصبح طلاب الجامعات قادة للمجتمع عى مستوى الدولة و ليس المنطقة أو القرية أو العشيرة.
بقي نقطة أخيرة أذكرها و هي لماذا لا تغير وزارة التعليم العالي موضوع قبول الطلبة في الجامعات ، يوضع نظام في الجامعات يهدف إلى عدم الموافقة على التحاق الطالب الجامعي الى جامعة في محافظته بحيث يذهب الى جامعة في محافظة أخرى و يتعرف على أصدقاء جدد من مناطق مختلفه و يتهذب سلوكه و يبعده عن جو العشيرة و القرية و مهما سبق من اعذار ، فإنها لا تكاد تقنع باستمرار قبول الطالب في جامعة في محافظته ، لان الأصل في التعليم الجامعي أن يحصل الطالب على معلومات و ثقافة و معرفة و أصدقاء جدد و تعامل مع الآخرين و يتوسع افقه و تفكيره مع ملحظة أن سياسة الحكومة في تعيين رؤساء الدوائر من ابناء المحافظة في محافظتهم لها سلبيات كبيرة و كثيرة و تجمد حركة تطور المجتمع و يبقى رئيس الدرائر خاضعا لظروف منطقته من حيث العشيرة و الجيرة و المصاهرة و الانتخابات البلدية و النيابية و اداء الخدمات و الواسطة و غير ذلك ، و بالتالي يجب دفع حركة التقدم و التطور للأمام و ليس الوقوف مكانك راوح .
هذه الأفكار قابلة للحوار و النقاش و التعديل والااضافة ، و على كل حال فإنها بحاجة إلى قرار سياسي على مستوى الدولة و الوصول لتحقييق هذه الأفكار على الواقع العملي .