النهب تحت مظلة القانون
جريدة الوحدة – 9/10/2002
لقد اطلعت على نص القانون المؤقت رقم 41 لسنة 2002 ، المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 4556 ، الصادر بتاريخ 16/7/2002 ، باسم : ( قانون مؤقت رقم 41 لسنة 2002 ، قانون الإعفاء من الأموال العامة ) ، و القانون مكون من خمس مواد وردت على الشكل التالي حرفيا كما نشر :
المادة 1 / يسمى هذا القانون ( قانون الإعفاء من الأموال العامة لسنة 2002 ، و يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .
المادة 2 / لمقاصد هذا القانون
أ / تعني عبارة الأموال العامة جميع أنواع الضرائب و الرسوم و الغرامات و الذمم و الديون و العوائد و الجور العائدة للخزينة العامة ، و المؤسسات العامة الرسمية و المؤسسات العامة ، أو البلديات ، أو أي جهة يعطي القانون الخاص بها هذه الصفة لأموالها أو أي جهة أخرى يقرر مجلس الوزراء اعتبار أموالها أموالا عامة .
ب / و تعني عبارة الأموال الأميرية حيثما وردت في أي تشريع آخر الأموال العامة.
المادة 3 / أ – يجوز لوزير المالية بناء على تنسيب مبرر من الجهة المختصة إعفاء أي مكلف من الأموال العامة التي لا يزيد مقدارها عن ألف دينار .
ب - يجوز لمجلس الوزراء بناءا على تنسيب مبرر من وزير المالية و الجهة صاحبة العلاقة إعفاء أي مكلف من الأموال العامة التي يزيد مقدارها على ألف دينار على أن تحدد في التنسيب الشروط و الإجراءات اللازمة لإتمام هذا الإعفاء .
المادة 4 / أ – يلغي قانون الإعفاء من الأموال الأميرية رقم 24/1957 .
ب – لا يعمل بإحكام أي تشريع آخر إلى المدى الذي تتعارض فيه مع أحكام هذا القانون .
المادة 5 / رئيس الوزراء و الوزراء مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون 11/6/2002 .
هذا هو القانون المؤقت و التساؤل المشروع هو لماذا تم وضع هذا القانون ، و في هذا الظرف ، و هل هو لخدمة الفقراء الذين تقل ديونهم للخزينة عن ألف دينار ؟ أم هو لخدمة المؤلفة قلوبهم و أقرباء أصحاب النقود و الذين لديهم مهارة في اخذ الأموال العامة عن طريق القرض و الدين و ثمن الأراضي التابعة للخزينة تحت بن ( لحين الله يفرجها ) ، و تحت إرشاد أصحاب النفوذ الذين يشجعونهم على الاستدانة و الاقتراض و هؤلاء بشكل عام تزيد ديون الخزينة عليهم على الألف و عشرة آلاف و مائة ألف و مائتي ألف و نصف مليون و أكثر ، و كل هؤلاء يشملهم النص الذي أعطى لمجلس الوزراء إعفاءهم من هذه الديون ، و النص هنا جاء مطلقا و المطلق يجري على إطلاقه .
في هذا المجال ، نعود إلى المقولة أو الواقعة الثابتة بان الدولة الأردنية عليها مديونية ، تصل إلى ست أو سبعة مليارات دولار تقريبا ، فكيف لدولة مدينة للدائن بسبع مليارات دولار تقوم بوضع مثل هذا القانون الذي يهدر الملايين من الأموال العامة ليعطي منها المؤلفة قلوبهم .
إن هذا القانون هو مبادرة غريبة من نوعها ، و لكنها تصبح مبادرة عظيمة تفيد الأردن و دول العالم الثالث الحديثة ، فيما لو قدمت الحكومة الأردنية نسخة من هذا القانون إلى الدول الغربية و اليابان الدائنة ، عسى أن نقتنع بفائدة هذا القانون و تتخذ قرارات تتضمن إعفاء الدول النامية المدينة و منها الأردن ، من كل الديون المترتبة عليها ، و عليه تكون هذه المبادرة الأردنية قد تسببت في إعفاء الدولة الأردنية من مديونيتها للدول الدائنة ، و البالغة كما ذكرت سبع مليارات دولار تقريبا ، و التساؤل المتكرر هو : لماذا أصلا وصلت المديونية الأردنية إلى هذا الرقم ؟
و من هو المتسبب حيث لم يحدد المتسبب بهذه المديونية طالما أن الجميع يتحدث عن هذه المديونية ؟
أنها خطأ و أنها عبء و أنها مشكلة صعبة و لا يسعني في هذا المجال إلا أن أورد هذه القصة البسيطة :
قرية من قرى محافظة الكرك كل أهلها متدينون و يواظبون على الواجبات الدينية و خاصة الصلاة بأوقاتها ، بالأخص صلاة الجمعة في مسجد القرية الكبير ، و في هذه القرية مواطن أمام دارة شجرة مشمش من النوع الجيد "المستكاوي" ، و عليها كمية كبيرة من ثمر المشمش ، و هو يؤخر قطفها من يوم ليوم حتى ينضج جيدا و يقطفه و يبيع المشمش بثمن جيد ، فوجئ فجر يوم الجمعة و إذا بالشجر مقطوفة بشكل كامل ، و لم يبق من الثمر شيء فغضب ، و تألم ، و لكنه كظم غيظه و عند الظهر توضأ و لبس أحسن ما عنده من الثياب كعادة المصلين يوم الجمعة و ذهب للصلاة في المسجد و هو يفكر : ( من الذي سرق المشمش ) .
و بعد الصلاة و الخطبة حيث كان في المسجد حشد كبير من أهل القرية فما كان منه إلا أن وقف بباب المسجد و قبل أن يخرج المصلون صاح بأعلى صوته ، يا ناس ، يا عالم ، يا أهالي القرية ، يا مصلين ، مادام الجميع يصلون هنا ، فمن الذي قطف المشمشة ، و لا يمكن أن يكون القاطف إلا واحدا منكم .
و ختاما قال المثل : ( الذي يعش يا ما يرى ) ، و لكننا لم نسمع و لم نر أن نهب المال العام يتم تحت مظلة القانون .