العشيرة الأقوى و الأفضل هي القانون
ورد في القرآن الكريم ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ الحجرات 13 ، و تعني اتقاكم : الإيمان بالله و الصدق و الخلق القويم .
و تتألف العشيرة من اسر ( بيوت ) و فرق و أفخاذ يختلف عددها كثرة أو قلة و العشيرة قد تكون من أصل رجل واحد أي منحدرة من جد واحد أعقب ذرية كثيرة أنجبت العدد الذي كونها و قد تكون العشيرة ليست منحدرة من جد واحد و لا موطن واحد بل مؤلفة من فرق عديدة ينتمون إلى مواطن و أصول عدة ، و اجتمع بعضهم إلى بعض بدافع من الرهبة من شيء أو الرغبة في شيء ، و لتشابه الحاجات و المنافع و تشابه الميول و الأعمال تعاقدوا و ألفوا اتحادا عشائريا ، و تهتم العشائر بنسبها و تفاخر به و النسب هو مطلق الوصلة بالقرابة و طبقات الإنسان عند العرب هي : الشعب ، القبيلة ، البطن ، الفخذ ، العشيرة ، الفريق ، العائلة ، الأسرة .
هذا وقد ضعفت الروابط مع التطور الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي بين أفراد العشيرة و اقتصرت العلاقة على العائلة و الأسرة و تشمل الأب ، الأم ، و الأخوة و الأخوات ، و الأبناء و البنات ، و العمات و الخالات ، و الأعمام و الأخوال ، و هؤلاء يسمون ( العشيرة الأقربين ) .
و مع ظهور الدولة و عناصرها الثلاثة الوطن و الشعب و الحكومة ، تراجعت العصبية القبلية و العشائرية و مما أضعفها قوة الحكومة و قوة القانون و لم يعد هناك مجال وحدة موقف بين أفراد العشيرة بسبب الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و التعليمية إلا ما ندر و في ظروف معينة قد يحييها الأذكياء في مثل حالة الانتخابات فقط .
وقد اثبت تاريخ العرب و قبائلهم ما قبل الإسلام و ما بعده أن الصراع بين القبائل و العشائر يؤدي إلى القتال و التناحر بين الأطراف و بعد ذلك يعود الأطراف إلى الصلح و التعويضات و لكن بعد فوات الأوان ، و رغم أن الكثير من أبناء القبائل و العشائر في الأردن يحاول في مناسبات عدة مثل الانتخابات النيابية و البلدية أن يثير هذه العصبيات للحصول على مكسب النجاح و قد تنجح في بعض المرات و قد لا تنجح مع انتشار الوعي بين الناس و قوة الحكومة و القانون و انتشار التعليم و تنوع مصادر الرزق و تحول اهتمام الناس إلى مصالحهم و مصالح عائلاتهم و أبناءهم و بناتهم و تعليمهم ، و اثر في ذلك السفر إلى الخارج و الداخل و بناء الصداقات و العلاقات الاقتصادية و المصاهرة و الجوار و تشابك علاقات الناس و حلت محل العلاقات القبلية و العشائرية العشيرة الأقوى و الأفضل و التي تتألف من العناصر التالية :
1- العقل 2- الخلق 3- المال 4- القانون 5- الحكومة .
1- العقل :
روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال : ( أول ما خلق الله العقل فقال له اقبل فأقبل ، ثم قال له أدبر فأدبر ، فقال عز من قائل : و عزتي و جلالي ، ما خلقت خلقا اعز علي منك باك آخذ و بك أعطي و بك أحاسب و بك أعاقب ) .
و قال أهل المعرفة و العلم : ( العقل جوهر مضيء خلقه الله عز و جل في الدماغ و جعل نوره في القلب يدرك به المعلومات بالوسائط و المحسوسات بالمشاهدة ، و قد جاء العقل في القرآن الكريم 49 مرة هي له تكريم .
هذا و قد سئل عمرو بن العاص ما هو العقل : فقال : العقل هو الإصابة بالظن و معرفة ما سيكون بما كان ) .
2- الخلق :
ورد في القرآن الكريم : انك لعلى خلق عظيم ، و قال الرسول الكريم ( أن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة ، و اشرف المنازل و انه لضعيف العبادة ) ، و قال الرسول الكريم : ( خير ما أعطي الإنسان حسن الخلق ) ، و قال الفيلسوف اليوناني قبل ظهور الديانات السماوية الثلاث ( لكي تكون سعيدا عليك أن تكون فاضلا ) .
3- المال :
الذي يقضي به الإنسان حاجاته و يصرف على عائلته و أولاده و يستغني عن سؤال الآخرين ، و المال عنصر أساسي في الحياة ، و قد ورد في القرآن الكريم ﴿ المال و البنون زينة الحياة الدنيا ﴾ .
كما ورد في القرآن الكريم ﴿ و يحبون المال حبا جما ﴾ .
و السعي لكسب المال بالطرق المشروعة أمر مطلوب و إرادة الله لها دور كبير في هذا المجال حيث ورد في القرآن الكريم : ﴿ و في السماء رزقكم و ما توعدون ، فورب السماء و الأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون ﴾ ، و لا احد ينكر أهمية المال في شؤون الحياة .
4- القانون :
أن القانون ينظم كل العلاقات بين الناس في كافة مواقعهم و مراكزهم على مستوى الأفراد و الجماعات و يوضح لكل ذي حق حقه عن طريق المحاماة و القضاء و لا فرق بين شخص و شخص آخر أو بين جهة و أخرى ، و هو الذي يرسم الحدود بين كل الناس و حتى بين الناس جماعة و أفرادا ، أو بين الحكومة و قد عرفت كلمة القانون باللاتيني بمعنى المسطرة التي تحدد المسافات مهما كانت و بدقة من حيث العلاقات بين كل الناس مع بعضهم البعض و بين الحكومة و الناس .
و كل دول العالم فيها قوانين توضع من قبل أهل الرأي و العقد في تلك الدول و يصادق عليها كبار رجال الدولة و تنبثق القوانين عن الدستور الذي يضعه أهل الرأي في كل بلد و القوانين تحترم و تطبق في كل بلدان العالم أن البلدان في كل أنحاء العالم تتعاون في تطبيق القوانين عن طريق التعامل بالمثل بما يحفظ حقوق مواطني تلك الدول و يحسن العلاقات بين الدول بما يحفظ امن الدول و احترام القوانين عند كل الدول و الشعوب يعتبر درجة عالية من الحضارة و المدنية و التعاون للصلح العام و تقوم الحكومات عن طريق القضاء الجيد فيها و بالتعاون مع المحامين بتطبيق القانون على الجميع بالتساوي حسب الأصول المرسومة في تلك القوانين .
5- الحكومة :
إن الحكومة في أي دولة هي المسئولة عن تنظيم شؤون الدولة ، و الناس و المؤسسات ، و تعمل على تطبيق القانون و تنفيذ الأحكام و تحق الحق و تكافح الباطل و تحفظ الأمن بواسطة الأجهزة المختصة بحيث يعيش مواطنو الدولة بأمان على أرواحهم و أموالهم و أعراضهم و مصالحهم و تقوم بكل ذلك الحكومة ، و الحكومة ضرورة لكل شعب و لكل دولة لخدمة المجتمع و حفظ الأمن فيه و صون حقوق الناس و كرامتهم .
و قد ورد في القرآن الكريم ﴿ و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ﴾
حيث أن أولى الأمر يحفظون امن البلاد و يحققون العدل بين الناس ، و كما قال ابن تيمية : أن يعيش الناس ستون عاما في ظل حاكم ظالم خير من أن يعيش الناس يوما واحدا بدون حاكم لان ذلك يعني الفوضى و فقدان الأمن .
و اختم هذا المقال بأبيات من شعر الشاعر علي حتر حيث قال حول العلاقة مع العشيرة :
أنا لست اغوي مع غـزية إن غوت و الرشد لي و به أرى خطواتي
أنا لا أساق كما الشياه و ليـس بي طمع اسوق الربع كالغنمـات
و إذا هوت فأنا بهـا و بـدونهـا مترفعـا أسمـو إلى غـايـاتي
و إذا كبـوت فكبـوتي من فعلتي وإذا نجحت فمن نتـاج قنـاتي
وطني الكبير قبيـلتي و سـأنتهي فيـه ومنـه يبتـدئ فلـذاتي
بردى و دجـلة و الفرات أحبـتي و النيـل والأردن ماء حيـاتي
و إذا انتسبت فمنهمـو واليهمـو و هناك كل أقـاربي و ثقـافتي
و ختاما ، فان العشيرة الأقوى و الأفضل و التي تحقق الأمن و النظام و العدل بين الناس في إطار الأمة في كل زمان و مكان هي العقل ، و الخلق ، و المال ، و القانون ، و الحكومة .