الشريعة الاسلامية و الدين المسيحي و القانون الاردني و الوعي الوطني
ضد الجلوة و الثأر
جريدة الرأي – الثلاثاء – 15/5/2001
ورد في القرآن الكريم : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ الحجرات – 13 .
من خلال معرفتي البسيطة لتفسير هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه و تعالى جعل الناس شعوبا و قبائل و عشائر لغايات أن يتعارفوا و يعرف الناس بعضهم البعض الآخر ، فلا بد أن فلانا من العشيرة الفلانية التي تنتمي إلى القبيلة الفلانية و هي جزء من الشعب الفلاني ، و التعارف ضرورة اجتماعية و اقتصادية ليزداد الاطمئنان و يحسن التعامل بين الناس حال معرفتهم بعضهم للبعض الآخر ، من حيث الاسم و العائلة و العشيرة و المكان و في ذلك فوائد كثيرة جدا ، و في هذا السياق قال عز و جل ﴿إن أكرمكم عند الله اتقاكم ﴾ أي أن الإنسان المؤمن بالله و التقي الصادق العادل هو صاحب المنزلة المحترمة في مجتمعة و لم يقل أن القبيلة أو العشيرة الفلانية هي أكرم و أفضل من عشيرة أخرى ، و قد ورد في القرآن الكريم أيضا ﴿و لتكن منكم امة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون﴾ ، آل عمران – 104 .
و معنى كلمة الأمة هنا – هي جماعة من الناس – و ما دام أن سكان الأردن مسلمون و مسيحيون هم مؤمنون بالله و كتبه و رسله إذن فالإيمان هو العقيدة و السلوك ، والعقيدة و السلوك متلازمان حتى يكتمل الإيمان ، و قد ورد في القرآن الكريم ﴿والذين يؤمنون بالله و يعملون الصالحات ﴾ و على حد معرفتي و قراءتي للقرآن الكريم لم ترد جملة الذين آمنوا إلا و تبعها و عملوا الصالحات و هذا يؤكد أن العقيدة يلازمها السلوك الذي يثبتها و يدل عليها .
كما ورد في القرآن الكريم ﴿ و لا تزر وزارة وزر أخرى ثم إلى ربكم ترجعون ﴾ الزمر 7 .
كما ورد في القرآن الكريم ﴿ و لا تزر وازرة وزر أخرى و أن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء و لو كان ذا قربى ﴾ ، فاطر 18 .
كما ورد في القرآن الكريم ﴿ و لا تزر وازرة وزر أخرى و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾ النجم 38-41 .
و كما هو معروف و واضح من معنى الآيات الكريمة التي وردت أعلاه أن الإنسان مسئول عن نقسه و لا يتحمل وزر غيره ، هذا ما ورد في القرآن الكريم .
و نعود بعد ذلك إلى القانون الأردني – سواء كان القانون الجزائي أو القانون المدني وهما مطبقان في المحاكم الأردنية فان الأخ غير مسئول عن أخيه و لا الابن عن أبيه ولا الأب عن ابنه إلا إذا كان قاصرا حتى انه في القانون المدني إذا توفي الأب و ترك ثروة للورثة و ترك دينا عليه ، فان الورثة مسئولون عن سداد دين المورث فقط في حدود ما ترك المورث أما إذا كان الدين أكثر من الثروة التي تركها فان الورثة غير مسئولين عن سداد باقي الدين من مالهم الخاص و القانونان الجزائي و المدني في الأردن من أرقى القوانين الوضعية في العالم و المحاكم و المحامون و الواعون من الناس يعرفون ذلك جيدا.
أما القانون الجزائي الأردني فانه لا يعاقب أحدا عن احد فلا يعاقب الأب عن ابنه و لا الابن عن أبيه و لا الأخ عن أخيه كأن القانون الجزائي الأردني يطبق تماما مضمون الآية الكريمة ﴿ و لا تزر وازرة وزر أخرى و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾ النجم 38-41 .
أما الوعي الوطني فان كل إنسان عاقل بالغ مدرك للأمور سواء كان متعلما أو غير متعلم لا يوافق أن يتشرد أشخاص بأنفسهم و عائلاتهم و يتركون أموالهم و أرزاقهم و دورهم و هذه بمجموعها "هي وطنهم الصغير " بسبب سورة غضب أصابت شخصا من أقاربه لا علاقة له بها لا من بعيد و لا من قريب ، و كما هو معروف فان أفراد العشيرة توزعوا في عدة مدن من الأردن حسب مصالحهم و عدة قرى و عدى أحياء من المدينة و كل إنسان يسعى في سبيل عيشه و تربية أولاده و بناء مستقبلهم عن طريق العلم و البحث عن الرزق و في ظل الحكومة و دولة القانون فان لا احد مسئول عن الآخرين و لا يتحمل وزرهم و هذه قاعدة و إذا ما طرحت للنقاش و في جو هادئ و عقلاني فان جميع الناس يؤيدون ذلك .
و نعود للدين المسيحي و ما ورد فيه حول هذا الموضوع فإننا نجد انه عندما قبض على السيد المسيح حاول بطرس الدفاع عنه بسيفه فقال له المسيح عليه السلام "رد سيفك إلى مكانه ، فمن اخذ بالسيف ، بالسيف يؤخذ" . إنجيل متى 26/52 .
كما كانت القاعدة المسيحية في التعامل الإنساني هي "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضا بهم" إنجيل متى 7/12 .
و عليه و ما دامت الشريعة الإسلامية و القانون الأردني "المدني و الجزائي" و الوعي الوطني و الدين المسيحي بالإضافة إلى ما يقبل به العقل و العدل في إدارة شؤون الحياة كلها لا تؤيد الجلوة و لا الثأر إذن فواجب الحكومة من خلال مؤسساتها المختلفة و أجهزتها الإدارية و المدارس و الجامعات و النوادي و الجمعيات و الأحزاب و الهيئات الشعبية و البلديات بالإضافة إلى مجلس النواب و الأعيان و الحكام الإداريين أن يتداعوا إلى عقد مؤتمر شعبي أردني سيشترك فيه كل ذوي العلاقة و التأثير و يعد له إعدادا جيدا و لمدة ثلاثة أيام في مدينة الحسين الرياضية بإشراف الحكومة و مجلس النواب للبحث في هذه الأمور و غيرها من العادات السلبية المتشددة في المجتمع الأردني و التي أصبحت لا تتماشى مع تطور المجتمعات المتحضرة و من ثم الخروج بوثيقة صالحة و قابلة للتطبيق و تأخذ الحكومة على عاتقها تطبيق ما يرد منها بحزم من حيث القانون و التطبيق و من ثم الإعلام و التوعية لهذا التعبير عن طريق الصحافة و الإذاعة و التلفزيون و المجالس البلدية و القروية و الأندية و الجمعيات و المدارس و الجامعات و ما ينتج عن المؤتمر يعتبر نقلة نوعية حضارية في سبيل تقدم المجتمع الأردني في إطار العقل و العلم و العدل .