عظمة التاريخ تتجلى أمامك عندما تزور الكرك
الغد – الجمعة – 29أيار 2009
الكرك – قلعة و جبال – سهول و رجال – تاريخ و أجيال – ربيع و جمال ..
أكتب هذا المقال عن الكرك و أنا أحد أبنائها ، و قد عشت فيها قرابة ستين عاما طفلا و طالبا و موظفا و محامياً ، و قد رأيت و سمعت و علمت عن الكرك الكثير .
و للحقيقة فإن عظمة التاريخ تتجلى أمام الزائر لمدينة الكرك و قلعتها العظيمة ، و للعلم فإن مساحة الكرك 3500 كيلو متر مربع ، و سكانها 250 ألف نسمة يقطنون المدينة و مائة قرية تحيط بها من الجهات الأربع ، و سكان منطقة الكرك يعرفون بعضهم البعض و مجتمع الكرك مجتمع عشائري ، و هم متعاونون و التوازنات العشائرية تلعب دورا كبيرا في حفظ الأمن و الاستقرار و حسن التعامل.
تقع مدينة الكرك على جبل عال و هو جبل مستو ( سهل ) مع بعض الميل من الجنوب الغربي تقع مدينة الكرك على جبل عال و هو جبل مستو ( سهل ) مع بعض الميل من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي ، و تبلغ مساحة هذا الجبل كيلو مترا مربعا واحدا ، و لهذا فإن الشتاء ينظف كل أنحاء المدينة بسبب ارتفاعها و ميلانها ، علما بأن جزءا من شوارعها مبلط بالحجر و الجزء الأكبر بالإسفلت و تخترق المدينة خمسة شوارع من الجنوب إلى الشمال ، و من الشرق إلى الغرب.
و تحيط بمدينة الكرك ثلاثة أودية سحيقة من الشرق و الشمال و الغرب ، أما الجهة الرابعة ( الجنوب ) فقد حفر خندق صخري يبلغ طوله حوالي 300 متر ، و عرضه 20 و ارتفاعه 30 مترا ، يفصل مدينة الكرك عن جبل الثلاجة الجنوبي ، و تشكل الأودية الثلاثة و الخندق الصخري من الجنوب خط دفاع دائري عن مدينة الكرك و بذلك فقد كان من الصعب جدا في العصور القديمة و الوسطى اقتحام هذه المدينة بحسب مقتضيات الحروب القديمة ، زد على ذلك أن هناك سبعة أبراج ضخمة تحيط بالمدينة من الشرق و الشمال و الغرب تشكل مراكز دفاع ضد المهاجمين وقد صممت خصيصا لهذه المهمة ، بالإضافة إلى قلعة الكرك الضخمة التي ترتفع على الجهة الجنوبية من المدينة .
و قلعة الكرك من اكبر القلاع في الشرق الأوسط و تحتوي على قاعات كبيرة ، أربع ما تزال صالحة حتى الآن ، و تتسع القاعة لـ 1000 شخص ، بالإضافة إلى المساكن و مرابط الخيل و المواد التموينية و مهاجع الجنود و الجيش و الساحات ، و القلعة حصينة جدا بسب موقعها و طبيعة البناء فيها ، علما بأن بعض الحجارة المستعملة في بناء القلعة ما تزال موجودة و يبلغ طولها ثلاثة امتار و عرضها نصف متر و تشرف القلعة على جبل الإسكان و حي المرج و الثنية و أبو حمور من الجهة الشرقية ، كما تشرف على غابة اليوبيل و منتزه اليوبيل و سيل الكرك من الجهة الشمالية ، كما تشرف على وادي الكرك و سيل الشهابية و قرى الشهابية و كمنه و سمرا و سكا و البقيع من الجهة الغربية ، و يحتاج الزائر حتى يستطيع أن يعرف المنشآت التي تضمها القلعة إلى ساعتين من الوقت و تتجلى أمامها عظمة التاريخ و الجهد المبذول لبناء هذه القلعة .
و قلد لعبت الكرك أدوارا كثيرة في التاريخ على مدى آلاف السنين ، و تجب الإشارة إلى أن الكرك محمية بخمسة خطوط دفاع بالنسبة للعصور القديمة و الوسطى ، خط الدفاع الأول عن منطقة الكرك هو وادي الموجب السحيق من جهة الشمال و وادي الحسا السحيق من جهة الجنوب والصحراء من جهة الشرق و البحر الميت و وادي الأردن و يشكل أخفض بقعة من جهة الغرب .
أما خط الدفاع الثاني عن مدينة الكرك ، فهو الجبال العالية المحيطة بمدينة الكرك من الجهات الأربع و تشكل خط دفاع قويا ، أما خط الدفاع الثالث عن مدينة الكرك فهو الأودية السحيقة المحيطة بالمدينة من جهات الشرق و الشمال و الغرب ، بالإضافة إلى الخندق الصخري في الجنوب و الذي يفصلها عن جبل الثلاجة أما خط الدفاع الرابع فهو الأبراج السبعة المحيطة بالمدينة و تقع على أطرافها من الشرق والشمال و الغرب و منها برج الظاهر بيبرس المطل على سيل الكرك و البحر الميت ، و هذه الأبراج كما ذكرت ، مصممة لتقوم بدور الدفاع عن المدينة و بهندسة رائعة تبهر الزائرين .
أما خط الدفاع الخامس ، فهو الخندق الصخري المحفور بالصخر و الذي يفصل قلعة الكرك عن مدينة و يصل بين القلعة و المدينة جسر خشبي طوله 15 مترا و عرضه خمسة أمتار ، و هذا الجسر ما تزال معالمه ظاهره حتى الآن ، و قد قامت دائرة الآثار بوضع جسر حديد ثابت مكانه ، فإذا لم ينجح المدافعون عن المدينة عبر الجبال و الأودية و الأبراج و وصل الأعداء إلى القلعة التي يتمرس فيها المدافعون ، فإن المدافعون ، فإن الأعداء لا يستطيعون مهما كانت قوتهم عبور الخندق و الدخول إلى القلعة التي تضم الجنود و القادة و الخيل و المؤن و العائلات و كل ما يهم المدافعين حتى الماء متوفر بشكل جيد عبر البرك الكبيرة.
معذرة على الإسهاب ، و لكن الحقيقة أن زيارة الكرك ( منطقة الكرك ) ، بما فيها قلعة الكرك و الخنادق المحيطة بها و الأبراج المحيطة بالمدينة و الأودية المحيطة و الجبال المحيطة و مقامات شهداء مؤتة في المزار الجنوبي و جبل شبحان و آثار ذات رأس و محي و جبل الميسة شمال غرب مؤتة و سيل الكرك و آثار اللجون و شاطئ البحر الميت الجنوبي ، تجعل الزائر المتمعن المفكر يدرك عظمة التاريخ في الكرك و عظمة الجهود المبذولة في بناء هذه التحصينات و التي كانت تلعب دورا كبيرا في العصور القديمة و المتوسطة ، و من خلال هذا المقال فإنني أوجه الدعوة لأبناء الأردن و بلاد الشام و الهلال الخصيب و العالم كله لزيارة الكرك و الاطلاع على جهود الآباء و الأجداد للدفاع عن بلادهم أولا ثم الهجوم على الأعداء في المواقع المختلفة ، و لا أبالغ في نهاية هذا المقال إذا قلت أن من كان يحكم الكرك في العصور الوسطى كان يؤثر تأثيرا قوياً على الحكم في كل من دمشق و القدس و بغداد و القاهرة ، و التاريخ يشهد على ذلك ، و قد قال العلماء و الحكماء ( الجغرافيا هي العامل الثابت في صنع التاريخ ) .