الولاء العشائري يحول دون التقدم نحو الدولة المدنية
بداية كل شخص في المجتمع العربي هو من عائلة و العائلة من عشيرة سواء كانت هذه العشيرة كبيرة أو صغيرة ، و هذا من طبيعة نشأة المجتمع ، الأسرة ، العائلة ، العشيرة ، القبيلة ، و قد ورد في القرآن الكريم : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ .
و تفسير هذه الآية واضح و القصد هو التعارف ليعرف كل شخص من أين هو ، و لمن ينتسب و لأي منطقة ليسهل التعامل معه ، بالإضافة إلى التركيز على " أكرمكم عند الله اتقاكم " ، و أن الإنسان التقي هو مكرم عند الله و عند الناس .
و التقي هو الإنسان الصادق الأمين المؤمن بالله العظيم و الذي يعدل في أي موقع يكون فيه .
و اعتقد أن فكرة الفزعة غير مقصودة ، و كما هو معروف فقد تداخلت العائلات و العشائر مع بعضها البعض عن طريق الجوار و المصاهرة و المصالح المشتركة و أصبحت هذه العلاقات تعتمد التعاون لما فيه الخير و السعادة و الاحترام المتبادل في مجالات الحياة ، و ظهرت صداقات و انتشر التعليم و الثقافة ، و كثر التنافس على التعليم و العمران ثم لعبت القيم السمحة في تعاليم الإسلام و المسيحية و العادات العربية الأصيلة دورا في خلق عادات سليمة ، و بالتالي أصبح المجتمع مدنيا يحكمه القانون الذي يحكم بين الناس بالتساوي .
و لكن ما يشد المجتمع الأردني للورا في كثير من المجالات هو الولاء العشائري الذي يحول دون التقدم لبناء الدولة المدنية فترى أن البعض عندما يتولى مركزا هاما في الدولة يركز معظم اهتمامه لخدمة بعض أبناء عشيرته و ذويه سواء بقراراته أو بالتوسط لدى المسئولين الآخرين عن طريق التبادل بالوساطات .
و هذه ظاهرة لا يمكن إنكارها و مورست من قبل أشخاص كثيرين في مختلف العقود السابقة و لا يزال البعض يمارسها و هذه التصرفات هي للحصول على جزء اكبر من المكاسب لعشيرته و ذويه على فكرة كما يقال " المشمشة " ، و هي فترة إشغال موقعه كمسئول .
و يظهر هذا جليا عندما ينجح النائب بفضل تجمع عشيرته عليه على أساس عشائري و ليس على أساس سياسي أو حزبي ، و بالتالي يشعر هذا النائب انه مدين بمركزه لعشيرته فقط ، و بالتالي فهو يسعى بكل جهوده لتسديد دين العشيرة ضاربا عرض الحائط بمصالح بقية الشعب الأردني من الرمثا شمالا إلى العقبة جنوبا ، في حين أن المطلوب من المسئول أن يكون تقيا صالحا أمينا حازما واسع الأفق واسع الثقافة ، مشبع بالوطنية و حب الخدمة العامة ، علما بان الكثير من المسئولين يسيرون على هذا المنوال على حساب المصلحة العامة .
و عليه فان عجلة التقدم نحو بناء الدولة المدنية دولة القانون و المؤسسات تتعطل بسبب الولاء العشائري ، و باعتقادي أن صاحب الولاء العشائري لا يستحق أن يتولى مسؤولية عليا لخدمة الشعب الأردني ، و إذا أراد ابن العشيرة الولاء للعشيرة فعليه أن يمارس هذا الدور من موقعه كشيخ لعشيرته في قريته أو مضاربه و ليس من موقعه في الوزارة أو الدائرة أو البرلمان ، و هذه نقطة ضعف أساءت لتقدم الأردن لتحقيق الدولة المدنية ، حيث أن هناك من يمارس النخوة العشائرية من على كرسي الوزارة ، و هل الناس الذين ليس لهم وزير تهدر حقوقهم و أين يذهبون ؟
علما بأنه عندما يكون عادلا و نزيها في قيامه بمهامه يكون موضع افتخار لأبناء عشيرته و أصدقائه و ذويه لأنه يفضله مصلحة الشعب و الوطن على المصلحة الخاصة و مصلحة العشيرة .
و كما هو معروف تأتي وزارة و يأتي نواب و تذهب وزارة و يذهب نواب و يتغيرون باستمرار و لكن المنهج واحد حيث أنهم بلا خطة عمل ، و لا خطة إصلاح ، و لا خطة تقدم ، و لا برنامج للعمل ، و لا فريق عمل له منهج وطني .
و نرى في كثير من مواقع المسؤولية أفرادا يأتون و يذهبون و هم غير مستقرين و يسعون لتحقيق أكثر ما يمكن من المكاسب الشخصية و العشائرية و الشللية دون الاهتمام لمصالح الدولة و هكذا .
على انه يستثنى الكثير من الشخصيات الأردنية التي أشغلت مراكز حساسة من رئاسة الوزارة و الوزارات و مركز النيابة و رئاسة بعض المؤسسات و الشركات و كانوا مثال الصدق و الأمانة و العدل و الحزم و أدوا دورهم على أحسن وجه دون تسمية الأشخاص ابتعادا عن الحساسية و كان هذا الصنف من الرجال يتمتعون باحترام الناس لحسن أدائهم وكان همهم خدمة الوطن أولا و ليس العشيرة أولا ، و قد عاشوا عيشة عادية و لم ينبهروا بالمركز و لم ينحرفوا عن السلوك الحسن و الأخلاق الفاضلة.
ما أود الوصول إليه من هذا المقال هو الدعوة الهادفة لأصحاب القرار و الذين هدفهم تقدم الشعب الأردني للوصول للدولة المدنية التي يسودها القانون ، و القانون فوق الجميع ، و ذلك عن طريق :
1- الدعوة إلى مؤتمر وطني أردني عام ، يضم أصحاب الرأي من الناس الصادقين المؤمنين بتقديم الشعب الأردني نحو الدولة المدنية ، و تحسين اختيارهم ليعقد في الجامعة الأردنية لمدة خمسة أيام لرسم السياسة الداخلية للأردن و تحسين المسار العام و انجاز قانون أحزاب متفق عليه ، ثم قانون انتخاب متفق عليه ، ثم التوصية بتعديل المناهج الدراسية في المدارس و الجامعات للتركيز على خلق المواطن الصالح المدني المتفهم المثقف ، البعيد عن التعصب العشائري أو الإقليمي أو العرقي أو الديني .
2- ثم يصدر بعد ذلك قرار حل كل الأحزاب في الأردن و السماح بتشكيل ستة أحزاب فقط و التشجيع على الانتساب للأحزاب .
3- ثم بعد فترة حل البرلمان و إجراء انتخابات نيابية نزيهة تعتمد على أن يكون المرشحون 75% منهم من المنتسبين للأحزاب و 25% مستقلين و بعد ظهور البرلمان يكلف احد رؤساء الأحزاب بتشكيل حكومة ائتلاف حزبي قادرة على العمل بكفاءة و عدالة بعيدة عن التعصب العشائري و الإقليمي و الديني و العرقي و تحكم بواسطة برنامج موضوع و معروف ويتصف الوزير فيها بالكفاءة و الحزم و العدل و الإخلاص لكل الشعب ، و بهذا يتقدم الشعب الأردني نحو الدولة المدنية دولة المؤسسات و القانون و تنشر الدولة المدنية ثقافتها و أهدافها بين الناس .
و ختاما ،، إذا وضعت الحكومة خطة جيدة شاملة لمعالجة قضايا المجتمع من الفقر و البطالة و المحسوبية و تحقيق العدل ، فان قضايا الناس تحل بمجملها و تسير الدولة على طريق التقدم العدالة و تتحسن أفكار الناس و يرتفع مستوى النظر للدولة و العدالة و يعيش الناس في مجتمع مدني متقدم تسوده العدالة و يساير التقدم في العالم المتمدن .