تطوير الديمقراطية باختيار أهل الرأي
جريدة العرب اليوم – الجمعة – 17/3/2000
لو رجعنا إلى كتب التاريخ التي أوردت لنا تطور المجتمعات في مراحل كثيرة متتابعة و تطور أساليب الحياة و طريقة إدارة شئون الناس لحياتهم و اختيارهم لأشخاص من بينهم يتولون إدارة شؤونهم ضمن مواصفات تتفق و ظروف المحيط المعاش فإننا نجد انه يظهر في مجتمع الناس شخص يبدو عليه منذ صغره بوادر الذكاء و الهدوء و الصبر و معرفة بأحوال الناس و ظروفهم و مراقبة ما يجري حوله و اطلاعه على طرق معالجة المشاكل التي تظهر في المجتمع من قبل أهل الرأي في ذلك المجتمع فان هذا الشخص يكبر و تكبر معه حكمته و تجاربه و ملاحظاته و تظهر عليه كذلك بوادر الثقة بالنفس من خلال صدقه و نزاهته و ابتعاده عن الموبقات التي يرفضها مجتمعه بالإضافة إلى دقة الملاحظة و معرفة نفسية الناس و حبهم لمصالحهم مع ابتعاده عن الأنانية و التعصب للآخرين و التضحية أحيانا في بعض مصالحه الخاصة و تسامحه عندما يتعرض لبعض التجاوزات ، كل هذه الصفات تجعل الناس من حوله يحترمونه و يرجعون إليه في حل خلافاتهم و إدارة شؤونهم ، و مع الزمن يصبح صاحب رأي في مجتمعهم و يصبح قائدا و من يتعزز مركزه باختياره أعوانا له من محيطه بحيث تكون صفاتهم قريبه من صفاته يستشيرهم في معالجة القضايا و يتعاونون على إدارة شئون المجتمع ، و مما تجدر الإشارة إليه أن مثل هذا الشخص و أعوانه الجيدين و غيرهم من أمثالهم هم قلة في المجتمع ، أما الغالبية العظمى من الناس فأنهم يسيرون في سبيل عيشهم ، و كل إنسان مسير لما خلق له .
بمعنى أن الغالبية العظمى من الناس ليست مؤهلة لاختيار أهل الرأي و القيادة لأن الغالبية غير واعية بسبب جهلها و اهتمامها بأمور عيشها و كل مجتمع على مر التاريخ يقوده و يدير شؤونه أهل الرأي فيه و ليس العامة .
و هذه حقيقة سارت عليها الشعوب و المجتمعات منذ آلاف السنين مع بعض الاختلافات حسب الموقع و درجة التطور الاجتماعي و القيم الموجودة في المجتمع و الديانات السائدة و ما يصدر عن الفلاسفة من آراء و أفكار .
و عودة إلى تاريخنا الإسلامي حيث نجد أن الرسول الكريم كان هو الذي يتولى شؤون المسلمين و يتعاون مع أهل الرأي في زمنه و لم يرد في سيرة الرسول و حكمه ما يشير إلى إعطاء أي أهمية لرأي الأغلبية ( و هو ما يسمى اليوم بالديمقراطية ) . كما انه على حد علمنا لم يعين خليفة له قبل وفاته ، بمعنى انه ترك لأهل الرأي في المجتمع تدبير شؤون الدولة و الناس .
و مع ذلك و عند الوفاة ظهر الخلاف على الخلافة من بعده ما بين الأوس و الخزرج و هما قبيلتان من الأنصار كما ظهر الخلاف بين المهاجرين و الأنصار كما ظهر الخلاف بين أبي بكر و عمر من جهة و بين علي بن أبي طالب من جهة أخرى ، و كان من المتوقع أن يظهر الخلاف و لكن ما حصل أن حسم عمر بن الخطاب الأمر بما له قوة شخصية و صفة قيادية و قوة المنطقة و أنقذ الموقف و بايع أبا بكر الصديق ثم بايعه الآخرون و لم تجر انتخابات و لم تساهم الأغلبية بالاختيار و على كل حال فان ما حصل يعتبر إحدى الطرق لاختيار القيادة و عندما أدرك الخليفة أبو بكر الصديق الموت نراه لم يستشر الأغلبية و على ما يبدو و لا غيرهم و لم يجر انتخابات ، و إنما اتخذ قراره معتمدا على قناعته و ثقته الشخصية و كان أن قرر " من بعدي عمر بن الخطاب " و هذا الأسلوب هو احد الأساليب لاختيار القيادة .
و عندما طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و شعر بدنو اجله نراه قد اختار بناء على ثقته و معرفته ستة من الصحابة ، و كلفهم بان يجتمعوا بعد موته ليختاروا من بينهم خليفة للمسلمين و فعلا هذا حصل ، حيث اختاروا عثمان بن عفان ، و هذا الأسلوب هو احد الأساليب لاختيار القيادة .
كما أن هناك أسلوب الوراثة كما جاء فيما بعد أثناء حكم الأمويين و العباسيين و الفاطميين و الأيوبيين و المماليك و العثمانيين و غيرهم ، و لا يزال أسلوب الوراثة متبعا في بعض الدول حتى الوقت الحاضر .
هذا ما جرى على مدى آلاف السنين حسب ما ورد في كتب التاريخ و السؤال هو هل تجربة آلاف السنين في اختيار أو تعيين القيادة غير واقعية و خاطئة ؟
و هل يثبت أن الديمقراطية التي لم يمض عليها أكثر من ثلاثمائة عام و لا تزال في معظم دول العالم تتعثر واقعية و صحيحة ، هذا الأمر بحاجة إلى دراسة تأخذ بعين الاعتبار الوضع النفسي و الثقافي و الاقتصادي و المعتقد الديني لدى الإنسان و هل من الممكن أن يكون نظام حكم معين يصلح لكل الشعوب أم أن لكل شعب و أمه خصوصية و أسلوبا يصلح له .
أما العرب و هم الأمة التي نزل عليها الإسلام و كتابهم القرآن الكريم فقد ورد من الآيات الكريمة ما يثبت أن القيادة لأهل الرأي و ليست للأغلبية و المطلوب هو معرفة و تحديد أهل الرأي و كيف و هذا هو عنوان المقال ، و هو حسب اعتقادي اختيار أهل الرأي من بين الطليعة المثقفة المتعلمة و قد يكون هذا الأسلوب صحيحا لتطوير الديمقراطية بما يتناسب مع الواقع و القيم العربية الأصيلة و مبادئ الدين الإسلامي الحنيف و تعزيزا لما ذكرت اجو أن أورد الآيات القرآنية الكريمة التالية :
1- ﴿ أم حسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ الفرقان (44) .
2- ﴿ نرفع درجات من نشاء و فوق كل ذي علم عليم ﴾ يوسف (76) .
3- ﴿ و هو الذي جعلكم خلائف الأرض و رفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما أتاكم﴾ الأنعام (165) .
4- ﴿ قل هل يستوي الأعمى و البصير أم هل تستوي الظلمات و النور ﴾ الرعد (16)
5- ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون أمنا يتذكر أولو الألباب ﴾ الزمر (9).
6- ﴿ يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولو الألباب ﴾ البقرة (269)
7- ﴿ و أن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله أن يتبعون إلا الظن و أن هم إلا يخرصون ﴾ الأنعام (116)
8- ﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات و الله بما تعملون خبير ﴾ المجادلة (11) .
9- ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ﴾ الزخرف (32)
10- ﴿ و إنك لعلى خلق عظيم ﴾ القلم (4) .
11- ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ الحجرات 13 ، و اتقاكم تعني الإيمان بالله و الصدق و الأمانة و العدل و حسن السلوك و هذه جميعها الصفات الأصلية لأهل الرأي .
12- ﴿ وكذلك أنزلناه حكما عربيا و لئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي و لا واق ﴾ الرعد 37 .
و على حد معرفتي فان مضمون الآيات القرآنية الكريمة يتلخص في الآية الكريمة ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ﴾ .
و عليه فان الوصول إلى معرفة أهل الرأي يتم عن طريق اختيارهم من قبل الطليعة المثقفة المتعلمة ، أي عن طريق تطوير الديمقراطية و وضع الصيغة التالية لقانون الانتخاب الأردني المقترح :
1- حق الانتخاب فقط لكل من يحصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة .
2- حق الترشيح فقط لمن يحصل على شهادة جامعية معترف بها و مضى على تخرجه من الجامعة عشر سنوات و عمره لا يقل عن 40 عاما لان هذه السن هي التي اختار الله رسوله الكريم محمد عليه السلام لنشر رسالة الإسلام ، و أن يعد دراسة عن منطقة و تصوره لتطورها و تقدمها لا تقل عن خمسين صفحة تجاز من قبل لجنة مختصة و أن يحصل على تزكية 50% من رؤساء بلديات منطقته .
3- كل من سبق له أن ترشح و نجح نائبا لا يحق له أن يترشح مرة ثانية لأنه يكون خلال مدة نيابته قد أعطى ما عنده و عليه أن يفسح المجال لغيره .
4- لا يجوز للنائب أثناء نيابته أن يشغل مركز الوزارة .
5- البدو جزء من الشعب الأردني و لا يجوز تخصيص مقاعد له ما يسرى على المناطق الأخرى يسري عليهم و لديهم أبناء متعلمون و من حقهم أن يترشحوا .
6- يجب في هذه المرحلة تخصيص كوتا للنساء و كذلك للأقليات القومية و الدينية .
7- يكون للناخب حق انتخاب نصف عدد النواب المخصص لمنطقته فإذا كان مخصصا لمنطقته أربعة نواب له الحق بانتخاب اثنين و إذا كان العدد مثلا خمسة فله الحق أن ينتخب ثلاثة و إذا كان العدد سبعة فله الحق أن ينتخب أربعة .
8- الانتخاب سري و كتابة .
9- الجهاز القضائي هو الذي يشرف على الانتخابات و الفرز و له أن يستعين بما يراه مناسبا من موظفي الدولة أو القطاع الخاص .
أما ميزات هذا القانون بالصيغة المذكورة و هي :
1- الحد من التأثير العشائري على انتخاب أهل الرأي .
2- منع التزوير بجميع أشكاله من خلال تثبيت صفة الناخب و المرشح و الأسلوب وسهولة الإجراءات و الدقة .
3- حق الناخب بانتخاب نصف المقاعد المخصصة لمنطقته يوفر إمكانية تشكيل أكثر من كتلة أو عدة كتل .
4- تجاوز الإحراج حول الصوت الأول فمن حق الناخب أن يعطي الصوت الأول تحت أي ضغط و لكن له حرية في إعطاء الأصوات الأخرى و التي يكون للوطن و الكفاءة دور كبير فيها .
5- الحد من السيطرة و شراء الأصوات لان الطليعة و التي تمارس التصويت بما لديها من علم و ثقافة و معرفة لدور النائب و أهمية تشكل حصانة إلى حد ما ضد المغريات التي كانت تؤثر سلبيا على الأغلبية الغير متعلمة سابقا .
6- تتولى الحكومة و أجهزة الإعلام من تلفزيون و إذاعة و جرائد و مجلات و نشرات و ترتيب ندوات و لقاءات لكل المرشحين دون تمييز و تعريف الناخبين بهم مع التركيز على أهمية النائب في رسم سياسة الدولة و مراقبة السلطة التنفيذية و المسئولة في تشريع القوانين للصالح العام .
و أخيرا أن ما ورد هي وجهة نظر قابلة للنقاش و الحوار و التعديل و اخذ ما يراه أصحاب القرار مناسبا منها و حذف ما تراه غير مناسب عند وضع قانون انتخاب جديد .