الديمقراطية .. الواقع
مفهوم الديكتاتورية على الغالب يعني أن هناك مجموعة من الناس بقيادة فرد أو عائلة أو حزب وصلت إلى سدة الحكم عن طريق السيطرة أو الغلبة أو الانقلاب ، و من ثم تحكم و تتحكم بمصير الشعب و الدولة و تتصرف حسب قناعاتها و تخوفاتها بحيث يضمن استمرار الحكم و كثير ما تتبع القتل و القمع و السجن و شراء الضمائر و تقوية أجهزة الأمن و المخابرات بما يحقق لها الاستقرار و التحكم في البلاد و العباد .
و مما تجدر الإشارة إليه أن جميع المذاهب و الأفكار السياسية و أنصار الديمقراطية " حكم الأكثرية " ، و الأحزاب المختلفة كلها تقف ضد الديكتاتورية "أي حكم الفرد أو الفئة " ، و تدعو إلى الديمقراطية "حكم الأغلبية" ، و يكاد يكون مفهوم الديمقراطية "حكم الأكثرية" هو السائد و المطلوب على اعتبار أن الديمقراطية هي الحكم المثالي الذي يحقق اكبر قدر من العدالة بين الناس ، و على كل حال فمفهوم الديمقراطية مفهوم حديث .
و من باب حرية الرأي ، و الرأي الآخر فاني أقول أن الديمقراطية "حكم الأكثرية" ، ليست الكم المثالي و العادل و أن عليها الكثير من المآخذ و قد تناسب مكانا و زمانا و لا تناسب مكانا و زمانا آخر و إني أورد هان ما يناقض الديمقراطية :
في القران الكريم :
1- ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون أمنا يتذكر أولو الألباب ﴾ الزمر ، 9 .
2- ﴿ يرفع الله الذين امنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات و الله بما تعملون خبير ﴾ المجادلة
3- ﴿ يا أيها الناس إنا خلقنكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعرفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ﴾ الحجرات ، 15 .
4- ﴿ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ﴾ البينة ، 7 .
5- ﴿ و أن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله أن يتبعون إلا الظن و أن هم إلا يخرصون ﴾ الأنعام ، 116 .
6- ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ الفرقان 44 .
7- ﴿ و لتكن منكم امة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون ﴾ آل عمران ، 104 .
الديمقراطية التي يتغنى بها العالم اليوم و أن الذين كان يقرر الأحداث و الحروب و الغزو و الصلح و الفتح و القتل و النهب و السلب و السجن و التدمير و الحرق هم القادة و أعوانهم و هؤلاء فئة قليلة جدا ، و ما العامة إلا مجال لتصرفاتهم و وسائل لتنفيذ رغباتهم التي تنبع من أخلاقهم و قناعاتهم و مزاجهم و ردود أفعالهم على أفعال الآخرين و التاريخ يشهد على ذلك ، و من يعود للتاريخ القديم و المتوسط و الحديث و يدرسه فسيجد حقيقة أن لا وجود لرأي الأغلبية و لا ذكر لما يشبه الديمقراطية .
الواقع :
من خلال نظرة متفحصة على الواقع الذي تعيشه الأمم و الشعوب حتى التي تتغنى بالديمقراطية على اعتبارها اقرب الطرق إلى العدالة فإننا نجد في أي بلد في الدنيا سواء كان العالم المتمدن ، أو العالم الثاني و العالم الثالث نرى الأكثرية في كثير من الأحيان سواء كانت أكثرية قومية أو دينية أو مذهبية أو حزبية أو إقليمية أو محلية أو عشائرية أو حتى عائلية تصل إلى الحكم و بالطريق الديمقراطي المشار إليه فإنها تمارس البغي و السيطرة و الظلم و الإجحاف بحق الأقليات الموجودة فيها سواء كانت هذه الأقلية قومية أو دينية أو مذهبية أو إقليمية أو عشائرية أو حزبية و تبغي عليها وتعاملها على أساس أن مواطني هذه الأقليات من الدرجة الثانية أو الثالثة لا لشيء إلا لأنها أقلية و تحرمها من حقها بالوصول إلى بعض المراكز العليا و يجري التعامل من قبل الأكثرية "الديمقراطية " ، ضد الأقلية من أي جهة بطريقة فوقية متعالية حسب قول الشاعر :
فغض الطرف انك من منير فلا كعبا بلغت و لا كلابا
" منير عشيرة صغيرة ضعيفة"
و هذا يعتبر تعاليا و نظرية فوقية و حرمانا من الحق و المواطنة تمارسها الأكثرية ضد الأقلية .
كما يشير قول الشاعر مفتخرا بقبيلته :
ملأنا البر حتى ضاق عنا و ماء البحر ملؤه سفينا
و نشرب أن وردنا الماء صفوا و يشرب غيرنا كد و طينا
و هنا نرى أن الظلم يرافق القوة و هو ظل لها ، و قد قال الشاعر :
و الظلم من شيم النفوس فان تجد عادلا فلعله ما لم يظلم .
و الحقد يرافق الضعف و هو ظل له ، و هذا ما هو سائد في العالم الثالث ، و تمارس الأكثرية ظلم الأقلية باستمرار و على مدى حقب التاريخ ، و تعبر الأكثرية أن من حقها الاستئثار بالمكسب و لا يحق للأقلية أن تنافسها على مواقعها و كما يقول المثل " الأقوياء" يفعلون ما يشاءون و الضعفاء يعانون و هذا قدرهم" ، و قد انتقل هذا المفهوم من الماضي إلى الحاضر ، و في هذا السياق لو رجعنا إلى الأردن منذ سنة 1931 حتى اليوم ، فان العشائر الكبيرة القوية في أي منطقة من مناطق الأردن تعتبر أن التمثيل النيابي و المراكز العليا من حقها و لا يحق للعشائر الصغيرة منافسة العشائر الكبيرة ، و يسود الشعور لدى العشائر الكبيرة بالقوة و السيطرة و العزة على المستوى اليومي أو التعامل العادي ، أو الانتخابات النيابية أو البلدية أو الوصول إلى المراكز العليا ، و مثال بسيط أورده فلو قرر ابن عشيرة صغيرة أن يترشح في مجال سيطرة عشيرة كبيرة ، فان التحديات توجه لهو تذكره بان عشيرته صغيره و لا يحق لها منافسة ابن العشيرة الكبيرة و يرد القول الموجه إليه : أن عشيرتك لا تعبئ باصاً و ليس من حقك الترشيح ، و هذا يشكل ظلما و بغيا من الأكثرية على الأقلية متناسين قول الشاعر :
تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها أن الكرام قليل
و هذا لا يزال قائما و لا يوجد ما يشير إلى تحسن الوضع و معاملة المواطنين في الدولة بالتساوي و هذا يعني انه لن يتاح لأصحاب المؤهلات من أبناء العشائر الصغيرة شرف المساهمة في خدمة بلادهم لأنهم يعتبرون في رأي الأكثرية مواطنين من الدرجة الثانية بالإضافة لاحتكار أبناء الذوات لكثير من المراكز الحساسة و اعتبارها إرثا لهم عن آبائهم .
و هناك أمثلة كثيرة و كثيرة على ديكتاتورية الأكثرية و مطالب الديمقراطية و هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة من قبل أهل الرأي و أصحاب الفكر و رجال القانون لوضع القوانين و الشروط التي تساوي بين الناس .
بقي نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها و هي حالة اتصال بعض الأقليات في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج سواء كانت هذه الأقليات قومية أو دينية أو مذهبية أو حزبية أو عشائرية أو حتى عائلية و بسبب شعورها بالحقد و الظلم و حرمانها من كثير من الحقوق و الغبن الذي يشعر به أبناءها أن لا مجال أمامها لتغيير الواقع الذي تشعر انه واقع مرير إلا الاتصال بالجهات الخارجية و التعاون معها و تقديم التسهيلات لها لعل في قدومها يأتي الفرج الذي يعيد لها حقوقها و يحقق كرامتها و مهما كانت هذه الاتصالات فإنها تزداد مع ازدياد الظلم و الطغيان و لا يستهان باتصالاتها إذا لم يتداركها رجال البلاد و عقلاؤها و حكامها و مفكرون و المشرعون فيها لأنها ستكبر و تكبر و ينتج عنها ما لا يحمد عقباه و هناك شواهد في كثير من أنحاء الوطن العربي و ألحقت بالبلاد دمارا و خرابا و قد قال الشاعر :
أرى خلال الرماد وميض نار و يوشك أن يكون لها ضرام
فان لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام
و قد أكدت التجارب عبر التاريخ و لا تزال أن أهل الرأي و المشورة هم الذين يتداعون لحل قضايا مجتمعاتهم و لا رأي للأغلبية .
و هذه دعوة إلى كل دولة عربية من المحيط إلى الخليج أن تستدعي مفكريها و عقلاءها و رجال التشريع و القانون و قادة الأحزاب و السلطة و المعارضة فيها للبحث في حقوق الأقليات فيها من أي نوع و توفر هم من خلال الدستور و القانون حقوقها الكاملة المشروعة التي تجعلها تشعر بان الوطن للجميع دون إجحاف بحق أي فئة من فئات المجتمع و يحفظ امن الدولة من التدخل الخارجي .