واقع مرير
مجلة الأفق الأردنية - 2/9/1992
مصر كانت في زمن عبد الناصر قائدة الأمة العربية ، و تدعو إلى حرية الشعوب العربية و وحدتها وقد صفق الشعب العربي في كل مكان لمبادئ مصر عبد الناصر ، ثم تحولت فيما بعد إلى حليف مع أميركا و بريطانيا و فرنسا و أبرمت سلاما منفردا مع إسرائيل و تركت العرب بدون مصر مما أدى إلى إضعافهم و تفرقهم و إذلالهم .
العراق كان دولة قوية متقدمة غنية و بدأت بالأخذ بناصة العلم الحديث و بنت جيشا قويا و اقتصادا متينا ، و بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية و الوحدة العربية جرى التآمر عليه من قبل ذوي القربى و الصهيونية و أميركا و بريطانيا و فرنسا و جرى ضرب منجزاته و اقتصاده و العمل جاري على سلب سيادته الوطنية و تقسم أراضيه.
دول الخليج كانت دولا غنية بالمال و كانت تقدم المساعدات إلى الدول العربية المحتاجة ، تحولت بعد أزمة الخليج إلى دول تحت الحماية الأميركية و البريطانية و الفرنسية ، و فقدت الكثير من سيادتها ، و مستقبلها يسير نحو المجهول .
الجزائر بعد نجاح ثورتها كان من المؤمل أن تلعب دورا عربيا جيدا في الدفاع عن القضايا العربية و تحقيق التضامن العربي و لكنها ، تحولت إلى دولة تفتقر إلى الأمن الداخلي و الاقتصادي و كثرت فيها الاضطرابات .
الثورة الفلسطينية بدأت بهدف تحرير فلسطين التي احتلها الصهاينة سنة 1948 ، و هذا هو الهدف المعلن و بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية و الجولان و قطاع غزة سنة 1967 وتطور الأوضاع في الوطن العربي بالضعف و التراخي تحولت للمطالبة بإعادة الضفة الغربية و قطاع غزة و كانت هذه الأراضي مع العرب قبل العام 1967.
و هاهي الأمور تسير نحو الأسوأ كما نشاهد و نرى و من المحتمل أن تسير نحو الأسوأ أكثر و أكثر ، و لا اعتقد أن عاقلا يتوقع الأفضل على المدى القريب .
لبنان كان يسمى سويسرا الشرق و كان بلد الحرية و الصحافة و المنفيين و الهاربين من الظلم و طالبي العلم و من أحسن المناطق السياحية في الشرق تحول إلى عشائر متقاتلة و أحزاب و طوائف تفتقد الاستقرار و الأمن .
الأردن البلد الصغير الفقير استقبل ثلاث هجرات فلسطينية إلى أراضيه حتى أصبح عدد الضيوف أضعاف عدد السكان الأصليين و الضيوف و السكان الأصليين بدون موارد و زاد الطين بله ، الحصار الذي يفرض على الأردن بسبب مواقفه المبنية على قناعاته ، و هناك المديونية و البطالة و الفقر ، و جاءت الديمقراطية لتكشف خللا كبيرا في التربية الوطنية و الدينية عرف نم خلال النتائج التي ظهرت .
و أصبح المواطن العادي يقف مذهولا لا يعرف ماذا يعمل و لسان حاله يقول :
كفارس تحت القتار لا يستطيع الانتصار ، و لا يطيق الانكسار .
من خلال ما تقدم أصبح الحال يدعو إلى المرارة و الإحباط و اعتقد أن الجميع بما فيهم الزعماء و القادة و المفكرين و الناس العاديين يدركون هذا الواقع المرير وكل منهم بداخل نفسه يسأل : ماذا جرى ، و ما هو الحل ، و كيف السبيل إلى الخلاص و الخرج من هذا المأزق .
أن مجرد التساؤل هذا هو بحد ذاته يهدف إلى العثور على حل قد يكون بعيدا و لكن على كل حال فالأمة لن تموت ، و سوف يكون حال آخر في المستقبل .