نأمل بوحدة بلاد الشام
جريدة المجد -
منذ آلاف السنين و بلاد الشام و التي تتكون من سوريا ولبنان و فلسطين و الأردن وتبلغ مساحتها 300 ألف كيلو متر مربع كما يبلغ عدد سكانها اليوم ثلاثين مليون نسمة ، و يحدها من الشمال جبال طوروس التي تفصلها عن تركيا و يحدها من الجنوب شبه جزيرة العرب كما يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط و يحدها من الشرق العراق .
منذ آلاف السنين و هذه البلاد ( بلاد الشام ) تشكل بلدا واحدا و على الغالب تقوم فيها دولة واحدة ، دولة قوية من حيث عدد السكان و من حيث الاقتصاد و من حيث الزراعة و القوة العسكرية ، و تتوفر فيها الأراضي الزراعية الواسعة و الأنهار والسهول و الجبال و الهضاب و الموانئ و المعادن و الصحاري و البحر و الموقع ، بالإضافة إلى ريادتها في إغناء الحضارات القديمة و موقعها المتوسط بين قارات العالم القديم الثلاث آسيا ، أفريقيا و أوروبا ، و من بلاد الشام و عن طريقها انتشرت الديانات الأرضية و السماوية و لعبت بلاد الشام أدوارا فعالة في انتشار الحضارات بين الأمم و الشعوب منذ آلاف السنين .
ما أود الوصول إليه هو أن وحدة بلاد الشام ( بأقطارها الأربعة اليوم ) تشكل دولة قوية اقتصاديا و تجاريا و عسكريا و سكانيا بالإضافة إلى وحدة اللغة و الانتماء الواحد للعروبة و الإيمان بالله و عمل الخير و المساهمة مع أمم الأرض في نشر العدل و الخير و التسامح على وجه الأرض .
و لا يخفى على المهتمين من أن وحدة بلاد الشام بالإضافة لما تحققه من خير و قوة و عدل لأهل الشام ، فان هذه الوحدة هي الخطوة نحو الوحدة مع العراق و من ثم مع الجزيرة العربية بحيث تتكون من هذه المناطق الجغرافية الثلاث الشام ، العراق ، و الجزيرة العربية ، دولة الولايات العربية المتحدة ، حيث يكون سكانها حوالي 80 مليون نسمة و مساحتها 3.432.000 كيلو متر مربع ، و هذه الدولة محاطة بحدود طبيعية ثابتة منذ آلاف السنين ، حيث يحيط بها البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر من الغرب و المحيط الهندي من الجنوب و جبال زاغروس التي تفصلها عن إيران والخليج العربي من الشرق و جبال طورس التي تفصلها عن تركيا من الشمال ، يضاف إلى ذلك موقعها المتوسط بين القارات القديمة الثلاث ، و من هذه المنطقة ظهرت و انتشرت الديانات السماوية الثلاثة اليهودية و المسيحية و الإسلامية ، و بما لها من تاريخ عريق و وحدة اللغة و المصالح و الانتماء ، و ما فيها من انهار و سهول و جبال و بحار و صحاري و هضاب و بوادي و مناخ جيد و معادن مختلفة و بترول ، مما يجعل هذه الدولة قوية و نموذجية ، حيث السير على طريق العقل و العلم و العمل و العدل ، و يشع منها العدل و التسامح للعالم ، و لا تحارب خارج حدودها ، و تشترك في الأحلاف العسكرية و تقف بالرأي مع الحق و العدل دون المشاركة و الانحياز و إرسال الجنود للخارج ، و يصدق فيها ما ورد في القرآن الكريم ﴿ كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله﴾.
إن الحديث عن هذه الوحدة يثلج صدر كل عربي حر ، لان المودة تحقق للأمة شخصيتها و كرامتها و العيش الكريم لأبنائها ، و بالوحدة تكثر المنافع و تنتشر السعادة بين الناس ، كيف لا و قد أثلج صدر كل أردني و سوري و عربي حر أينما كان تدفق مياه سوريا إلى الأردن لتسد حاجته و تروي عطشه .
لقد كان موقفا سوريا ارتفع لمستوى الأخوة العربية عند الحاجة و قد صدق قول الشاعر :
بلادي و أن جارت علي عزيزة و أهلي و أن ضنوا علي كرام
أن هذا الحدث و هو تزويد سوريا للأردن بالماء هو بمفهوم الناس العاديين الذين لم تلعب بهم الأهواء الغريبة ، أن مياه الشام انسابت إلى بلاد الشام ، و هذا هو الأمر الطبيعي ، أي أن كل الناس في بلاد الشام الأقطار الأربعة ، لهم حق في كل ما هو موجود في بلاد الشام ، سواء كان ماء أو مالا ، أو خضروات أو فواكه أو بترول أو بوتاس أو اسمنت أو فوسفات أو مصايف أو شواطئ أو جامعات أو عناية صحية أو عمل أو أي وسيلة لكسب العيش لان الناس لا يهمهم كثيرا الخلافات التي قد تحصل بين المسئولين بين الفينة و الأخرى ، و ليس لهم دور في حصول هذه الخلافات و أمنا يهمهم مصالحهم التجارية و الزراعية و الثقافية و الانتماء للوطن الواحد و الإيمان بالقيم العربية النبيلة و مبادئ الإسلام الحنيف .
و يحضرني في هذا المجال أن أتذكر الأهزوجة الشعبية التي كانت تذاع من راديو القاهرة و سمعها من عايش أيام الوحدة ما بين سوريا و مصر عام 1958م ، و التي تقول ( مع الإشارة إلى أن القاف في الأهزوجة تلفظ باللهجة العامية ..
إنا واقف فوق الأهرام و قدامى بساتين الشام
أشاهدها و أهالي كرام يقولوا لي قرب يا زين
هذا الشعور الشعبي الجياش لتأييد الوحدة العربية لا يزال قائما بين الناس ، لأنهم يعتقدون أن في الوحدة القوة و الخير و إسعاد الناس ، و رغم ذهاب القادة حينذاك مثل جمال عبد الناصر و شكري القوتلي ، فلا يزال الإيمان بالوحدة قائما ، لان الشعوب تبقى و مصالحها الحقيقية باقية ، و لكن الحكام و القادة يذهبون بعد أن يكونوا قد لعبوا دورهم في مرحلة عابرة من الزمن في حياة الشعوب .
و القادة المخلدون في ذاكرة الشعوب ، هم الذين يؤدون واجباتهم في العمل على بناء وحدة الأمة ، و السير نحو الوحدة بالخطوات الممكنة ، و من يكملون الطريق بخطوات جديدة حتى الوصول إلى الوحدة المنشودة التي تبني قوة الأمة و شخصيتها وتنشر السعادة بين الناس .
و قد قال احد الحكماء اليونانيين القدماء : "لكي تكون سعيدا عليك أن تكون فاضلا"