أهلا بمياه الشام
جريدة العرب اليوم - 21/6/1999
منذ آلاف السنين و بلاد الشام و التي تتكون حاليا من سوريا ولبنان و فلسطين و الأردن وتبلغ مساحتها جميعا 300 ألف كم2 ، و سكانها حوالي 30 مليون نسمه ، والتي يحدها من الشمال طورس التي تفصلها عن تركيا و يحدها من الجنوب شبه الجزيرة العربية و يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط و يحدها من الشرق العراق .
منذ آلاف السنين و هذه البلاد تشكل بلدا واحدا و من هذه البلاد انطلقت و انتشرت الديانات السماوية الثلاث اليهودية و المسيحية و الإسلامية ، و ساهمت هذه البلاد مساهمة فعالة في الحضارة العالمية و التاريخ يشير إلى أن دولة بلاد الشام على ممر العصور كانت تلعب دورا فعالا في منطقة الشرق الأدنى .
و هذه الدولة تتوفر فيها كل مقومات الدولة القوية من النواحي السكانية و الاقتصادية الزراعية و العسكرية ، و موقع هذه الدولة متوسط بين قارات العالم القديم الثلاث : آسيا و أفريقيا و أوروبا .
و في هذه البلاد ظهرت الحضارات القديمة و انتشرت ، و بلاد الشام من أخصب بقاع الأرض حتى انه كان يطلق عليها اسم ( إهداء روما ) ، أي أن عاصمة الدولة الرومانية القديمة كانت تعتمد في تموينها من الحبوب و الخضار على بلاد الشام.
ما أود الوصول إليه هو أن وحدة بلاد الشام تشكل دولة قوية اقتصاديا و تجاريا و عسكريا ، لان كل مقومات الدولة متوفرة فيها من أراض زراعية و انهار و جبال و صحار و سهول و هضاب و موانئ و عدد السكان و الموقع و الأمطار و الأماكن الأثرية و مؤشرات الحضارات القديمة بالإضافة إلى وحدة الناس من حيث الثقافة و الدين و اللغة و التاريخ المشترك و من ثم المصالح المشتركة من السكان المجاورين سواء في العراق أو الجزيرة العربية أو تركيا أو مصر ، و وحدة بلاد الشام هي الخطوة نحو تحقيق الوحدة مع العراق ثم الجزيرة العربية بحيث ستحقق الوحدة العربية بين الشام و العراق و الجزيرة العربية دولة قوية بموقعها و إمكانياتها و حدودها و سكانها الذي يبلغ عددهم ثمانون مليون نسمة و مساحة قدرها 3.432.000 كيلو متر مربع ( دولة عربية ) ، محاطة بحدود طبيعية ثابتة على مدى الأزمان حيث يحيط بها البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر و المحيط الهندي و الخليج العربي و جبال زاغروس التي تفصلها عن إيران و جبال طوروس التي تفصلها عن تركيا .
هذه المنطقة الغنية القوية المتوسطة ذات التاريخ العربي و المؤثرة في العالم على مر العصور تنشأ فيها دولة قوية غنية عادلة توفر العيش الكريم لسكانها و تسير على طرق التقدم و لا تعتدي على أي طرف و لا تشترك في الأحلاف مع الأجنبي و لا تحارب خارج حدودها مهما كان السبب ، و تصبح هذه الدولة دولة نموذجية في العالم من حيث السير على ريق العقل و العلم و العمل و العدل و يشع نمها العدل و الخير و التسامح و التعاون إلى كل أنحاء العالم و تصدق فيها الآية الكريمة ﴿ كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ﴾ .
أن الحديث عن وحدة العرب يثلج صدر كل عربي حر ، لان الوحدة تتحقق للأمة شخصيتها و كرامتها و العيش الكريم لأبنائها ، كيف لا و قد أثلج صدر كل أردني و سوري و لبناني و فلسطيني ( أبناء بلاد الشام ) تدفق مياه سوريا إلى الأردن لتسد حاجته و تروي عطشه و صدق قول الشاعر :
بلادي و أن جارت علي عزيزة و أهلي و أن ضنوا علي كرام
يعني بمفهوم الناس العاديين الذين لم تلعب بعقولهم الأهواء الدخيلة ، إن مياه بلاد الشام إنسابت إلى بلاد الشام ، أي أن كل الناس في الاقطار الاربعة المكونة لبلاد الشام لهم حق في كل ما هو موجود في بلاد الشام ، لان الناس في بلاد الشام لا يهمهم كثيرا الخلافات التي قد تنشأ أحيانا بين القادة و الجميع يعرف انه ليس للشعب ( للناس ) ، دور في هذه الخلافات و بأن مصالح الناس هي في تعاونهم التجاري و الزراعي و الثقافي و الانتماء للوطن و القيم العربية و مبادئ الإسلام ثم الإخوة .
هذا الشعور الشعبي الجياش بتأييد الوحدة لأنهم يعتقدون أن في الوحدة القوة و الخير ، و لا يزال هذا الشعور موجود لدى الناس رغم ذهاب القادة حينذاك مثل جمال عبد الناصر و شكري القوتلي ، لان الشعوب تبقى و الحقيقة تبقى و المصالح باقية و لكن الحكام و الساسة يذهبون بعد أن يكونوا قد لعبوا دورا في مرحلة عابرة من الزمن في حياة الشعوب و الأمم و التي تعرف في النهاية الطريق الصحيح نحو تحقيق الوحدة لان مصلحتها الحقيقية في الوحدة لأن الوحدة قوة و خير و قدرة على المساهمة في إسعاد الناس في العيش الكريم ، و الأمن و الحكمة الشعبية تقول : ( من يؤمن و يعمل فلا بد أن ينجح ) .