قل أن يصدر تقرير يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان يتناول الأردن، إلا وربط ذلك بمؤامرة تستهدف الأمن والاستقرار، وربما تسعى لإقامة الوطن البديل. سواء صدر عن منظمات دولية أم عربية أم
محلية. ولا يستثنى من ذلك تقرير مبادرة الإصلاح العربي الذي أعلن في بيروت الأسبوع الماضي.
وتصدر الأردن (في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان) قائمة الدول التي شملها التقرير برصيد نقاط بلغ 620 نقطة على مقياس من 0 إلى 1.000 نقطة، وتلتها المغرب برصيد 601 نقطة، ثم مصر و596 نقطة. أما لبنان فقد احتلت المرتبة الرابعة برصيد 583 نقطة، تلتها الجزائر برصيد 570 نقطة، ثم الكويت بـ553 نقطة. وحازت فلسطين على المركز السابع برصيد 506 نقاط وتبعتها سورية برصيد 461 نقطة، ثم اليمن برصيد 457 نقطة، بينما حلت المملكة العربية السعودية في المركز العاشر برصيد 402 نقطة.
كما لا يستدعي حصول الأردن على تقدير متدن إقامة مأتم من دون التدقيق في الأرقام، فإن تصدر الأردن للدول العشر لا يعني التعامل الاحتفالي. فالتقرير، الذي أعد الجزء المخصص للأردن الباحث الدكتور محمد المصري، وضع أربعة أسس للحكم على مقياس التحول الديمقراطي. الأساس الأول وجود مؤسسات عامة قوية لضمان المساءلة، والثاني احترام الحقوق والحريات، والثالث سيادة القانون، والرابع المساواة والعدالة الاجتماعية. فهو لا يتعامل مع جزئية الانتخابات وحدها. وتوزع تلك الأسس على 73 مؤشرا تغطي الوسائل الضرورية للتحول الديمقراطي والممارسات.
فمع أن الأردن كان الأول إجمالا، إلا أن الضعف الخطير ظهر في تدني ما حصل عليه في جانب "الممارسات الديمقراطية"، مثل وجود صحافة معارضة، والاعتقال التعسفي والمظاهرات، وإساءة معاملة المعتقلين، والإنفاق الحكومي على التعليم والصحة مقارنة بالدفاع والأمن، ووجود محاكم استثنائية.
هذا التفصيل للمنجزات والإخفاقات يضع خريطة طريق واضحة ومباشرة للإصلاح، ويأتي من جهة عربية، وليس من جهات غربية.
حال التحول الديمقراطي "جنينية" في العالم العربي، كما وصف التقرير، والأردن ليس بلدا ديمقراطيا وإنما "ينزع نحو الديمقراطية". والمهم هو الحفاظ على سلامة الجنين حتى يكتمل نموه وصولا إلى ميلاده، ونحن على مفترق طرق؛ إما ننتظر المولود وإما أن يتحول إلى "طرح" إجهاض مبكر.
وقد خلص التقرير إلى أن إحداث تغيير حقيقي في العالم العربي يقتضي تحولاً في ثلاثة مجالات هي:
-1 القوانين والعملية الانتخابية التي تجمع قطاعات المجتمع كافة وتقضي على ظاهرة التمييز.
-2 تطوير أنظمة ضريبية تستند إلى مبادئ فرض الضرائب التصاعدية والتوزيع العادل للثروات.
-3 تطوير نظام تعليمي على أسس أخلاقية واجتماعية متينة، يستند إلى مبادئ التعددية والعلمانية.
يحتاج التقرير إلى اهتمام إعلامي رسمي أكبر فهو في مجمله لصالح البلاد، ويقدم في الوقت نفسه تشخيصا قاسيا لمواطن القصور سبق أن رصدتها تقارير متآمرة أخرى!