الأحزاب في الأردن
جريدة الوحدة – الأربعاء – 20/11/2002
يوم الأربعاء الموافق 10/10/2001 ، نشرت لي جريدة الوحدة مقالا تحت باب مقاربات بعنوان " الأردن و الأحزاب " ، و للحقيقة أقول إنني أرسلت هذا المقال إلى ثلاث صحف يومية و لكنها لم تشره ، و نشرته الوحدة ، و هو يطرق موضوع الحزبية و الأحزاب في الأردن ، و هو نفس الموضوع الذي يطرق الآن و يكتب عنه المقالات من كثير من قيادات الأحزاب و المستقلين و ذلك بعد عام كامل على نشر المقال المشار إليه ، و باعتقادي أن المقال غطى كثيرا من المواضيع التي تتعلق بالحزبية و الأحزاب في الأردن , حتى أسماءها و عددها و الذي اكر أن الاقتراح كان هو أن لا يكون في الأردن إلا ستة أحزاب سميتها في المقال .
و على ضوء وما قرأت و سمعت و رأيت ، أن من الضروري أن أعود للكتابة عن الأحزاب في الأردن .
حسب معرفتي أن عدد الأحزاب في الأردن أصبح بحدود الثلاثين حزبا ، و كما هو معروف بان نشاط هذه الأحزاب محدود و تأثيرها على الرأي العام و على خط سير الحكومات ضعيف و ضعيف جدا ، حيث نلاحظ على مدى أكثر من ثمانين عاما و هي عمر الأردن ، لم تستطع هذه الأحزاب بشكل خاص و المعارضة بشكل عام أن تغير مجرى سير الحكومات على الإطلاق ، بل نرى أن ما تريده الحكومات و ما ترسمه و ما تعمله يحصل و لا تبالي لآراء المعارضة و لا الأحزاب ، و هذه الحالة معروفه على مدى أكثر من ثمانين عاما ، و كنا نلاحظ ن الحكومات تقوم بجذب بعض قيادات الأحزاب التي كانت تضع نفسها في خانة المعارضة تجذب بعض القيادات و توليها وزارة فسيتهدم بناء الحزب و تنشل حركته و تختلف قياداته ، و يعيش الحزب في أزمة تؤدي إلى ضعفه و انقسامه و تفرق أعضائه ، و هذا يدل على عدم الإيمان بالرب و مبادئه ، فان هذه القيادات تسعى لتحقيق مكاسب شخصية ضعيفة و أنانية .
بالإضافة إلى نزوع بعض قيادات الأحزاب و أعضائها للعشائرية التي لا تزال مع الأسف في التنظيم الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي الموجود في الأردن ، بحيث تزكون عين الحزبي على الحزب لتحقيق مآرب من وراء الحزب ، و عين على العشيرة و التي تواتيها الظروف في حالات معينة و يحقق من خلال العشائرية مآرب شخصية متلبسة بحزمة مصالح العشيرة ، و دون الاهتمام بمصالح الوطن و الشعب .
و للحقيقة أقول على ضوء ظروف الأردن السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لا يوجد حزبيون مؤمنون بمبادئ حزبهم إيمانا صحيحا بعيدا عن العشائرية إلا أعدادا قليلة تعد على الأصابع ، و هؤلاء على الغالب من عشائر صغيرة و ليسوا من عشائر كبيرة ثم أن الإيمان بالحزبية و الأحزاب ضعيف جدا في بلد هو صغير و فقير و يتلقى المساعدات من الخارج على مدى ثمانين عاما ، حيث لا يوجد اقتصاد وطني قوي ، و لا يوجد زراعة ناجحة تكفي حاجة السكان ، و لا يوجد صناعة كبيرة تجعل الأردن في مصاف الدول الصناعية ، و لا يوجد بترول يسد حاجة البلد ، كما لا يوجد ماء يسد حاجة الأردن ، أضف إلى ذلك كثرة المتعلمين في الأردن ، و انتشار البطالة و الفقر لدى أكثر من 70% من السكان ، أضف إلى ذلك أن الأردن البلد الصغير الفقير المحاط بأربع دول قوية و غنية و هي سوريا من الشمال ، و العراق من الشرق ، و السعودية من الجنوب ، و دولة الكيان الصهيوني من الغرب .
و على ضوء ما ذكرت ما هو دور الأحزاب في الأردن ، و ما ذا يستطيع أي حزب في الأردن أن يعمل حال وصوله للحكم طالما انه لا يوجد ثروة اقتصادية كافية يحقق الحزب أهدافه بواسطتها إذا ما وصل للحكم ، و للحقيقة أقول ، لا يستطيع أي حزب يصل للحكم في الأردن و لو حصل على الأغلبية في مجلس النواب أن يقوم بأي تحسن ملموس على وضع السكان الاقتصادي من خلال ما يرد في برامج هذا الحزب النظرية طبعاً .
و يجب أن لا ننسى جميعا انه على مدى التاريخ و آلاف السنين كانت الأردن و فلسطين و لبنان و سوريا بمجموعها بلدا واحدا و هذا البلد مساحته البالغة 300 ألف كلم2 ، و فيه انهار الأردن و بردى و العاصي و الفرات و الوزاني و الليطاني ، و ما فيها من موانئ تجاريه و أراض زراعية ، و أشجار و فواكه و مناخ جيد ، و مواقع سياحية ، و أماكن دينية للديانات السماوية الثلاث ، و الآثار التاريخية يجعل بلاد الشام بلدا ذا خيرات ، فسد حاجة السكان البالغ عددهم بحدود 40 مليون مع علاقاته التجارية مع الدول المجاورة و بلدان العالم ، مثل هذا البلد يكن أن ينشأ به أحزاب بعدد معقول ، و كل حزب له برامج على ضوء إمكانيات البلد الاقتصادية و السكانية و يكون قادة الأحزاب صادقين مؤمنين بما يعتقدون ، و معهم الرفان الذين يتعاونون معهم ، و يملكون مع الإرادة و التصميم و إذا وصلوا عملوا و حققوا برامجهم لما فيه صالح البلاد و العباد .
أما في الأردن ، و على ضوء الظروف الواقعية و الدولية فلا يوجد أمام أي حزب إلا هدفين فقط ، الأول : تحقيق أقصى حد من العدالة داخل الأردن ، بما يتناسب مع الثروة الموجودة بأي شكل ، و مع السكان ، و الهدف الثاني : تحقيق وحدة بلاد الشام على المدى البعيد ، و من ثم تحقيق وحدة الهلال الخصيب على المدى الأبعد ، و لا أهداف عملية غير ذلك .
على ضوء ما ذكرت فإني اقترح حل كل الأحزاب الموجودة و الاحتفاظ بأموالها لتوزع على الأحزاب التالية ، التي يسمح بتشكيلها في الأردن :
1- حزب العمل الإسلامي ، و يعتمد في برنامجه على القرآن و السنة و تجارب الدول الإسلامية على أن يضع برنامجا واضحا له ، يبين فلسفة الحكم و الإدارة و يطبع في كتيب و يوزع على الجامعات و المؤسسات و المدارس الثانوية و كل من يريد أن يعمل في السياسة و له توجه إسلامي أن ينضم لهذا الحزب .
2- الحزب القومي العربي يعتمد في برنامجه على أن العرب امة واحدة و يجب أن يسعى للوحدة و الاتحاد حسب الممكن ، و من خلال أي وحدة يمكن تحقيق العدالة بين الناس و يضع هذا الحزب برنامجا واضحا .
3- حزب البعث العربي يعتمد في برنامجه على أن العرب امة واحدة و تسعى للوحدة ، و من خلال الوحدة تتحقق الحرية و من ثم الاشتراكية أي أن تكون ثروة البلاد لكل السكان ، و لا يجوز أن يسمح لغير هذا الحزب في إطار هذا التوجه بالتشكيل على أن يضع هذا الحزب برنامجه بشكل واضح و فلسفة الحكم لديه ، و أسلوب تحقيق أهدافه ، و يوزع على الجامعات و المؤسسات و المدارس الثانوية و يعلن أن هدفه تحقيق الوحدة بالتدريج .
4- الحزب الشيوعي : و يعتمد كما هو معروف على العلمانية بعيدا عن الروحيات و الديانات و الخوف مما بعد الموت ، و أن الإنسان ينظم حياته يعيشها بعقله و علمه و عمله و عدله بموجب مؤسسات يبنيها الإنسان و يحكم خط سيره العمل الإنساني و يضع هذا الحزب برنامج سيره في كتيب بشكل واضح و يوزع على الجامعات و المؤسسات و المدارس الثانوية ليطلع عليه كل مثقف بحرية .
5- حزب الشعب الأردني : و يعتمد في برنامجه أن الناس يعيشون في الأردن البلد الفقير الصغير و هو جزء من أمته العربية ، و لكن مطلوب من سكانه أن يهتموا بشؤونهم المعاشية و السياسية و لا ينخرطوا في مشاريع الوحدة و الاتحاد و الشيوعية و الإسلامية والعربية و إنما يهتم هذا الحزب بشؤون البلاد ، و القيادة ، و حتى يحين تحقيق الوحدة العربية ، فإن هذا الحزب لا يعارض أي مشروع وحدة عربية حال تحققه .
6- الحزب الوطني الأردني : و هو اقرب في برامجه من حزب الشعب الأردني ، و يركز على خدمة القطر الأردني و الاهتمام بشؤونه من خلال برنامج واضح يطبع في كتيب و يوزع على الجامعات و المؤسسات و المدارس الثانوية ، و هو يرى أن وحدة العرب صعبة التحقيق .
يبقى المستقلون ، و هم الذين يرون خدمة البلد في جميع المجالات تأتي بروح الحياد ،و عدم الانحياز و خدمة الناس ، دون ميل لجهة ما ، على الغالب يكون رئيس الحكومة إما من المستقلين ، و إما من حزب الشعب الأردني ، أو من الحزب الوطني الأردني ، و لا مانع أن تشترك بقية الأحزاب في أي حكومة حسب البرنامج الذي تحصل على ثقة مجلس النواب بموجبه ، و كل حزب بحسب ثقله ، بقي نقطة هامة و هي أن تساهم وسائل الإعلام الحكومية و الشعبية في تشجيع هذه الأحزاب و تشجيع المثقفين بالانتساب إليها على اعتبار أن الحزبية هي شعور بالمسؤولية الوطنية ، و الانتساب لها يساهم في رفع شأن الوطن و تحقيق تقدمه ، و تشجيع الحوار بين كل الفرقاء بروح رياضية يتعلم الحزبيون من خلالها الإدارة و الحكم .
و أخيرا ،، فاني أورد هذا الاقتراح و هو ما أؤمن به إيمانا مطلقا ، و معه قناعة تامة تهدف المصلحة الوطنية و الحزبية و السياسية و المعارضة و المنطق ، و هو أن لا ينتسب إلى أي حزب من الأحزاب المذكورة و المسوح فيها إلا من كان يحمل شهادة الدراسة الثانوية العامة و ما فوق ، و ما دون ذلك له أن يكون نصيرا أو مؤيداً.