بصراحة .. لماذا لم تنجح الأحزاب في الأردن
جريدة المجد – 18 شباط 2008
بداية الأردن تاريخيا و جغرافيا هو جزء من بلاد الشام التي تضم سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و على مدى آلاف السنين و دولة الشام قوية بسكانها و جبالها و سهولها و مياهها و بواديها و موانئها ، و إنتاج الحبوب و الخضروات و القطن و الفواكه و كذلك بصناعتها على مدى التاريخ و هي ملتقى حضارات العالم ، و يشهد على ذلك الآثار الكثيرة مثل تدمر و بصرى و حلب و طرطوس و أم قيس و عمان و الكرك و البتراء و قصور الصحراء و بعلبك و صور ، و جبل الأرز و سبسطية و عكا و القدس و الخليل و الكثير الكثير ، و جميع هذه العوامل هي عوامل قوة الدولة ، و تبلغ مساحتها 300 ألف كم مربع ، و هذه الدولة فيها مقومات الدولة الأساسية من مساحة و سكان و موارد و انهار و إنتاج و شواطئ و صحاري و تكاد تكون مكتفية و تتبادل مع الدول الأخرى ما تحتاجه و تصدر ما يزيد عن حاجتها .
و لكن على اثر الحرب العالمية الأولى جاءت اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم بلاد الشام هذه إلى أربع دول هي سوريا و لبنان و الأردن وفلسطين ، و في سنة 1920 م كان سكان أمارة شرق الأردن 300 ألف نسمة معظمهم فلاحين و بدو و يكاد يكون هذه الأردن هو أفقر بلدان الشام من حيث الماء و القمح و الإنتاج و الشواطئ بالإضافة إلى قلة عدد السكان .
و قامت أمارة شرق الأردن ثم المملكة الأردنية الهاشمية ، و رغم الجهود لتحسين الإنتاج و الزراعة إلا أن الأردن يعتمد على المساعدات من الدول الأوروبية و أمريكا و اليابان و دول الخليج ، و رغم أن سكان الأردن أصبحوا حاليا بحدود الخمسة ملايين إلا انه بحاجة ماسة للماء و القمح و البترول و مساعدات أخرى و الحكومات المتعاقبة تقوم بإدارة البلاد معتمدة على الدول التي تقدم العون .
و على ضوء الظروف الأمر ذكرها ظهر في الأردن حوالي 30 حزبا و لا اعرف على ماذا يعتمد كل حزب في برنامجه لإدارة البلاد فيما لو كلف بتشكيل حكومة و لم نسمع أو نقرأ أن هناك برنامج واضح من أي حزب يوضح كيف يمكن أن يدير شؤون الناس و على ماذا يعتمد خاصة إذا كان هذا الحزب من الأحزاب اليسارية التي تناصب الغرب العداء بسبب انحياز الغرب لإسرائيل أو بسبب الحملة من أمريكا و الغرب ضد الحركات الإسلامية السياسية أو بسبب سيطرة الغرب على بلاد الشرق الأوسط و خاصة البترول العربي الذي يشكل مصدرا رئيسيا لسد حاجة الغرب الذي يدخل في منافسة مع روسيا و الصين على السيادة على العالم .
و أعود إلى أسباب عدم نجاح الأحزاب الأردنية و في هذا المجال لا أتطرق إلى 27 حزب في الأردن من الأحزاب التي ظهرت أخيرا و ليس لها أيدلوجية فكرية و ليس لها برنامج عمل و ليس لديها تجربة و لم توضح مبادئها و أهدافها و قواعدها و أسلوب إدارة البلاد ، بل سأقتصر على أربعة أحزاب ذات الأيدلوجية الفكرية التي لها امتداد في بعض البلاد العربية :
1- حركة الإخوان المسلمين : بدأت حركة فكرية دينية أخلاقية خيرية و لم يكن لها طموحات سياسية أو برامج سياسية ، و الترخيص الذي حصلت عليه من وزارة الداخلية سنة 1947 هو لإنشاء و إقامة جمعية إسلامية خيرية إرشادية ، و أيدتها الحكومة و استمرت حتى سنة 1958 و على اثر إحداث التغيير في العراق و حوادث الأردن شجعت الحكومات الأردنية جماعة الإخوان للتعرض للأحزاب اليسارية و خاصة البعث ، الشيوعي ، الناصري ، و هؤلاء لم يقصروا و اتهموا هذه الأحزاب بالكفر و الإلحاد و الارتباط بالخارج و خطبت على المنابر بتشجيع من الحكومات و كررت الآية الكريمة ﴿و هزم الأحزاب وحده ﴾ و استمر هذا التهجم و التشويه و التكفير من سنة 1958 حتى سنة 1989 و هذه المدة كانت كافية لتشويه صورة الحزبي عند الناس بحيث أصبحت الحزبية تهمة ضد الدين و الوطن و الشعب و ظهرت نتيجة ذلك في عدم استطاعة قيام أحزاب بعد 1989 و استمر الناس و المثقفون بالابتعاد عن الحزبية التي أصبحت سبة و مهما حاولت الحكومة بث روح العمل الحزبي بين الشباب فلا حياة لمن تنادي .
و بهذه المناسبة عندما اختلف تنظيم الأخوان مع الحكومة حول المؤتمرات السلمية ، مدريد ، و أوسلو ، و وادي عربة ، و طابا ، وقف تنظيم الإخوان لوحده بدون نصير قوي ، لأنها طفست الأحزاب و أضعفتها و عندما احتاجتها لتقف معها لم تجدها لأنها شبه ميتة ، و صدق القول ( إلا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) ، و ها هي حركة الإخوان المسلمين في تراجع مستمر لأنها لم تضع برامج واقعية لإدارة الحكم و ليس لديها خطة عمل ، و لأنها خسرت الثقة بها من قبل الأحزاب اليسارية نتيجة موقفها السابق و لأنها رفعت شعار الإسلام هو الحل و وقفت عند هذا الشعار و لم تترجمه إلى واقع علمي يفيد الناس ويحسن مستواهم المعيشي لان الناس رغم رغبتهم دخول الجنة عن طريق العبادات إلا أن لهم حاجات دنيوية كثيرة هم بحاجة لتحقيقها ضمن برامج عملية ناجحة ، أضف إلى ذلك دخول حركة حماس للساحة الأردنية و لو إعلاميا فقد اثر ذلك على موقف الإخوان المسلمين الذين اظهروا تعاطفهم مع حماس الشيء الذي يرفضه الأردن لأنه يزعزع استقراره و اعتباره حركة حماس حزب فلسطيني و لا مجال له في الأردن ، أضف إلى ذلك أفكار الإخوان المسلمين النظرية حول وحدة المسلمين من اندونيسيا حتى السنغال و يكون لهم خليفة واحد ، و هذا الطرح بعيد عن الواقع .
ثم نأتي إلى حزب البعث الذي ظهر في الأردن في الأربعينات فانه انتعش عندما كان البعث يحكم سوريا ثم العراق و لكنه انقسم على نفسه نتيجة انقسام بعث العراق و بعث سوريا و المأخذ على حزب البعث في الأردن انه لم يكن حزبا مستقلا له شخصية و له رأي و ليس تابعا لأي حزب خارج الأردن بالإضافة إلى ضعف إمكانيات الأردن فان الحزب لا يستطيع أن يخدم الأردن ضمن الأفكار التي يحملها و أصبحت أفكاره تتحرك في الإطار النظري غير القابل للتحقيق و منها وحدة العرب من المحيط إلى الخليج في دولة واحدة و تعتمد الاشتراكية ، في حين أن الاشتراكية غير قابلة للتطبيق في الأردن و من مظاهر ضعف حزب البعث انه ليس له دور في السياسية الأردنية لا الداخلية و لا الخارجية وليس له خطة عمل و لا نشاط ولا دراسة الأوضاع في الأردن و لا مشاريع مطروحة لتحسين معيشة الناس خاصة بعد انتهاء نظام البعث في العراق و الظروف المحلية و الدولية التي تمر بها سوريا و التي تركز على أوضاعها الداخلية بالإضافة إلى انشغالها بالقضية اللبنانية ، و هضبة الجولان و مشاريع السلام المطروحة و من المؤسف أن حزب البعث الذي بدأ في الأردن منذ سنة 1947 لم يستطع أن يوصل للبرلمان أي نائب منذ السماح لعمل الأحزاب سنة 1989 حتى الوقت الحاضر .
و ما ينطبق على البعثيين ينطبق على الناصريين و كذلك على الشيوعيين الذين انقسموا على أنفسهم و لم يستطيعوا أن يبرزوا للساحة الأردنية حزبا علمانيا يعمل في إطار الواقع الأردني ويقدم دراسات و مشاريع مفيدة و لو على المستوى النظري يقدمها للحكومات المتعاقبة .
و في إطار دعم العمل الحزبي الذي يساعد في خدمة البلاد و العباد فاقترح ما يلي :
1- يجب فصل الدين عن السياسة ، إذ لا يجوز تشكيل أي حزب على أساس ديني بأي شكل من الإشكال .
2- أن تعمل الحكومة على إعادة الثقة و الاحترام للعمل الحزبي و تعمل عن طريق الإعلام و التربية والثقافة و المؤسسات و الجامعات على أن العمل الحزبي مفكر مثقف متعلم و له رؤيا نحو الأفضل .
3- أن تسمح الحكومة بتشكيل فقط ستة أحزاب في إطار الأيدلوجيات المعروفة و هي حزب العدالة ، حزب البعث ، الحزب القومي ، الحزب الشيوعي ، و هؤلاء الأحزاب لاه تجارب يمكن الاستفادة منها ثم حزب الشعب الأردني و له صفة قطرية ثم الحزب الوطني الأردني و له صفة قطرية .
تشكل الأحزاب الستة و تعطي حرية العمل و النشاط في إطار الدستور و يتم ذلك بعد إقرار قانون الأحزاب و قانون الانتخاب و قانون الحريات العامة من قبل مؤتمر وطني أردني مؤلف من 400 شخصية أردنية سياسية و قانونية و اقتصادية و على ضوء ما يقرره المؤتمر يحل البرلمان و تجري الانتخابات بنزاهة و تسم فيها و يجب أن يكون 75% من الناجحين من الأحزاب الستة كل حسب اجتهاده و يبقى 25% من النواب للمستقلين و العشائر .