الواقع العربي و الخطوات المطلوبة
المجد – الاثنين – 16/11/1998
لا اريد أن اعود بعيدا في التاريخ العربي و ظهور الاسلام و دولة العرب المسلمين ، و لكني ابدأ من وقت انهيار الدولة العربية و الاسلامية ، و مجيء الاتراك العثمانيين و حكمهم للمنطقة العربية .
فمنذ أن سيطر الاتراك العثمانيون على البلاد العربية بعد معركة مرج دابق سنة 1516 ، فقد بدأ تراجع دور العرب و انتشر بينهم الجهل و التخلف و استمر هذا الوضع مدة اربعة قرون ، بينما كانت شعوب اوروبا تسير بخطى حثيثة في ركاب العلم و التقدم حتى اصبح هناك فارق علمي و حضاري كبير بين شعوب اوروبا و الشعب العربي يقدر زمنيا باربعمائة عام .
في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين تنادى احرار العرب و اهل الرأي في بلاد الشام و العراق و الجزيرة العربية ، و تحركوا للمطالبة باستقلال البلاد العربية في اسيا العربية و قيام الدولة العربية الواحدة ، و قد تعرض زعماء حركة التحرر العربي إلى الاضطهاد و القتل و الشنق على يد الاتراك العثمانيين ، و كانت احدى مراحل النهضة في سبيل الاستقلال هي الثورة العربية التي قامت ضد العثمانيين سنة 1916 ، بقيادة شريف مكة الحسين بن علي ، و لم يكن يدور في خلد قادة الثورة العربية في الشام و العراق و الجزيرة العربية أن تتمخض هذه الثورة فيما بعد عن قيام ثلاثة عشرة دولة عربية في اسيا العربية يتراوح عدد سكان هذه الدول ما بين عشرين مليون نسمة في بعضها و نصف مليون نسمة في بعضها الاخر ، بدلا من أن تكون دولة واحدة بعدد سكان قدره 80 مليون نسمة ، و بما لها من امكانيات بشرية و اقتصادية و عسكرية و حضارية و شواطيء و انهار و موانيء و حضارة و تاريخ و موقع .
لقد ترتب على قيام ثلاث عشرة دولة أن اصبحت جميعها ضعيفة مستهدفة من قبل الطامعين من الجيران و الدول الاجنبية و اصبح العالم لا يعرف عن العرب إلا الضعف و التفرقة و التبعية مما شجع الدول المجاورة على الاعتداء على حدود هذه الدول و اقتطاع بعض اجزائها و الامثلة على ذلك : فلسطين ، لواء الاسكندرون ، عربستان ، و الجزر العربية في الخليج العربي ، وهذا بالاضافة إلى سيطرة الدول الاجنبية و عتدائها على البلاد العربية بين حين و اخر كلما حانت الظروف و سنحخت الفرص .
و قد اصبحت المنطقة العربية التي ساهمت في بناء الحضارة العالمية و قدمت الابجدية و القانون و الفلك و الرياضيات و الطب و غير ذلك من مجالات الحضارة ، اصبحت محل اطماع الدول الغربية و تكالبها ، و هنا يحضرني في هذا المجال قول الشاعر العربي عبد الرزاق عبد الواحد حيث قال :
حملنا للكون مسرى ابجديته و عنا كل الذين استكبروا نقلوا
وفي ظل الواقع العربي المرير ، ها نحن نشاهد اذلال الفلسطينيين من قبل إسرائيل يوميا تحت غطاء لعبة المفاوضات الملهاة ، و التي تجري كمهزلة بين الفلسطينيين الذين لا يملكون أي قوة و بين الاسرائيليين الذين بيدهم كل مصادرة القوة ، كما نشاهد الحصار على شعب العراق الذي تفرضه الدول الاستعمارية بقصد تدمير العراق و انهاء دوره العربي ، و مما يؤسف له أن بعض الدول العربية الشقيقة تشارك في حصار العراق منذ ثماني سنوات دون أن تحرك معاناة الشعب العراقي و اطفاله و شيوخه و نسائه ، مشاعر الاخوة و الدين و الجوار و التاريخ لدى اصحاب القرار في هذه الدول العربية ، و ها نحن نشاهد و يشاهد العالم اجمع في هذه الايام تحرش تركيا مدعومة من امريكا و اسرائييل بسوريا الشقيقة قلب العروبة النابض ، متذرعة بحجج واهية يمكن حملها لو كانت النوايا سليمة عن طريق المفاوضات و الزيارات و الحوار .
أن التحرش بسوريا هو امر مبيت من قبل تركيا و إسرائيل و امريكا و لم ينته كما قد يتبادر إلى اذهان الكثيرين حيث أن حلقات العدوان على العرب مترابطة و مستمرة ضمن تخطيط لدى الدوار الصهيونية و الاستعمارية ، فقد سبق و أن ضربت مصر العربية ضربة قاصمة سنة 1967 من قبل إسرائيل و خلفها امريكا ، ارجعتها للوراء عشرات السنين ، كما سبق و أن ضرب العراق الشقيق ضربة قاسمة سنة 1991 من قبل امريكا و بريطانيا خدمة لدولة إسرائيل حيث كانت من اهم نتائج هذه الضربة اضعاف العاق و عزله عن امته العربية و عن العالم ، و من ثم التآمر لانهاء انتفاضة الشعب الفلسطيني و اطفال الحجارة و حبت محلها المفاوضات المهزلة .
هذا هو واقع العرب المرير و الذي يتفق بشأنه المفكرون العرب و اهل الرأي ، و لكن السوال الذي يفرض نفسه في مثل هذا الحال هو : ( ماهو المخرج ) و كيف ؟
قد يقول قائل : هذه مسؤولية القادة العرب و هم القادرون إذا صدقت النوايا على معالجة هذا الموضوع و هو موضوع في غاية الاهمية للحاضر و المستقبل ، و لكن إلا يحق للمواطنيين العرب أن يرفعوا صوتهم و يقولوا ما يعتقدون حول مستقبل اوطانهم اولادهم و احفادهم ؟ اننا كمواطنين عرب رغم عدم اطلاعنا على اسرار السياسة و خفايا الامور و دهاليز المؤتمرات الاجتماعات المغلقة و ما يجري وراء الكواليس ، إلا اننا نشعر أن من حقنا أن نبدي رأينا و نعبر عن مشاعرنا و أمانينا تجاه ما نرى ، صحيح اننا لسنا مسؤولين أو قياديين و لكننا بكل تأكيد مواطنون عرب و لنا الحق أن نبدي رأينا حسب فهمنا لمجريات الامور و ما يجري أمام اعيننا ، و حسب اجتهادنا المتواضع لاقتراح الخطوات التي نراها مفيدة و هي :
اولا : ضرورة التقاء مصر و سوريا و العراق في تعاون صادق دون أي حساسيات بحيص يتكون من الدول الثلاثة قوة واحدة فاعلة قادرة على الدفاع عن مصالح العرب ، و كلنا يعرف ما لدى هذه الدول الثلاثة من امكانيات ، و يقينا إذا حصل هذا التعاون الصادق فسوف نرى جميع الدول العربية الاخرى أو بعضها متعاونا مع هذه القوة العربية ، و سيكون حال العرب افضل و تسير الامة العربية على طريق القوة و التقدم و يحترمها العالم .
ثانيا : أن تتعاون كل من سوريا و مصر و بقية الدول العربية بالعمل على رفع الحصار فورا عن العراق ، و تقديم العون الاقتصادي له في كافة المجالات بحيث يستعيد قوته و يستطيع أن يؤدي دره العربي مع اشقائئه العرب ، و على الساحة الدولية .
ثالثا : أن تعمل مصر و سوريا بما لهما من وزن في المحيط العربي على تحسين العلاقات العربية – العربية ، و تجاوز حساسيات الماضي للوقوف صفا واحدا في مجابهة العدوان الخارجي ، و منها العلاقات السورية – الأردنية ، مع العلم بان سوريا هي عمق الأردن و الأردن هو عمق سوريا ، و الشعب الأردني و الشعب السوري هما شعب واحد منذ آلاف السنين ، و عبر التاريخ ، و يجب التأكيد عن أن مصالح الشعب الأردني مرتبطة تاريخيا و واقعيا مع مصالح العرب في سوريا و العراق و الجزيرة العربية و مصر و الدول العربية الاخرى ، و ليست مصالح الشعب الأردني مرتبطة مع إسرائيل و هي التي احتلت فلسطين العربية و طردت اهلها و شردتهم في شتى انحاء العالم ، و أن للفلسطينيين حقا و واجبا على ابناء جلدتهم العرب في كل مكان أن ينصروهم حتى يستعيدوا حقوقهم و يقيموا دولتهم على تراب ارض فلسطين .
أن الشعب الأردني الاصيل في عروبته و الذي وقف مع الشعب الجزائري و مع الشعب التونسي و مع الشعب الفلسطيني و مع الشعب العراقي و مع كل الشعوب العربية التي تعرضت للظلم و الاستبداد و الاعتداء في كل الاوقت و من أي جهة جاء هذا العتداء ، هذا الشعب الأردني صاحب التاريخ المشرف مع كل العرب لن يخذل سوريا الشقيقة حال تعرضها لاي اعتداء سواء حصل من تركيا أو إسرائيل أو امريكا ، فالشعب الأردني شعب واع و قد عرف بالصدق و اداء الواجب في الوقت المناسب .
و قد قال الشاعر الأردني محمود فريحات :
آمنت عمـان انا امة فإذا ما اتحـدت لن تغلبا
فخذوها حكمة بالغة نحن في الأردن نهوى العربا