تعديل مفهوم الوحدة العربية في إطار الواقع الجغرافي
جريدة المجد – 27/3/2006
منذ المرحلة الابتدائية و نحن نسمع هذين البيتين من الشعر :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
و من نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
و كما هو معروف فالهدف هو أن العرب امة واحدة من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا ، و أن هذه الأمة يجب أن تتحد و تشكل دولة عربية واحدة قوية يبلغ سكانها حينذاك أكثر من 70 مليون نسمة و اليوم 300 مليون .
و كنا نتصور أن هذه الدولة ممكن وجودها ، و أن العاصمة على الغالب تكون القاهرة ، و أن العدل سوف يعم البلاد العربية و أن الحكومة المركزية في القاهرة سوف تتبنى التمنية و تقدم كل البلاد العربية سواء الوسط أو الأطراف أو الأرياف بالإضافة للمدن الكبرى ، و أن الحكم سوف يكون ديمقراطيا علمانيا و هذه الدولة تبني علاقات جيدة مع دول الجوار ( تركيا ، إيران ، أفريقيا ، و أوروبا ) .
هذا التصور كان يراود معظم الناس العاديين بالإضافة إلى الأحزاب القومية العربية ، و خاصة حزب البعث و الأحزاب القومية العربية ، و خاصة حزب البعث و الأحزاب الوطنية ، و كان المعتقد أن المستقبل سيعمل على تحقيق ذلك ، و أن الأمل قائم و أن الوقت في صالح تحقيق هذه الأهداف .
و أود أن أشير هنا إلى أن مفهوم الوحدة العربية كان طاغيا و لا يقبل النقاش لأنه هدف مقدس يجب العمل على تحقيقه .
و لكن مع تطور الأحداث و ظهور الدول القطرية و فيها ما هو دول كبيرة و منها ما هو دول صغيرة حتى أصبح عدد الدول في الوطن العربي 22 دول تقريبا ، و لكل دولة ظروفها و لها أهدافها و لها علاقاتها و ارتباطاتها الخارجية ، و أصبح يبحثون عن مصالحهم و يعملون في ظل الواقع المتاح و الظروف الدولية ، و قبلت الدول القطرية كأعضاء في الأمم المتحدة و أصبح لها حصانة تحفظها من الضم أو الاتحاد مع جيرانها من الدول العربية الأخرى ، و هنا أصبح تحقيق هدف الوحدة العربية الكاملة بعيد المنال و من الصعب تحقيقه حسب الظروف و الإمكانيات و العلاقات و ظهور الزعامات القطرية مع اختلاف بعض اللهجات و العادات و أساليب الحياة و الفارق الحضاري و التعليمي و الاقتصادي و الاجتماعي ، بالإضافة إلى فشل بعض محاولات الوحدة و الاتحاد كل هذا جعل مفهوم الوحدة الغريبة الشاملة بعيد المنال و صعب التحقيق .
و لكننا لم نر أي تعديل جرى على هذا الشعار بطرح أفكار وحدات إقليمية ضمن المنطقة الجغرافية الواحدة و من ثم اتحادات من تجمع الوحدات الإقليمية و بشكل يتفق مع الجغرافيا و الظروف المحلية و الدرجة الحضارية و العادات و التقاليد و الوضع الاقتصادي ، و إنني كمواطن عربي و حسب رأيي المتواضع انه يجب تعديل الشعار السابق إلى شعار ممكن التحقيق على المدى القريب و البعيد على الشكل التالي :
شعار وحدة بلاد الشام في دولة واحدة تشمل الدول الأربع ( سوريا و لبنان و الأردن و فلسطين ) .
و شعار وحدة بلاد الرافدين ( العراق ) في دولة واحدة تشمل العراق و الكويت .
و شعار وحدة الجزيرة العربية و تشمل : السعودية و البحري و قطر و الأمارات المتحدة و عمان و اليمن في دولة واحدة ، و في اعتقادي أن هذه الوحدات ممكنة التحقيق بسبب توافر عوامل تحقيق الوحدة و منها الجغرافيا ، و الجغرافيا عامل هام من عوامل الوحدة.
و في هذا المجال أرجو أن أوضح إنني لا أتكلم عن أنظمة الحكم في هذه البلدان و حق كل عائلة أو عشيرة أو حزب في حكم قطر معين و سواء كان الحكم ملكيا أم جمهوريا أم إماراتيا ، و لكنني أتكلم عن الدولة و الجغرافيا و قوة الدولة و منعتها و إمكانياتها السكانية و الاقتصادية و العمق الجغرافي و للحقيقة أقول أن إقامة ثلاث دول في آسيا العربية هي : دولة الشام و دولة العراق و دولة الجزيرة العربية أمر ممكن حيث تتوفر في كل دولة عوامل القوة السكانية و الجغرافية و الاقتصادية ، و أن ما يحول دون تحقيق ذلك هو أن الحكام أو الأحزاب أو العائلات كل يتشبث بحقه بالبقاء في موقع المسؤولية و يعتبر الدولة التي يرأسها و كأنها مزرعة ورثها عن آبائه و أجداده و لا يمكن التنازل عنها و خلاصة القول أن أزمة العرب هي في حكامهم الذي يفضلون مصالحهم الشخصية و العائلية و الحزبية على مصلحة الأمة ، علما بأن ماوتسي تونع قال : ( القائد هو أول من يضحي و آخر من يستمع ) ، كما أن فولتير قال : ( قوة الدولة مرتبطة بكثرة سكانها و كثرة السكان مرتبطة بخصب الأرض ، و خصب الأرض مرتبط بالحركة الزراعية و الحركة الزراعية مرتبطة بتخفيض الضرائب).
و أخيرا .. أن المطلوب من المفكرين و أصحاب الرأي و القادة المخلصين على مستوى الشعوب أو على مستوى الحكومات الوطنية أن يرسموا و يعملوا و ينشروا فكرا جديدا بهدف إقامة ثلاث دول في آسيا العربية و يسود في كل منها الحرية و الديمقراطية و العدالة و التعاون مع الجيران و الآخرين ي إطار العقل و العلم و حب الخير للجميع بعيدا عن الأطماع و الحروب و المشاحنات و التطرف الديني .
و ختاما .. في البدء كانت الكلمة ثم تبعها الفكر ، ثم تبعتها الخطة ، ثم تبعها العمل المنظم ، ثم يتحقق الهدف .