ضعف حاسة التوقع عند العرب
المجد – 15/8/2005
سئل احد الحكماء ما هو العقل فأجاب ( العقل هو الإصابة بالظن و معرفة ما سيكون بما كان ) ، و معنى ذلك التوقع بما سيحصل على ضوء الظروف الحالية و التجارب السابقة فحاسة التوقع تدل على حسن الظن و توقع الاحتمال .
و الاحتمال المضاف ، و أن الأمور لا تسير باستمرار في مسارها المريح ، فالظروف تتغير و الأنفس ستتغير ، العلاقات ستتغير ، و المصالح تتغير ، و الأشخاص على مستوى المسئولين يتغيرون ، يتغيرون إما بأشخاصهم أو بنفسياتهم .
و يترتب على ذلك أن تتقلب الأمور بأسا على عقب و تبدأ الخلافات سواء كان ذلك على مستوى الأفراد مع الأفراد أو الأفراد مع الجماعات أو المؤسسات أو الأحزاب أو على مستوى المؤسسات أو الشركات أو الدول مع بعضها البعض و على مستوى الفرد .
فإذا كان الإنسان مزارعا أو تاجرا أو سائقا أو موظفا أو مهندسا أو طبيبا أو غيره من المهن فعليه أن يتوقع الشيء الحسن الذي يريد و لكن يجب إلا يسهو عن الاحتمال السيئ بل عليه أن يتوقعه من خلال مسيرة عمله و كل مشاريعه و تصرفاته و تعاقداته و علاقاته ، و القصد من ذلك هو التحوط للأسوأ و الاحتفاظ بوثائقه الخاصة و بأجندته في كل معاملاته و علاقاته حيث أن الخلاف مع أي طرف يتعامل معه ممكن.
كما أن على كل موظف أو مسئول أو مدير أو وزير أو رئيس حكومة أو نائب أو رئيس دولة أن يدرك أن الزمن لا يؤمن جانبه و أن الدنيا و المراكز لا تدوم لأحد ، و أن الزمن مليء بالأحداث المفاجئة الفاعلة التي كثيرا ما تكون غير متوقعة و تكون فاعلة ، و كثيرا ما تنقلب الأمور رأسا على عقب ، و يجب أن يكون سوء الظن بالمؤمن وارد و قد قيل ( سوء الظن من حسن الفطن ) .
و في مجال فعلى كل دولة أن تكون حذرة و تتوقع المفاجآت حتى لا تؤخذ على حين غره ، و عليها أن تتوقع سوء المواسم و القحط و عليها أن تتوقع انتشار الأمراض السارية و عليها أن تتوقع الزلازل ، و الفيضانات كما عليها أن تتوقع حدوث سوء علاقات بينها و بين الدول المجاورة و غير المجاورة ، و قد يتطور الخلاف إلى توتر و تصرفات ، و تصرفات مضادة و من الحروب .
وقد يحصل ذلك بين الدولة و دولة أخرى كانت قبل مدة صديقة و العلاقات كانت بينهما على أحسن ما يكون و تنقلب الصداقة إلى عداوة و هنا لا يسعني إلا أن اذكر قول الشاعر :
احذر عـدوك مرة و احذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكـان اعـلم بـالمضرة
و إذا ما القينا نظرة على علاقات الدول العربية بشكل عام في القرن العشرين و في بداية القرن الحادي و العشرين فإننا نلاحظ أن حاسة التوقع عند القيادات العربية كانت ضعيفة جدا بحيث حصل مفاجآت كبيرة و خطيرة و كثيرة قلبت الموازين و أوقعت العرب في "حيص بيص" و اخذ العرب بهذه المفاجآت على حين غرة ، و لم يكن يدور في حسابات القيادات العربية حصول مثل هذه الأمور ، و استطيع أن ارجع ذلك إلى الغفلة و السهو و الاطمئنان للحاضر و عدم توقع ما يمكن أن يحصل ، و عل كل حال فقد دفعوا الثمن غاليا و لا أريد الدخول في التفاصيل أو تسمية الأسماء ، و لكن الوقائع عند كل دولة عربية كما هو ملاحظ الآن تثبت ضعف حاسة التوقع عند العرب على مستوى المسئولين و الدول و حتى الأفراد ، لأنه كما يبدو فان ذلك يعود إلى التركيبة و العقيدة و أسلوب الحياة البدائي الذي لم يعد يتناسب مع العنصر الذي يعتمد القوة و الدهاء و الخبث و التآمر .
و أخيرا اقترح على مستوى الأفراد العرب أن يعيد كل فرد النظر في أسلوب حياته و يفعل حاسة التوقع لكل الاحتمالات ، أما بالنسبة للدول فاني اقترح أن تشكل كل دولة فريق من خمسة عشر شخصا من ذوي الخبرة و الذكاء و التجربة و تهيئ لهم الظروف المناسبة بشكل جيد و تسميتهم ( فريق التوقعات ) ، و توفر لهم كل الإمكانيات و المعلومات و التجارب و الأجهزة الحديثة ، و تزويدهم بكل المعلومات بحيث يكون لديهم المقدرة على توقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل على مستوى الدولة ، و الدول المجاورة ، و العالم ، و توضع اليافطة التالية على باب مؤسستهم
( العقل هو الإصابة بالظن و معرفة ما سيكون بما كان ) ، و في حال إتمام ذلك فسوف تستفيد الدولة و ترسم المسار المناسب .