هل بسطت أميركا جناحها على الوطن العربي
12/9/2003
إلى المحرر :
مهلا أيها القارئ الكريم ، لا تستغرب هذا السؤال و لا تعتبره ردة فعل أو نوع من التشاؤم أو علامة إحباط أو دعوة للاستسلام أو اعترافا بتوحيد البلدان العربية تحت الانتداب الأمريكي في حين فشل العرب على مدى أكثر من ثمانين عاما في تحقيق الوحدة العربية ، أو الاتحاد العربي ، أكمل المقال و سيدور الشك في رأسك .
نقطة البداية هي سحب مصر من العرب و وضعها في الصف الأمريكي بعد وفاة عبد الناصر و منها بدأ التراجع العربي لأن العرب بدون مصر ضعفاء أمام إسرائيل و أمام تركيا و أما إيران و أما المؤتمرات الدولية و كما هو معروف لا تستطيع أي دولة عربية أن تسد الفراغ الذي تركه سحب مصر من الصف العربي و وضعه في الصف الأمريكي ، و حتى أمريكا نفسها لم تكن تتوقع بان يضعف الصف العربي بهذه السرعة ، بعد سحب مصر منه ، إذ سرعان ما تزاحمت الدول العربية في الاندماج نحو تلبية طلبات أمريكا و ظهر هذا جليا عندما قررت أمريكا ضرب العراق سنة 1991 ، على اثر غزوة الكويت حيث سارعت دول عربية و في مقدمتها مصر و دول أخرى إلى الانضمام للصف الأمريكي و كان انضماما قويا و فوق ما توقعته أمريكا حيث أدركت أمريكا أن حبل الدول العربية انفرط بعد سحب مصر ، كما تنفرط المسبحة ، و لم يعد هناك أي مقاومة أو إبداء رأي أو لماذا و كيف و متى حتى هذه الأسئلة لم يعد باستطاعة الدول العربية توجيهها للأستاذ الأمريكي و الذي أدرك درجة الضعف التي وصل إليها الصف العربي ، فأخذت أمريكا توسع في تحركاتها في كل الاتجاهات و من خلال معظم الدول العربية و أصبحت تتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية في كل المجالات ، حتى وصل الحال إلى طلب تغيير المناهج التربوية و الشعارات الوطنية و القومية ، و حتى تدريس الدين الإسلامي و طباعة القرآن الكريم و من خلال هذا الضعف العام في الوطن العربي و بكل جرأة وثقة هاجمت أمريكا العراق من خلال الدول العربية و بمساعدة دول عربية دون أي معارضة لا من بعيد و لا من قريب حتى حل بالعراق ما حل من احتلال أراضيه و السيطرة على خيراته و طرد حكامه و قادته و من ثم اختيار حكام جدد و وزراء جدد ، و هيئات و مؤسسات و إشراف كامل على مقدرات العراق الدولة العربية الثانية في الدول العربية ، من حيث القوة و الإمكانيات بعد مصر ، و من خلال انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة تحت مظلة الجامعة العربية حيث حضر وزير خارجية العراق زيباري و كنا نسمع قبل الاجتماع أن هناك معارضة أو مناقشة أو بحث أو دراسة حول موافقة وزراء الخارجية العرب على حضور مندوب العراق على اعتبار أن العراق محتل من قبل أمريكا و في هذا المجال اسمح لنفس القول بما يتاح لي من حرية الرأي و التعبير انه لا يوجد فرق بين السيد زيباري وزير خارجة العراق و بقية وزراء الخارجية العرب من حيث سيطرة أمريكا فجميعهم و زيباري سواء و جميعهم تلامذة أستاذ واحد و يتلقون نفس الدروس و التعليمات ، و المفروض و المطلوب مع بعض الاستثناءات الضعيفة الخجولة و في هذا المجال و على ضوء ما نرى و يرى الآخرون فان العرب من المحيط الأطلسي حتى الخليج الأمريكي توحدوا تحت جناح أمريكا و مع بقاء الحكام و القادة و هذا لا يهم .
بقي أن تفتح الحدود بين الدول العربية و تفتح مجالات التجارة و السفر و التعاون الاقتصادي و حرية السفر و وحدة المشاريع و وحدة العملة في البلاد العربية و وحدة الولاء الواحد و تجميع الطاقات و إيقاف التنافس و الصراعات بين الدول العربية و ربما وحدة المناهج و كل ما يشير إلى أن العرب امة واحدة و لطالما أنهم لم يستطيعوا خلال ثمانين عاما من تحقيق أي نوع من الوحدة أو الاتحاد فهاهي أمريكا بسطت جناحها على البلاد العربية دون معارضة و تستطيع أن تتصرف بالمقدرات العربية من بترول و سياحة و تجارة و برامج كما إنها تستطيع أن تفرض حلولا للقضايا العربية التي لم تحل مثل قضية الصحراء المغربية و المغرب و البربر في الجزائر و جنوب السودان و ا ليهود في فلسطين و الأكراد في شمال العراق و لواء الاسكندرونه ، و عربستان و جزر الخليج و الحركات الإسلامية في مصر و السودان و الجزائر و المغرب و السعودية حيث تحل هذه القضايا من خلال المنظور الأمريكي و عليه فان المهانة و الذل الذي وصلت إليها امة العرب في هذا الزمن الرديء لم يكن سببه الشعوب العربية و إنما القادة العرب و سيسجل التاريخ لهم هذه الحالة .
بقيت نقطة أخيرة يجب الإشارة إليها و هي طالما أن أمريكا بسطت جناحها على الوطن العربي و أصبح شبه موحد تحت الانتداب الأمريكي ، فهل يا ترى بعد أن تنسحب أمريكا بعد مدة قد تقصر أو تطول هل يبقى الوطن العربي موحدا أم انه سيعود للانفراط كما كان ؟ أم أن أمريكا قبل أن تنسحب سوف تسعى إلى خلق بديل للجامعة العربية كالاتحاد العربي مثلا ، و هل يبقى هذا الاتحاد حال ظهوره تحت الانتداب الأمريكي أم يظهر كاتحاد عربي ديمقراطي مع إمكانية ظهور وحدات إقليمية في إطار هذا الاتحاد .