قضايا مدورة في الأردن
جريدة العرب اليوم – الجمعة - 24/12/1999
من العدل و الحق و الانصاف أن نعترف بان الأردن منذ بداية الدولة و العربية فيه 1921 حتى ناهية القرن العشرين قد خطى خطوات ناجحة و جيدة في مجالات التعليم و الصحة و الطرق و العمران و الزراعة و المواصلات التجارة و الصناعة و الجامعات و الكليات و الدن الرياضية و المستشفيات و النوادي و البلديات و مراكز الحدود و الامن و السياحة و تحسين مستوى المعيشة و الاتصال بالعالم الخارجي بشبكة من العلاقات الجيدة العربية و الدولية ، و غير ذلك بكثير مما لا يتسع المجال لذكره حصل كل ذلك بجهود ابناء الأردن المخلصين كل حسب جهده و ظروفه و وعيه و كل مسيرة لا تخلو من بعض السلبيات مثل الأنانية و الجشع و التحيز للأقارب و العشيرة و سوء استعمال السلطة و هذه الامور تحصل في كل دول العالم و لكن المأخذ على ذلك هو ( و لا تميلو كل الميل ) .
كان لا بد من هذه المقدمة حتى ننظر إلى الكأس على اساس أن نصفها مليء بالماء ، و النصف الاخر فارغ و ما اقصده هو أن هناك قضايا ذات اهمية لم تحل في القرن العشرين و انتقلت إلى اجندة القرن الحادي و العشرين ، على انني لا اريد أن اتكلم عن النواحي السياسية الخارجية في هذا المقال ، من باب أن النواحي السياسية معقدة و متداخلة و الأردن دولة صغيره ، و هناك دول عظمى تفرض رأيها على العالم و تستطيع القول أن السياسة في هذا القرن هي فرض رأي القوي على الضعيف لتحقيق اهداف القوي ، و كل ما يجري في العالم يندرج تحت هذا المضمون ، و لكن قصدي من هذا المقال هو الشئون الداخلية الأردنية ، أي البيت الأردني بسكانيه البالغ عددهم اربعة ملايين نسمة ، هؤلاء الناس يعيشون في هذا الوطن و يأملون من النظام السياسي القائم رعاية شؤونهم الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية و العلمية ، على اسس من العدالة و المساواة و إذا كان هناك ميل من قبل المسؤولين تجاه ما نرى و هو امر مفروغ منه فان الناس يطالبون بالفم المليان ( و لا تميلو كل الميل ) حيث أن جميع الناس في هذا الوطن من ابناء هذا الشعب و أن اختلفت ظروفهم و مواقعهم و رغباتهم و عقولهم كذلك بالاضافة إلى قناعاتهم و ارائهم ، واصل بعد ذلك إلى ذكر بعض القضايا الهامة المدورة للقرن القادم و لا اود شر كل قضية و لكن ارغب التذكير مع بعض الملاحظات:
اولاً : المديونية : حيث أن المعروف أن هناك ديونا لى الدولة الأردنية تبلغ سبع مليارات دولار ، على ما اسمع ، و ذكرت ( ديون على الدولة أي أن كل الناس الذين يعيشون في الأردن اينما كانت مواقعهم هم مدينونبهذا الدين ، فيا ترى لماذا حصل هذا الدين ، و من ثم كيف السبيل إلى تسديده و مسؤولية من معالجة هذه القضية ؟!
ثانياً: البطالة ، حيث أن المعروف أن اعدادا كبيرة من خريجي الجامعات و الكليات و غيرهم عاطلون عن العمل علما بانهم حصلوا على شهاداتهم بعرق جباه اهلهم و ما العلم و ما الحل و كيف و لماذا مع العلم بان الدستور الأردني يذكر ( أن العمل حق مقدس لكل اردني ) .
ثالثاً : سوء استعمال السلطة ، فكما هو معروف يصل بعض المسؤولين إلى مواقعهم أما عن طريق الكفاءة و الشهادة العلمية ، أو عن طريق الواسطة القوية أو ن طريق الانتخابات النيابية ، أو عن طريق اتقان النفاق و اظهار الولاء و الإخلاص ، المهم أن هناك من يصلون إلى موقع المسؤولية و كثير من هؤلاء يستعمل هذا المركز أما للحصول على اموال بطرق غير مشروعية أو نصف مشروعة أو اخذ مال الدولة بطرق نصف قانونية ، أو يرقى أو يعين ذويه و اقاربه و اصهاره و ابناء عشيرته و ينسحب هذا على معظم المسؤولين ، فتصبح المكاسب من حق الاقوياء و يكثر التمييز و الرد عليه ( اخدمني اخدمك ) ، ( و واحدة بواحدة ) ، فتصبح هناك مع الزمن مراكز قوى و شلل و عشائر و فئات و كلها تتصارع على تحقيق المكاسب و إذا افترضنا أن هؤلاء المتصارعين من خلال نفوذهم و مواقعهم و من يقف معهم و خلفهم و ينتظر عطاياهم لا يزيدون عن 10% من السكان ، و السؤال هو اين مصير 90% من الناس الذين لم يصلوا و لن يصلوا و لا يعرفون من اين الحصول على المكاسب و ينتظرون رحمة الله و يتذمرون و هذا هو الحال على الغالب طيلة الخمسين عأما الماضية إلا من رحم ربي و اسعفه الحظ و وصل و كان امينا في عمله و وظيفته و خدم وطنه و ارضى ربه و ضميرة و هؤلاء على كل حال قلة ، يعدون على الاصابع ، و لا تزال الصراعات مستمرة على مراكز القوى دون وازع و لا ضمير و لا رقابة و لا خوف .
رابعاً : الاقليمية و العشائرية و الشللية : و هذا الموضوع ليس بحاجة إلى شرح أو تفصيل اذ أن الاتجاه العام و من خلال المركز و الموقع دائما تظهر حمى الاقليمية و العشائرية و الشللية دون مخافة الله أو حساب الضمير و أن كان البعض يمارسها بشكل غير مباشر و لكن الامور واضحة فكيف في هذه الحال تكون هناك عدالة بين الناس مع العلم بان الحق قد يتولى مركزا عأما يخدم كل الناس دون تمييز .
خامساً : الفقر ، هذا الفقر الذي يعيشه نسبة عالية من الناس خاصة في المواقع البعيدة و الفقراء بطبيعة ظروفهم هم جهلة و هم عاجزون عن الحركة ، لا يعرفون تدبير امورهم لا ن الفقر هو فقر عقل بالاضافة إلى فقر المال و فقر الوعي ، هؤلاء الفقراء موجودون منذ 1921 و لا يزالون و بنسب عالية و الفقر بازدياد مع ارتفاع مستوى المعيشة و لم تستطع الحكومات السابقة جميعها معالجة هذا الموضوع ( و لا بأسلوب سليم واحد ) ، و لم تستطع الحكومات العمل على المؤاخاة بين اثرياء الأردن جدا و فقراء الأردن جدا ، بمعنى إذا كان لدينا 50 ألف أسرة فقيرة فلماذا لا يجري العمل على مؤاخاتهم مع عشرة آلاف اسرة غنية جدا .
كل اسرة غنية تتآخى مع خمس اسر فقيرة و في الدين الاسلامي مباديء تؤكد حق الفقراء في مال الاغنياء ، لكن مادامت الحكومات جميعها من الاغنياء فليس لديهم استعداد أن يتآخوا مع الفقراء المساكين القذرين الحقودين حسب رأيهم ، و كما اعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب قال في آخر خلافته : ( لو استقبلت من امري ما استدبرت لأخذت من مال الاغنياء و اعطيت الفقراء ) ، و قد قال الأمام علي بن ابي طالب ( أن الفقر كفر ) ، لكن فقراء الأردن مسالمون هادئون و لا يكفرون .
سادسا : المولفة قلوبهم : نسمع و نرى أن هناك فئة من الناس يعتمدون في معيشتهم على النفاق و المداهنة و اظهار الولاء للنظام و اصبح هذا الوضع يشكل عادة عندهم درجوا عليها و اعدادهم بازدياد ، و اصبحوا يتنافسون فيما بينهم على زيادة النفاق و كتابة الشعر و المقالات و يحصلون من جراء ذلك على اموال طائلة و سيارات و نمر و هبات و غير ذلك ، لا يعملون و لا يؤمنون و مع الزمن يفسدون و يصبحون يعيشون على اموال تأتيهم من غير جهد و قد قيل ( الذي لا يؤمن و لا يعمل يفسد ) ، فهل هؤلاء مواطنون من طينة خاصة ، و لماذا لا يكون لكل شخص عمل يعمل به و يعيش من كده و عرقه .
سابعاً : التعيين في الوظائف و باختصار مر على هذا البلد ردح من الزمن و لا يزال أن الذي له واسطة يتم تعيينه بغض النظر عن تاريخ تخرجه ، و هكذا في حين أن الآلف مثله و يحملون نفس شهادته لا يتم تعيينهم و لا يجدون عملا ، فلماذا ، و مالحل ؟
و إلا يمكن وضع نظام يساوي بين كل الخريجين حسب الدور بحيث تتحقق العدالة و هذه مشكلة مزمنة لا يتصدى لها إلا شخص قوي و امين و تقي و صادق و عادل ، و لديه نظام سليم للتعيين ولا يتم التعيين في أي جهة أو موقع اينما كان ، إلا حسب الاسس المتفق عليها و من الجهة المختصة ، و يفترض أن تكون جهة واحدة و ليس عشرات الجهات ، من ذوي النفوذ يقومون بالتعيين لذويهم تاريكن مخافة الله خلف ظهورهم .
ثامنا : تحديث الكثير الكثير من القوانين السارية المفعول ، و قد مضى على صدورها و العمل بها ثلاثون أو اربعون أو خمسون عأما ، كما هو معروف فان المجتمع يتطور و العالم يتطور و نحن جزء من العالم من كل النواحي و اصبحت كثير من القوانين لا تناسب العصر و يقتضي ذلك و بشكل دوري أن تقوم لجنة مختصة أو فريق مختص بتعديل هذه القوانين و تعيد النظر فيها كلما اقتضى الحال كل ثلاث أو خمس أو عشر سنوات ، بحيث يبقى القانون مناسبا للعصر على أن يكون الفريق مختصا قويا بترتيبها امينا لا يخضع إلا لضميره و ليس لاي جهة أو سلطة .
تاسعا : التعيين في السلك الخارجي : نعرف و نسمع انه لا يعين في وزارة الخارجية إلا من له واسطة ثقيلة جدا ، و بالتالي اصبحت الخارجية و السلك الدبلوماسي و السياسي حكرا على فئات معينة مع الاشارة إلى أن هناك حملا زائد في السفارات الأردنية في الخارج من الموظفين الذين يتقاضون رواتب عالية جدا ، و هؤلاء لا عمل لهم فإذا كان لا بد من وجود بعض السفارات الأردنية في الخارج ( بعض السفارات ) ، فماذا الاعداد الزائدة من الموظفين مع أن المفروض أن لا يكون للاردن سفارات إلا لدى الدول الكبرى و الدول التي لها تعامل مفيد للأردن و الدول التي لا تستفيد منها ، و لا تؤثر على مصالح الأردن فلا داعي لوجود سفارة فيها اصلا ، و نحن دولة صغيرة بحاجة إلى كل مبلغ من المال نوفره .
عاشرا : تطوير دور الائمة في المساجد : بعد تأهيلهم جيدا من خلال دورات أو لقاءات اوزيارات بحيث يصبح المسجد اداة اصلاح من حيث التعليم و السلوك و الصدق و الأمانة و النظافة و التسامح و احترام اصحاب المذاهب و الديانات الاخرى ، و عدم مهاجمتهم و عدم تكفير الناس الذين لا يتفقون معهم و جعل المسجد مكان ايمان و عبادة و تسامح و راحة النفس و محاسبة الضمير ، لا ننسى أن هناك آلاف الائمة في مختلف مساجد الأردن ينقصهم العلم و الثقافة و السلوك و الاسلوب و المنطق حتى في امور الدين ، ناهيك عما يتعلق بطرح قضايا المجتمع بقصد الاصلاح و تنمية روح المواطنة الصالحة لدى المصلين و الناس .
الحادي عشر : التأمين الصحي الشامل : و هذا مطلب يستفيد منه كل الناس و هو ضروري و إذا كان ما يحول دون تحقيقه هو نقص إلا موال فانه يمكن توفير المال من مواقع التدبير في جهات مختلفة أو تحويل بعض المساعدات الاجنبية لهذا الموضوع و ليس شيء ضروريا للانسان اكثر من الغذاء و الدواء ، اكثر من مجالات كثيرة و كثيرة غيابها ، أو عدم تشجيعها لا يؤثر على الناس و يمكن الاستغناء عن الكثير الكثير مقابل توفير الغذاء و الدواء و الأمن و العدل و العمل للناس الذينتجمعهم المواطنة الواحدة في الدولة الواحدة .
الثاني عشر : تغيير بعض السلوك و بعض العادات : أن هذا الموضوع هو موضوع هام جدا ، اذ أن كثيرا من السلوكيات و العادات و التقاليد الموجودة في مجتمعنا اصبحت لا تناسب تطور المجتمع و لم تبذل الحكومات السابقة أي جهد للعمل على تغيير الكثير من السلوكيات و العادات و التقاليد و ذلك عن طريق تشكيل فريق من علم الاجتماع لدراسة المجتمع الأردني و من ثم العمل على تغيير كثير من السلوكيات و العادات و التقاليد و ذلك عن طريق التربية و التعليم في المدارس و الكليات و الجامعات و المساجد و المعاهد و هذه العادات و السلوكيات كثيرة و كثيرة لا مجال لذكرها و الفريق الاجتماعي المتخصخص يعرفها و يتقصى كل شيء عنها ، و يضع دراسة كما يضع مقترحات و على سبيل المثال لا الحصر الجلوه ، اطلاق النار ، التدخين ، القمار ، ادمان السكر ، المخدرات ، حوادث السير ، التعازي ، التهاني ، التصفيق ، البوس ما عدا ذوي الرحم ، اللباس ، الزواج ، الحج ، العمرة ، النفاق ، الكذب ، الكسل ، العمل ، الولائم ، التبذير ، اولويات الحياة ، التعصب العشائري ، اسلوب ممارسة حق الانتخاب ، قبول الرأي الآخر ، النقد البناء ، المعارضة الموضوعية ، احترام الدور عند كل مكان يزدحم فيه الناس ، و غير ذلك كثير و كثير ، و ما دام العالم كله اصبح قرية واحدة فيجب علينا أن نتطور لنعيش في هذه القرية العالمية الكبيرة .
الثالث عشر : الميداني للوزارة و المسؤولين ، و اصحاب القرار .
لقد تطور العمل في خدمة المجتمع و لمي عد يكفي بان يجلس المسؤول على كرسي دوارو مكتب مؤثث و مكيف مليء بالخدم و الاضابير يستقل الزوار و يتوسط لاقاربه و يوقع المعاملات ، و يلبس بدلة ممتازة و ربطة عنق انيقة و السيارة تقف بباب الدائرة و نحن على ابوب القرن الحادي و العشرين ، إلا يمكن للوزارة أو المسئولين و اصحاب القرار أن يلبسوا الخاكي و على صدورهم باجة مكتوب عليها مكتوب عليها ( وزير .... ) أو ( مدير ..... ) أو ( رئيس ..... ) و يركب سيارة لاند روفر و يزور كل الدوائر التابعه له في مختلف ارجاء الأردن ، و ذلك يومين من كل اسبوع ، و يبقى ثلاثة ايام للمكتب و يستطيع من خلال عمله الميداني لمدة يومين في الاسبوع أن يطلع على كل المكاتب و الدوائر التابعه له من الرمثا حتى العقبة ثم يعود بحصيلة جيدة من المعلومات التي تفيد في اغنائه بالمعلومات و ما يجب أن يعمل و ما يجب أن يتخذ القرار بشأنه أو سوف يكون المردود احسن و افضل لما فيه خير الناس العمل و ارضاء لله و الضمير ، و يصبح قدوة لكل الموظفين و الناس الذين يشاهدون ذلك أو يسمعوا به.
و قد ينسحب لباس الخاكي من المسؤولين الكبار و النواب و المحافظين و الحكام الاداريين و رؤساء الدائر و قد يقتدي بهم الموظفون و العمل الميداني يقرب المسؤول من الناس و يتعرفون على القضايا مع بعضهم البعض و يخرج عامل الخوف من قلوب المواطنين و المسؤولين و يحل محله الحوار الموضوعي و الاحترام المتبادل و التعاون للمصلحة العامة .
الرابع عشر : بطء سير الاجراءات في فريق القضاء : هذا الموضوع هام جدا و معالجته ملحة و عاجلة لما له من اثر على تحقيق العدالة بين الناس و اطمئنان الناس على حقوقهم و إعطاء القضاء صفة الحق و العدل و الفصل ، و هناك في جهات القضاء
و في كل المحاكم في الأردن يعرفون المعاناة من ذلك ، و إذا صدقت النوايا فيمكن تشكيل فريق لبحث هذا الموضوع و دراسة الظروف و الامكانيات بحيث يتم التوصل إلى آلية جيدة بقصد الاسراع في اجاءات التقاضي بحيث لا يجوز أن تبقى قضية منظورة أما المحاكم اكثر من ست شهور مع الاشارة إلى أن بعض القضايا مضى عليها و هي نمظورة لدى المحاكم اكثر من عشر سنوات ، و ربما بعضها اكثر ، فهل هذا معقول علما بانه بمكن معاتبة الموضوع و الوصول إلى نتائج تفيد العدل و الناس و تحفظ للناس حقوقهم و بالتالي يتحقق الرضى و الامن عن طريق تفعيل دور المحاكم و التي هي المرجع العادل لكل المواطنين مهما كانت مراكزهم و مواقعهم و لا يستغني الناس عن القضاء في يوم من الايام .
ما ذكرت هي قضايا و هموم ، فإذا ما جاءت حكومة قوية و امينة و برلمان جيد و كفؤ منتخب بطريقة صحيحة و نزيهة فانه يمكن معالجة ما ذكرت فالاصلاح ممكن إذا صدقت النوايا .
قال تعالى : ﴿ أن اريد إلا الاصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلي و اليه انيب ﴾ هود 88 .