العراق سابع دولة عالميا في المعاناة من الحرب
جريدة المجد – 21/6/1999
من دراسة التاريخ القديم و المتوسط و الحديث ، يتضح أن الحروب بكل اشكالها سواء كانت دفاعية أو هجومية ، و سواء ربح فيها من ربح و خسر فيها من خسر ، إلا انها تقدم تجربة غنية جدا للشعب الذي يخوضها ، من حيث المعناة و الجوع و الحاجة و التدمير و ضعف الاقتصاد و القتل سواء للمقاتلين أو الابرياء ، اضافة إلى كل ما يحيط بالحروب من ظروف الخوف و اليأس و الامل و حب البقاء و الدفاع عن النفس ، و سد الحاجات من الامكانيات المتيسرة ، و لا اعتقد أن شعبان من شعوب العالم يتمنى الحرب لمجرد الحرب ، و الحرب بحد ذاتها اداة تدمير لكل شيء ، و لا مبرر لها إلا في حالة واحدة فقط هي الدفاع عن النفس ، ففي هذه الحالة يصبح هدف الحرب و التضحية مشروعا و مقبولا ، كما قال الشاعر العربي :
و الشر أن تلقه بالخير ضقت به ذرعا و أن تلقه بالشر ينحسم
و في هذا الاطار و دون الاشارة إلى من انتصر أو انكسر ، فاني اشير إلى الحربين العالميتين الاولى و الثانية ، حيث حصلت الحرب العالمية الاولى عام 1914 ، و استمرت إلى عام 1918 ، كما حصلت الحرب العالمية الثانية عام 1939 و انتهت عام 1945 ، و دون الاشارة إلى كل جهة في كل حرب ، أو إلى من انتصر و من انكسر ، المهم أن هذه الدول التي ساورد ذكرها اشتركت في الحرب ، و لكن ليس بدرجة واد من العنف و القتل و التدمير و القهر و الظلم ، ففي مثل هذه الحروب تقوم الدول القوية كما هو معروف بتدمير اكثر ضد الدول القوية المقابلة لها .
و هناك دول تسقط تلقائيا إذا سقطت حليفاتها من الدول الكبرى ، و ما اود أن اشير اليه هنا هي الدول التي تعرضت للتدمير و القتل و الهدم و القصف لأنها هي التي اكتوت بنار الحرب بشكل اكبر ، و السبب في ذلك هو انها قوية و مستهدفة ، و لدى استعراض الحربين المذكورتين ، نجد أن الدول التي اشتركت فيهما بشكل رئيسي : المانيا و بريطانيا و فرنسا و روسيا و اليابان و امريكا ، أما الدول الاخرى المشاركة فقد كانت خسائرها على قدر مساهمتها ، و لم تكن الخسائر المادية مساوية أو قريبة من خسائر الدول الست المذكورة ، و التقييمات مختلفة تمأما ، و قدمت كل دولة من هذه الدول الست التضحيات الجسام البشرية منها و المادية ، و عانت كثيرا من القتل و التدمير و الحاجة و اليأس و الخوف و نقص الدواء و الغذاء و تدمير المنشآت و المصانع و المعامل والجسور و الطرق و توقف عجلة الاقتصاد و استمرار الغارات الجوية و الهجمات الارضية و عدم معرفة ما يجري .
أن مثل هذه التجربة عنيفة و رهيبة و مذهلة على كل شعب الدولة المحاربة ، و استمرار مثل هذا الوضع يجعل الإنسان يحصر تفكيره في نفسه و اهله و اولاده و بلده ، و تصبح لديه طاقات غير عادية تفرضها الحاجة للعيش و حب البقاء و شعور الانتماء للوطن و الدفاع عن الارض و الاهل ، و تصبح لدى الناس طاقات هائلة جدا في العمل و التعاون و التضحية و التنظيم و تقديم المساعدة للمحتاج و نكران الذات .
و كل من عاش التجربة لمدة اطول يعرف جيدا شعور الناس تجاه بعضهم البعض و تجاه جيشهم و قيادتهم متناسين كل الحساسيات و الخلافات التي كانت موجودة قبل نشوب الحرب ، حيث أن هناك اولويات الدفاع عن النفس و حب البقاء و الدفاع عن الوطن و الجيش و القيادة ، و تقديم كل ما يستطيعه الإنسان من طاقات تصب في تحقيق الهدف و الخروج من هذه المحنة ، مع العلم أن الإنسان لا يعرف اين تسير الامور ، و لكنه يسير و يعمل و يأمل بالنصر و لا يستطيع أن يعرف المصير كما قال الشاعر :
كفارس تحت القتار لا يستطيع الانتصار و لا يطيق الانكسار
هذه حال المواطن الذي يعيش في الدولة المحاربة يعمل و يقدم و يضحي ، و هو كانسان عادي لا يستطيع أن ينتصر لان النصر ليس بيديه ، و لكنه بالمقابل لا يتحمل أن تنكسر دولته و مع ذلك فهو يعمل و يضحي و يقدم .
تصوروا أن مثل هذه الحالة عمت كل شعب اشتركت دولته في حرب طويلة ، و كأي حرب لا بد و أن تنتهي ، و لكن علينا أن نعرف أن هذا الإنسان سيخرج بعد انتهاء الحرب مهما كانت النتيجة ، و إذا كانت النتيجة انتصارا تكون المعنويات افضل ، أن هذا الإنسان سيخرج بتجربة هائلة من الاعتماد على الذات و البحث عن السبل الصحيحة و الفائدة و الانتاج في ظل امكانياته ، و سوف يعمل و يقدم و يضحي و ينتج كل في مجال عمله ، و ضمن ظروفه .
و بالتأكيد ستكون النتيجة جيدة ، و إذا ما تجمعت النتائج الجيدة يكون حال الوطن و الشعب و الجيش و القيادة اعلى و اقوى و افضل ، لان التجارب ايام المحنة صقلت اذهانهم و افكارهم و قدراتهم ، و تكون النتيجة ظهور دولة قوية غنية مليئة بالتجارب و تعرف قيمة الوطن ، و انه يستحق التضحية من اجله ، و من اجل الاجيال التي سوف تأتي لتعرف اهمية الوطن من تضحيات الاباء و الاجداد .
و ها نحن نرى المانيا و بريطانيا و فرنسا و روسيا و امريكا واليابان من اقوى و اغنى الدول في العالم .
و إذا كان هناك من عوامل جعلتها دولا قوية فانني اعتقد أن من اهم هذه العوامل هي التجارب التي مرت بها خلال الحروب .
و عليه من حيث أن العراق عاش ظروف الحرب بكل ما فيها من تضحيات و خسائر بشرية و مادية و قصف و تدمير و حصار و ظلم و فقر و جوع و خوف و نقص الغذاء و الدواء ، و تآمر دول العالم الغربي عليه و هجومهم المتتابع ضده ، و اضطراره للدفاع عن نفسه و المباديء التي يحملها مع استمرار هذه الحروب حوالي عشرين عأما و صبره عليها ، و هو الدولة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن عشرين مليون نسمة ، فانه سوف يخرج من هذه الحروب بصبره و ثباته و ايمانه و تجاربه و امكانياته ، و سوف يتجاوز هذه المحنة ليصبح سابع دولة في العالم ، بالاضافة للدول التي ذكرت ، و من خلال الظروف المشابهة ، و سوف يدرك العالم اهمية العراق و قوته ، بحيث يصبح للعراق رأي و دور في ادارة شؤون العالم .