الأردن بلدنا و ليس أمتنا
مجلة الأفق – 6/1/1993
قال تعالى في محكم كتابه العزيز : ﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ﴾ .
منذ أيام الدراسة الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و الجامعية ، و من خلال مناهج التعليم المقررة في اللغة العربية ، و التاريخ ، و الجغرافيا ، و نحن نتعلم أن العرب أمة واحدة و هذه الأمة تعيش في الوطن العربي الممتد من الخليج العربي و حتى المحيط الأطلسي ، كما كنا ننشد صباحا :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
و من نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
و لا حاجة لذكر باقي الأنشودة التي انشدها جميع من درس في المدارس العربية و عرف أن اللغة العربية هي لغة هذه الأمة و عليه فإن أي فكر يظهر ضمن حدود هذه الأمة فإنه يظهر و ينتشر باللغة العربي ، فإذا ما كتب شاعر في العراق أو بلاد الشام أو الحجاز أو اليمن أو مصر أو تونس ، فإنه يكتب قصيدته و ينشرها باللغة العربي و هي مفهوم في كل مكان في الوطن العربي و يستمتع بها كل ما يقرؤها و قد يحللها و قد يعارضها أو يرد عليها أو يستشهد أحيانا فيما ورد فيها ، أي أن القصيدة بعد صدورها عن شاعرها تصبح ملك الأمة العربية و أي عربي أينما كان .
و لنا أن نشير إلى أن الإسلام ظهر في الجزيرة العربية ، ثم انتشر في البلاد العربية و البلاد الأخرى ، كما أن عبد الرحمن الكواكبي و محمد عبد و ساطع الحصري و زكي الأسوزي و مشيل عفلق و صلاح اليبطار و جمال عبد الناصر كتبوا في الفكر و السياسة و الأدب و الدين و انتشرت أفكارهم بين الأمة العربي عن طريق اللغة العربية و لم يقتصر فكرهم على قطر معين .
و كما نعرف أن الشريف حسين عندما انطلق بثورته من مكة ، لم تغلق بلاد الشام و العراق أبوابها أمام ثورته أو أفكاره في الوحدة العربية و الاستقلال بل بالعكس رحبت به في الأردن و في الشام و في العراق و فتحت أبوابها لأولاده و لو كان تفكير سكان الأردن و الشام و العراق قطريا لاختاروا قادة منهم و رفضوا قيادة الشريف حسين و أولاده .
إن القائد العربي الناجح هو محط احترام العرب في أي مكان في الوطن العربي ، كما أن الفكر العربي الجيد و الصالح لمعالجة قضايا المجتمع العربي محل ترحيب في كل مكان من الوطن العربي ، لأن العرب أمة و لا يحق لأي قطر عربي أن يدعي أنه أمة ، و إنما له أن يقول انه جزء من الأمة .
فإذا ظهر فكر عربي جيد من الأردن فهو ملك لكل العرب و لا يجوز احتكاره للأردن و إذا ظهر فكر عربي جيد من تونس أو اليمن أو مصر أو سوريا أو العراق أو المغرب ، فهو ملك لكل العرب بما فيهم العربي الأردني ، فالعرب أمة واحد و اللغة واحد و المواطنون في كل قطر عربي يعتزون بالانتماء لأمتهم بغض النظر عن الحدود الجغرافية و التي لم يكن للأمة العربية رأي في ترسيمها .
و أخيراً أود أن أذكر هنا أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ظهر في سوريا في الأربعينات و انتشر في الأردن و العراق و السعودية و اليمن و تونس و الجزائر و موريتانيا و لبنان هو حزب عربي وحدوي يؤمن برسالة الأمة العربية في الوحدة و الحرية و العدالة و المساهمة الدائمة في بناء الحضارة العالمية ، و لا يخفى على احد مطلع في الأردن أن هناك بعثيين في الأردن منذ الخمسينات و الستينات و السبعينات و الثمانينات و التسعينات ، لا يزالون يؤمنون بمبادئ البعث و لم يتزحزحوا عنها ، و إن حصلت بغض الخلافات و لا يزالون ، فهل عدم ترخيص هذا الحزب بشكل قانوني يلغي فكرهم و معتقدهم و أن البديل لذلك هو أن يتقدموا باستدعاءات للأحزاب الأخرى ، لطلب القبول بعضويتهم فيما ، و بهذه السهولة ؟ إن المنطق يقول من حق الحكومة أن تحفظ الأمن و لكن ليس من حقها أن تمنع الفكر .
إن الأردن مليء بالبعثيين الصامدين المؤمنين و هم يقولون بالفم المليان ) إن الأردن بلدنا و لكنه ليس أمتنا ) ، و إن إيمانهم بوحدة الأمة العربية إيمان راسخ لا يتزعزع ، و إن القانون الذي لا يحترم الواقع سيواجه صعوبة في التطبيق .