الكرك و احداث آب الماضي
جريدة الدستور – الاحد – 29/9/1996
أما وقد هدأت الأمور و قال من قال و شجب من شجب ، و كتب من كتب ، و اجتهد كل برأيه فقد رأيت و أنا مقيم في الكرك من أكثر من خمسين عاما كوني ابنها لم اكن خلالها متفرجا أن اكتب و اجتهد و اقترح .
منطقة الكرك هي هضبة مؤاب و تتكون من جبال و هضاب و سهول و اودية و اراض زراعية و جبلية و ارض موات و اراضي دولة ، يحد منطقة الكرك من الشمال وادي الموجب السحيق ، كما يحدها من الجنوب وادي الحسا و يحدها من الشرق الطريق الصحراوي الذي يبعد عن الكرك 40 كيلومترا كما يحدها من الغرب البحر الميت و ترتفع الهضبة عن سطح البحر حوالي 1200 م .
يبلغ سكان هذه المنطقة حوالي 180 ألف نسمة ، يعيشون في اكقر من مائة قرية تحيط بمدينة الكرك من الجهات الاربع ، هذه المدينة تقع على جبل يرتفع عن سطح البحر 100 متر ، و تحيط بها الاودية السحيقة من جهات الشرق و الشمال و الغرب و خندق محفور بالصخر من الجنوب و هي مدينة حصينة بالنسبة لحروب العصور القديمة و الوسطى و تقع في الجزء الجنوب منها قلعة الكرك و التي هي مفصولة بدورها عن مدينة الكرك .
سكان منطقة الكرك هم من ابناء عشائر المنطقة مع عدد من الاخوة الفلسطينيين و الاخوة الشوام و يعرفون بعضهم البعض و لم يأت المنطقة سكان جدد من الخارج بل على العكس كثير من سكانها يهجرون المنطقة الى عمان و الزرقاء و العقبة طلبا للرزق و تحسين اوضاعهم المعيشية .
أن هذه المنطقة معزولة عن الخارج الى حد ما الا ما كان من علاقات تجارية و وظيفية من عمان و على نطاق محدود و لا يأتي لهذه المنطقة من الخارج الا صاحب حاجة يقضيها و يعود و زاد من عزلتها أن الخط الصحراوي يصل ما بين عمان و معان و العقبة و لا يمر بمنطقة الكرك بل يبعد عن الكرك 40 كيلومترا ، مما حرم المنطقة من احياء الحركة التجارية و النشاط الاقتصادي .
و هناك الخط الجديد من الشونة الى الزارة الى الاغوار الجنوبية الى العقبة و لا يمر بمنطقة الكرك بل يبعد عن الكرك حوالي 30 كيلومترا غربا ، و هذا ايضا حرم المنطقة من الاستفادة من حركة النقل و التجارة و النشاط الاقتصادي ، اضف الى ذلك تجميد الخط القديم ( الطريق السلطاني ) ، الواصل ما بين عمان مادبا ، ذيبا ، الموجب ، القصر ، الربة ، المنهمية ، الكرك ، و من ثم الكرك ، العدنانية ، مؤتة ، المزار ، الحسينية ، الطفيلة ، حيث كان هذا الخط خط حيوي للقرى العديدة التي يمر بها و يعدعم الحركة التجارية و حركة النقل و الخدمات ، و يمكن اعادة الحياة في هذا الخط عن طريق تحسين و توسيع طريق الموجب بحيث يصبح خطا مفيدا للقرى المار بها و هو يشكل طريقا سياحيا جيدا يصل ما بين عمان ، مادبا ، الكرك ، الطفيلة ، الشوبك ، البتراء ، العقبة .
و لا بد في هذا المقال من الإشارة الى المصادر التي يعتمد عليها سكان منطقة الكرك في معيشتهم بحيث تكون الصورة اوضح و هذه المصادر هي :
1- الراتب : سواء اكان هذا الراتب راتب الوظيفة المدنية أم العسكرية أم القاطع الخاص ، و كما هو معروف و على ضوء انخفاض قيمة العملة و ارتفاع الاسعار و زيادة متطلبات المعيشة و تجدد الحاجات العائلية فان هذا الراتب لا يغطي هذا الحاجات و يعيش الموظف في حالة ضنك و قلق و تذمر و وضع نفسي متوتر ، و للحقيقة اقول أن أي زيادة تأتي للراتب لا تحل المشكلة فالموضوع موضوع طلبات كثيرة و متجددة و الراتب ثابت و القيمة الشرائية تضعف .
2- الزراعة : و كما هو معروف فان الأرض التي هي العنصر الاساسي للزراعة بحاجة الى الماء في حين أن الامطار قليلة في السنوات الماضية مما جعل المزارعين في خسارة مستمرة مع قلة الايدي العاملة حيث امتصت المدارس و الكليات و الجامعات معظم الابناء و البنات و بالتالي فان هذا الجيل ابتعد عن الزراعة و لم يعد يمارس الزراعة الخاسرة الا الجيل القديم الذي ليس له عمل غير الزراعة ، و استطيع القول أن حوالي 75% من الذين يعملون في الزراعة يتدهور وضعهم الاقتصادي سنة بعد الأخرى ، هذا و لا يخلو الأمر من فروق فردية تتعلق بالفلاح و الأرض و الماء و هي على كل حال قليلة و حتى هؤلاء كثيرا ما يتعرضون الى نكسات .
3- التجارة : و استطيع القول انه لا يوجد اثرياء في منطقة الكرك و اذا وجد فأنهم لا يتجاوزون العشرات و أن ما يقارب من 85% من التجار هم اصحاب رؤوس أموال فردية بسيطة و لا يكاد العمل التجاري الذي يشتغلون به أن يغطي تكاليف معيشتهم لان التجارة في المنطقة هي تجارة محلية بسيطة و لا يصل التجار فيها لدرجة الغنى لو عملوا عشرات السنين لضيق المنطقة ، و عدم توفر القوة الشرائية في ايدي الناس ، الذين يسعون بكل جهدهم لتأمين معيشة عائلاتهم العادية و لا ننسى أن القوة الشرائية في ايدي الناس تصرف خلال عشرة ايام من 25 من كل شهر حتى الخامس من الشهر الذي يليه :
4- المهن و الخدمات المختلفة : و كما هو معروف فان هذه تتأثر بشكل أو بآخر بتوفر السيولة فكلما كانت السيولة متوفر و جيدة فان اصحاب المهن و الخدمات يتخلون و بعكس ذلك فأنهم يتعرضون للبطالة و التوقف عن العمل ، و هناك فئة يمكن القول أنها تكسب و أن كان الذين يعملون فيها محدود و منهم المقاولون فأنهم في غالب الاحيان يكونون من المستفيدين خاصة من المشاريع الحكومية .
و في الإشارة الى احداث الكرك لا بد هنا من ملاحظة و هي أن سوء الوضع الاقتصادي العام و الخاص ينعكس على مزاج الناس و يوجد لديهم حالات من الاحباط و التذمر و التجهم أحيانا الذي لا يعطي مجالا واسعا للحوار الموضوعي و تحكيم العقل و المنطق لان الانسان معبأ نفسيا بالتمرد و التحديد و الانفعال مما يؤدي الى الوقوع بالخطأ و المشاكل .
لا بد من هذه التوضيحات عن الواقع لاصل الى جواب للسؤال الذي قد يسأل و هو هل هناك اقتراحات فاجيب : أن واجب الحكومة في عمان أن تقوم بالدراسة اللازمة على الواقع و من ثم تعرف الظروف و هي بما لديها من دراسات و إمكانيات هي تعرفها تستطيع أن تضع الحلول و لديها من الدارسين و المخططين و الاقتصاديين و السياسيين اذا رغبت يستطيعون أن يضعوا حلولا و الحلول على كل حال ليست من المعجزات بل من الممكنات و مع ذلك فانني أورد بعض الاقتراحات التي تؤشر على الممكن على ضوء الواقع .
1- أن تقوم الادارة في جامعة مؤتة بالتعاون مع الحكام الاداريين و رؤساء البلديات و رؤساء الاندية و مجمع النقابات المهنية و رؤساء الغرف التجارية و التنظيمات الحزبية في المنطقة و رؤساء الدوائر المختصة بتشكيل فرق ميدانية لدراسة الاوضاع المعيشية للناس و بيان حاجاتهم و دراسة المشاريع التي يمكن انشائها لمساعدة الناس ، و كل ما يتعلق بذلك ، و من ثم تصنف هذه الدراسة حسب الاولويات و تقدم إلى اصحاب القرار في العاصمة ، لتقوم بترجمة هذه الدراسات و الاقتراحات على ارض الواقع ، ووضع الميزانية اللازمة لذلك ، حسب الاولويات مع بعض التعديلات إذا لزم الأمر .
2- أن تنشيء الحكومة عن طريق وزارة الزراعة مشروعا زراعيا في منطقة الكرك تزوده بالآليات من جرافات و تراكتورات و سيارات و تنكات ماء و موظفين و مهندسين زراعيين على غرار مديريات الاشغال العامة و تكون مهمة هذا المشروع زراعة الأرض في مناطق مختلفة عن طريق استئجارها ثم زراعة ارض الدولة الصالحة ثم تشجير جوانب الطرق و مداخل المدن و القرى ثم تشجير اراضي الدولة الجبلية بالاشجار الحرجية و تقوم بالزراعة على اسس فنية صحيحة بحيث تهدف الى الربح ثم الارشاد ثم النموذج ، و اذا اقتنع المسؤولون بذلك فأنهم قادرون على تبني المشروع و ادخال اسباب النجاح عليه .
3- العمل على تحسين و توسيع طريق الموجب ليصبح طريقا تجاريا و سياحيا و يساعد على انعاش قرى كثيرة هي التي يمر بها ، و منطقة الكرك بشكل عام و تدب الحياة التجارية و السياحية و الخدمات في المدن و القرى المارة بها و المحيطة بها .
4- العمل على اقامة المهرجانات الرياضية و الثقافية و الفنية و المعارض المختلفة في منطقة الكرك ، و تشجيع الرحلات السياحية و المدرسية و الجامعية من مناطق عمان و السلط و الشمال الى الكرك ، و اقترح أن يقام مهرجان الربيع في الكرك في شهر نيسان من كل عام يشترك فيه من الفرق من كافة أنحاء المملكة و يستمر عشرة ايام مع توفير المواصلات الجيدة للمشاركين و المتفرجين من عمان وا لوسط و الشمال.
5- رغم حساسية هذا الاقتراح و لكن الهدف منه هو تنمية منطقة الكرك كما حصل في مدينة الزرقاء ، و الاقتراح هو نقل بعض الوحدات العسكرية إلى منطقة ما بين محي ، الفج ، اللجون ، اعالي الموجب ، بحيث يسهمون في انعاش منطقة الكرك اسوة بالزرقاء التي اسهم الجيش في تطورها و مرانها و ما بالك اذا اسهمت هذه الوحدات بالمشاريع الانشائية في المنطقة .
و أخيرا أقول .. أن الناس في منطقة الكرك بحاجة الى ما يرفه عهم و يبعث السعادة في نفوسهم عن طريق الحفلات الفنية و المهرجانات السنوية المختلفة بان الوطن للجميع و خيرات الوطن للجميع و التضحية في سبيل الوطن مطلوبة من الجميع و المطلوب أن تهتم القيادة المركزية بالارياف و الأطراف و التي هي بحاجة ماسة و أن لا تركز اهتمامها على العاصمة و التي اصبحت هي الأردن و تناست الروافد من جميع الاتجاهات .