الالتزام الاميركي بدعم اسرائيل كأفضل صديق في العالم لم يصل الى درجة الثبات والديمومة عبر كل العهود سواء كان الجالس في البيت الابيض ديمقراطيا او جمهوريا، لأن بين البلدين مصالح عادية كما هي بين أي دولتين في العالم، ولو كان هذا السبب هو ما يحكم العلاقة بين اسرائيل واميركا فقط، لكان بامكان أي دولة زحزحة اسرائيل من مكانها في القلب الاميركي، ورأينا اسرائيل تأتي بعد معظم الدول العربية ولا سيما النفطية في قائمة الدول الأقرب لأميركا، نظرا للعطاء غير المحدود الذي يقدمه العرب للدولة الأعظم في العالم.
المسألة ليست في ما تقدمه اسرائيل وما يقدمه غيرها، فالعطاء بدون قوة تمكن صاحبها من فرض شروطه لا قيمة له، لا بل يكون في حالة انعدام القوة استحقاقا مفروغا منه أي بالعامية «خاوة» ان لم يدفعها الضعيف يختفي من الصورة.
منذ بدايات القرن الماضي الذي شهد حربين عالميتين تنبه مؤسسو الدولة العبرية الى أهمية وقوة الولايات المتحدة الاميركية، وتوصلوا الى اليقين بأن هذه الدولة ستكون صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى في العالم في الزمن القادم، وان نجم الامبراطوريات القديمة وفي مقدمتها بريطانيا العظمى الى افول وزوال، وانطلاقا من هذا اليقين اجتهدوا في السيطرة على مقاليد القرار فيها، قادهم الاجتهاد الى ضرورة احتكار ادوات التأثير داخل الولايات المتحدة وعدم السماح لأي كان من خارج اليهود بالتواجد في دوائر بعينها مثل الاعلام والاقتصاد والبنوك والصناعة، ولضمان بقاء دفة التوجيه بأيديهم، وظفوا الجالية اليهودية ومنحوها تصريحا للعمل بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق هذه الأهداف.
ومنذ ذلك الزمن وحتى اليوم لم تفلت ولم تستطع ان تفلت أي ادارة اميركية من القبضة الاسرائيلية، خاصة فيما يتصل باغتصاب اسرائيل لفلسطين وبقائها متفوقة على دول المحيط كلها، والادارة الجديدة ليست خارج هذه الحقيقة بالرغم من كل المظاهر الخادعة التي رافقت قدوم اوباما الذي اعلن من خارج اسوار البيت الابيض انه سيبدأ التعامل مع ملف القضية الفلسطينية منذ اليوم الاول لدخول البيت العتيد.
فعندما استرسل اوباما بالحديث عن جديته في ايجاد حل للقضية الفلسطينية، تفاءل العرب ولم يتشاءم الاسرائيليون، السبب بسيط ان اسرائيل تملك الغاء الشعور بالتفاؤل والتشاؤم، بالعمل على تغيير تفكير الرئيس واعادة ترتيب اولوياته، وهذا ما حصل حيث تم استنفار القوى المؤثرة في الداخل الاميركي والمساندة لاسرائيل وتوجيهها بوضع اسماء دول تشكل خطورة على اميركا مثل ايران وافغانستان والعراق وربما تركيا لاحقا في مقدمة اهتمامات الرئيس وأوليات ادارته، واقناعه بأنه يستطيع الاعتماد على اسرائيل اذا ما فكر في مجابهة هذه الدول بأي مستوى من مستويات المجابهة.
وبموازاة هذه القضايا الخارجية لا بد من وضعه ايضا في دوامة داخلية لا تترك له مجالا للتفكير بهدوء ولعل قضايا نضوب اموال الضمان الاجتماعي واعادة النظر بنظام التأمين الصحي وايجاد فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل، بنود تندرج ضمن اجندة جاهزة لاحكام السيطرة والتوجيه.
لقد نجحت اسرائيل في امتصاص اندفاع اوباما وادارته باتجاه ايجاد حل لقضية فلسطين، بينما كان رد الفعل العربي الشعور بخيبة الأمل كما هي العادة.
فرح العرب بوهم الأزمة الحالية بين اميركيا واسرائيل بسبب الاعلان عن بناء 1600 مستوطنة جديدة اثناء وجود نائب الرئيس الاميركي في اسرائيل يعكس عجزهم، بالرغم من قناعتهم بأن هذه الأزمة ليست سوى زوبعة في كشتبان سرعان ما تنتهي وتصبح في ذمة الماضي، هذا العجز جعلهم يرضون بالراحة التي تتيحها فسحة زمن قصيرة بين كل تفاؤل وتشاؤم في المسيرة الطويلة لقضيتهم الأطول.
الراي.
مجيد عصفور